اختار فريق من مهندسي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) منطقة وادي الموت – إحدى أكثر الأماكن حرارة وجفافاً على سطح الأرض – لاختبار تقنية جديدة مبتكرة تهدف إلى إنتاج مياه الشرب من الهواء، في خطوة تفتح آفاقاً جديدة لمكافحة ندرة المياه.
جهاز صغير يعتمد على الهيدروجيل والطاقة الشمسية فقط
يعتمد الجهاز الجديد على مادة ماصة تعرف بالهيدروجيل، وهي مادة إسفنجية تضاف إليها أملاح معينة، ثم تُغلف بطبقة زجاجية شفافة.
يمتص الهيدروجيل بخار الماء من الجو عند انخفاض الحرارة، فينتفخ، ثم ينكمش عند تعرضه لحرارة الشمس، مطلقاً الماء الذي يتكثف على الزجاج وينساب عبر أنبوب ليخرج كمياه نقية صالحة للشرب، دون الحاجة إلى كهرباء أو بطاريات.
رغم أن الإنتاج اليومي في الظروف الصحراوية لا يتجاوز ثلثي كوب من الماء، إلا أن الباحثين، وعلى رأسهم البروفسور شوانهي تشاو، يؤكدون أن الهدف على المدى البعيد هو توفير مياه شرب نظيفة للأسر في المناطق النائية والمعزولة.
أزمة مياه عالمية تتطلب حلولاً جديدة
تأتي هذه الجهود في وقت يعاني فيه أكثر من ملياري إنسان من نقص في مياه الشرب الآمنة، وهي أزمة مرشحة للتفاقم بفعل تغير المناخ، وتزايد الجفاف، واستنزاف المياه الجوفية، ما يجعل تقنيات مثل هذه أكثر أهمية من أي وقت مضى.
تاريخ طويل لفكرة حصاد المياه من الجو
رغم أن مبدأ حصاد المياه من الغلاف الجوي ليس جديداً – حيث استخدم الإنسان الضباب والنباتات والأقمشة منذ القدم لجمع الماء – إلا أن النسخ الحديثة تعتمد غالباً على أجهزة تبريد، ما يجعلها محدودة الفعالية في البيئات الجافة.
الابتكار الحالي يركز على استخدام مواد مجففة مثل الهيدروجيل و"الأيروجيل"، التي تتميز بكفاءتها العالية وتكلفتها المنخفضة، خصوصاً أنها نفس المواد المستخدمة في حفاضات الأطفال.
تجارب واعدة في صحارى العالم
شهد هذا المجال تطوراً سريعاً، فقد أظهرت تجارب في صحراء أتاكاما في تشيلي إنتاج 0.1 جالون ماء يومياً لكل متر مربع، بينما تمكن مشروع آخر في لاس فيجاس من إنتاج جالون كامل باستخدام غشاء مستوحى من الطبيعة، وتحديداً من ضفادع الأشجار ونباتات الهواء.
تحديات في الكفاءة والتكلفة
رغم التقدم، يرى خبراء أن التقنية لا تزال غير عملية كمصدر رئيسي للمياه.
يقول كريستوفر [اسون، من مؤسسة Global Water Intelligence، إن الكميات المنتَجة ضئيلة، بينما يشير الأكاديمي بول ويسترهف إلى أن تكلفة إنتاج لتر واحد من هذه المياه تعادل أكثر من عشرة أضعاف تكلفة مياه الصنبور، وتفوق حتى تكلفة تحلية مياه البحر.
فرص في التطبيقات المتخصصة
ومع ذلك، يرجّح بعض الخبراء أن يكون لهذه التقنية دور فعال في الصناعات التي تتطلب مياه عالية النقاء، مثل:
صناعة أشباه الموصلات
البطاريات
الأدوية والمعدات الطبية
المشروبات الغازية
كما يمكن استخدامها في الظروف الطارئة، الكوارث، أو من قِبل الجنود في الميدان، رغم استمرار الجدل حول جدواها في مثل هذه الحالات.
من وعود إلى واقع صناعي؟
تسعى بعض الشركات، مثل AirJoule الأميركية، إلى توسيع نطاق الإنتاج التجاري عبر استخدام الحرارة الصناعية المهدورة، في محاولة لإنتاج ما يصل إلى 800 جالون يومياً، ويُقدّر حجم السوق العالمي لهذه التقنيات بأكثر من 2 مليار دولار.
ورغم الخلاف حول كونها حلاً ثورياً أم وهماً مكلفاً، فإن معظم التقديرات تشير إلى أن تقنية حصاد المياه من الهواء ستشهد نموًا ملموسًا خلال العقد المقبل مع تحسّن الكفاءة وتراجع التكاليف.
هل سيكون الهواء هو المصدر القادم لمياه الشرب؟
الزمن كفيل بالإجابة، لكن المؤكد أن العلماء والمهندسين باتوا يبحثون في كل زاوية من الطبيعة لمواجهة أزمة المياه المتصاعدة.