وكالة "فيتش" تخفض التصنيف الائتماني لفرنسا بسبب الاضطرابات السياسية وعبء الديون


الجريدة العقارية السبت 13 سبتمبر 2025 | 07:12 مساءً
محمد عاطف

خفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني (Fitch Ratings) التصنيف السيادي لفرنسا من "AA-" إلى "A+"، مشيرة إلى أن الاضطرابات السياسية وتكرار انهيار الحكومات أضعفت قدرة البلاد على السيطرة على ديونها العامة، ودخلت معها في مرحلة طويلة من عدم اليقين المالي.

تصنيف فرنسا الأدنى بين الوكالات الكبرى

بهذا الخفض، أصبحت فرنسا عند مستوى أدنى من المملكة المتحدة ومتساوية مع بلجيكا، فيما يعتبر تصنيف "فيتش" الآن الأضعف من بين وكالات التصنيف الثلاث الكبرى.

ورغم أن التصنيف لا يزال بعيداً عن فئة "الديون عالية المخاطر"، إلا أنه يفصلها عنها فقط ست درجات.

فيتش تحذر: عبء الديون يُقيد قدرة فرنسا على مواجهة الصدمات

في بيان صدر يوم الجمعة، أوضحت "فيتش" أن الارتفاع المتواصل في الدين العام يحدّ من قدرة فرنسا على التعامل مع أزمات مستقبلية دون تفاقم أوضاعها المالية.

أزمة سياسية مستمرة تُضعف ثقة المستثمرين

يأتي هذا الخفض بعد أسبوع سياسي مضطرب بدأ بانهيار الحكومة الفرنسية الأخيرة، عقب رفض البرلمان خطط خفض العجز المالي، الذي يُعد الأكبر في منطقة اليورو.

وفي محاولة لاحتواء الأزمة، عيّن الرئيس إيمانويل ماكرون الوزير سيباستيان لوكورنو رئيسًا جديدًا للوزراء يوم الأربعاء، للتشاور مع المعارضة بشأن إعداد موازنة جديدة، بعد فشل الخطة السابقة لخفض العجز من 5.4% إلى 4.6%.

لكن المناخ السياسي لا يزال مشحوناً، حيث يُطالب نواب من اليمين واليسار المتطرف بـاستقالة ماكرون أو إعادة الانتخابات البرلمانية، وسط انقسام البرلمان إلى ثلاث كتل متصارعة تعرقل تمرير الإصلاحات.

تكرار تغيير الحكومات يُضعف الإصلاحات

أشارت "فيتش" إلى أن ثلاث حكومات تعاقبت على فرنسا منذ الانتخابات المبكرة في منتصف 2024، ما يعكس حالة استقطاب وتشرذم سياسي تعرقل تنفيذ أي إصلاح مالي جذري.

وقالت الوكالة: "من غير المرجّح أن تتمكن فرنسا من خفض العجز المالي الرئيسي إلى 3% من الناتج المحلي بحلول عام 2029، كما كانت تستهدف الحكومة السابقة".

الجمود السياسي مرشّح للاستمرار حتى 2027

توقعت "فيتش" أن تستمر حالة الجمود السياسي حتى موعد الانتخابات الرئاسية القادمة في 2027، ما يقلّص فرص إجراء أي إصلاحات مالية مؤثرة على المدى القريب.

ورأت الوكالة أن الفترة المقبلة ستشهد مفاوضات مالية مشحونة، مرجّحة أن تؤدي إلى حزمة مالية أقل تشدداً من تلك التي اقترحتها الحكومة السابقة، خاصة في ظل ضعف التوافق البرلماني.

خطر الدخول في فترة "الاعتمادات المصوّت عليها"

في حال فشل البرلمان في تمرير موازنة جديدة قبل نهاية العام، ستمر فرنسا بفترة تُعرف بـ"الاعتمادات المصوّت عليها" (services votés)، وهي حالة تشريعية تقيد الإنفاق الحكومي على البنود التي أُقرّت مسبقاً فقط، وتمنع إدخال أي إجراءات تقشفية أو إصلاحات جديدة.

سجل ضعيف في خفض العجز وثقة المستثمرين تتراجع

تعاني فرنسا تاريخيًا من صعوبة في الالتزام بأهداف خفض العجز مقارنة بدول منطقة اليورو الأخرى، كما تواجه صعوبات في كبح الإنفاق بعد الأزمات، ما زاد من اعتمادها على الاقتراض.

وشهدت الأشهر الـ18 الماضية تراجعًا في ثقة المستثمرين، ما تسبب في موجات بيع للأصول الفرنسية، وتوسّع الفارق بين عوائد السندات الفرنسية والألمانية، خاصة بعد إعلان ماكرون عن الانتخابات المبكرة العام الماضي.

نظرة مستقبلية اقتصادية مستقرة رغم التحديات

رغم الخفض الائتماني، أبقت "فيتش" على توقعاتها الاقتصادية لفرنسا مستقرة، متوقعة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بـ:

0.6% في 2025

0.9% في 2026

1.2% في 2027

وأشارت إلى أن ارتفاع معدل الادخار الأسري وصلابة الوضع المالي للشركات الفرنسية سيساعد على دعم الاستهلاك والاستثمار، خاصة مع تراجع معدلات التضخم.

لكنها حذّرت من أن استمرار الاضطرابات السياسية وتآكل الثقة العامة قد يؤدي إلى تخلف فرنسا عن باقي دول منطقة اليورو في وتيرة النمو هذا العام.

فيتش سبقت وكالات التصنيف الأخرى

يُذكر أن هذا هو ثاني خفض تقوم به "فيتش" لتصنيف فرنسا منذ عام 2023، وكانت الوكالة قد عدلت نظرتها إلى "سلبية" العام الماضي. وقد أعقبتها في ذلك وكالتا "موديز" و"ستاندرد آند بورز" بخطوات مماثلة، مما يعكس القلق الدولي المتزايد بشأن الاستقرار السياسي والمالي في فرنسا.