قال الدكتور أنس الحجي، الخبير في شؤون الطاقة، إن وكالة الطاقة الدولية قد تحولت منذ عام 2020 من دورها الأساسي في حماية أمن الطاقة في الدول الصناعية إلى ما يشبه وكالة لحماية البيئة، موضحًا أن هذا التحول بدأ مع وصول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السلطة، حيث غيرت الوكالة توجهاتها وبدأت تتحدث عن سيناريوهات للوصول إلى الحياد الكربوني بدلاً من تقديم توقعات موضوعية قائمة على السياسات الحالية.
وأوضح الحجي في مداخلة مع العربية بيزنس، أن "كل ما قامت به الوكالة خلال السنوات الخمس الماضية هو إعداد سيناريوهات لتحقيق الحياد الكربوني، وليس توقعات واقعية"، مشيرًا إلى أن التغيير الأخير في نهج الوكالة جاء نتيجة ضغوط من الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي هدد بخيارين: إما انسحاب الولايات المتحدة من الوكالة، أو تغيير توجهاتها. وأضاف: "الآن بدأوا بالتغيير بإضافة هذا التوقع، لكن الإشكالية أن هذا التوقع يفترض أن السياسات الحالية ستنجح بنسبة 100%، وهذا لا يمكن لعاقل أن يقبله".
وفي حديثه عن سردية التحول إلى الطاقة المتجددة، أشار الحجي إلى وجود تناقضات كبيرة في الطرح الدولي، قائلاً: "إذا كانوا يعتقدون أن التغير المناخي سيؤدي إلى كوارث طبيعية ضخمة، فلماذا يُجبر العالم على تبني مصادر طاقة مرتبطة بالطقس بالكامل؟ مثل الطاقة الشمسية، والرياح، والمياه، والوقود الحيوي؟ هذه المصادر كلها تعتمد على الطقس، وهنا تكمن المشكلة".
وأضاف أن أحد أسباب تغيير الوكالة في الفترة الأخيرة هو الواقع الذي فرض نفسه، حيث بدأت حتى شركات السيارات في التراجع عن أهدافها. وقال: "اليوم هناك خبر جديد أن شركة رام (ستيلانتيس) أوقفت إنتاج الشاحنات الكهربائية بالكامل".
وتطرق الحجي إلى توقعات سابقة بشأن تأثير السيارات الكهربائية على الطلب على النفط، والتي ثبت خطأها، مشيرًا إلى أن هناك مبالغات في تقدير أثر هذه السيارات على السوق العالمي.
وفي حديثه عن المواقف الدولية، أشار الحجي إلى تصريح سابق لوزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، الذي وصف سيناريو الحياد الكربوني الذي روجت له وكالة الطاقة الدولية بأنه "سيناريو من لا لا لاند"، في إشارة إلى عدم واقعيته.
نحتاج إلى كل مصادر الطاقة
وأوضح الحجي أن الدول المنتجة، وعلى رأسها السعودية، تؤمن بأهمية تنويع مصادر الطاقة، مشيرًا إلى أن المملكة الغنية بالنفط والغاز، تستثمر أيضًا في الطاقة الشمسية، والهوائية، والنووية، معتبرًا أن هذا التنوع ضروري سواء من الناحية البيئية أو السياسية أو الأمنية.
وأكد أن "التحول من مصادر طاقة موثوقة إلى مصادر غير موثوقة أمر غير منطقي"، مشيرًا إلى الكارثة التي حدثت في بريطانيا عام 2021 عندما توقف الهواء، فتوقفت الطاقة الهوائية والكهرباء، وكذلك الانقطاع الكبير الذي حصل في إسبانيا مؤخرًا.
وحذر الحجي من "أدلجة" قضية الطاقة، قائلاً: "لا يمكن أن يكون السياسي فجأة خبير طاقة ويقرر ما هي مصادر الطاقة المناسبة للناس وللشركات، هذا أمر غير منطقي".
كما انتقد الحجي الطرح الأوروبي والأمريكي القائل إن تبني الطاقة المتجددة يهدف للتخلص من الاعتماد على النفط القادم من الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن هذه الحجة غير صحيحة علميًا، لأن النفط نادراً ما يُستخدم في توليد الكهرباء، وقال: "في أوروبا، الهند، والصين، أقل من 1% من الكهرباء يُولد من النفط. فكيف نقول إن الطاقة المتجددة تقلل الاعتماد على النفط؟ هذا كلام غير معقول".
وأضاف: "حتى السعودية نفسها تعمل على وقف استخدام النفط في توليد الكهرباء، وستصبح من أكثر دول العالم نموًا في الطاقة المتجددة خلال السنوات المقبلة".