أزمات متراكمة تضرب اقتصاد بيلاروسيا رغم النمو الظاهري


الجمعة 05 سبتمبر 2025 | 10:50 مساءً
وكالات

يواجه اقتصاد بيلاروسيا تحديات متصاعدة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، والتي أضافت مزيدًا من الضغوط إلى اقتصاد كان يعاني أصلاً من اختلالات داخلية وتبعية شبه تامة لروسيا/ وبينما سجل الاقتصاد بعض النمو خلال العامين الماضيين، فإن المؤشرات الحالية تنذر بعودة الأزمات إلى الواجهة.

نمو اقتصادي محدود وسط أزمات متجددة

بعد انكماش بنسبة 4.7% في عام 2022، انتعش الاقتصاد البيلاروسي نسبيًا نتيجة ارتفاع الطلب الروسي على السلع وتدفق الأموال من موسكو، مسجلاً نموًا إجماليًا بنحو 4% خلال عامين، إلا أن هذا التعافي بدأ بالتلاشي في عام 2025، مع تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.1% في النصف الأول من العام، وظهور مؤشرات مقلقة كالنقص الحاد في المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس، والتي تُعد من الأغذية الرئيسية في البلاد.

التضخم ونقص العمالة

من أبرز المشكلات التي يواجهها الاقتصاد البيلاروسي حاليًا التضخم المرتفع ونقص القوى العاملة. فقد شهدت البلاد موجة تضخمية كبيرة في عام 2022 وصلت ذروتها إلى 18%، ما دفع الحكومة إلى فرض سياسات صارمة لتجميد الأسعار شملت مئات السلع.

أما في سوق العمل، فإن الفجوة بين العرض والطلب باتت مقلقة، حيث تفوق الوظائف الشاغرة عدد العاطلين المسجلين رسميًا بما يقارب 50 ضعفًا. وتشير التقديرات إلى مغادرة ما يقرب من 600 ألف شخص البلاد خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهو ما يعادل حوالي 10% من القوى العاملة.

دور الحرب الروسية في تأجيج الأوضاع الاقتصادية

أثرت العقوبات الغربية على موسكو بشدة في الاقتصاد الروسي، وامتدت تداعياتها إلى بيلاروسيا، ومع تحوّل العديد من المؤسسات في بيلاروسيا إلى دعم الجهد الحربي الروسي، سواء بإنتاج العتاد أو توفير المستلزمات العسكرية، شهدت بعض القطاعات الصناعية زيادة في النشاط، لكنها لم تكن كافية لتعويض الأثر الشامل للعقوبات والانكماش.

كما استفادت الشركات البيلاروسية من الفراغ الذي خلفه خروج العلامات التجارية الغربية من السوق الروسية، مما عزز الصادرات ورفع الدخل في قطاعات معينة، وساهم في ارتفاع متوسط الأجور بنسبة 32%، ما أدى إلى انتعاش محدود في سوق العقارات.

محاولات لمعالجة أزمة نقص العمالة

في محاولة للتعامل مع نقص الأيدي العاملة، عقدت الحكومة البيلاروسية اتفاقية مع باكستان لاستقبال نحو 150 ألف مهاجر. كما لجأت السلطات إلى تحفيز المواطنين على الإنجاب وزيادة معدلات الولادة. غير أن هذه الإجراءات لم تحقق نتائج ملموسة حتى الآن، في ظل استمرار النزوح السكاني وغياب الثقة بالمستقبل السياسي والاقتصادي للبلاد.

رقابة مشددة على الأسعار

لمواجهة التضخم، فرض الرئيس ألكسندر لوكاشينكو حظرًا على رفع أسعار مئات المنتجات، لكن هذه السياسات أثارت ردود فعل غير تقليدية من قبل التجار، مثل بيع الطماطم والخيار كمجموعة واحدة تحت اسم "سلطة" لتجاوز التسعير الإجباري. كما عمد بعض المنتجين إلى تصدير سلع محلية إلى الخارج، لا سيما روسيا، ما ساهم في زيادة النقص داخل السوق المحلي.

تذبذب العلاقة مع موسكو

ظلت بيلاروسيا لعقود تعتمد بشدة على روسيا اقتصاديًا وسياسيًا، وكان لوكاشينكو ماهرًا في المناورة بين موسكو والغرب. ومع اندلاع الحرب، تخلت مينسك عن موقف الحياد وأعلنت دعمها الصريح لروسيا، مما زاد من تعقيد علاقاتها مع الغرب.

لكن مع تفاقم الأزمات، ظهرت محاولات محتشمة للخروج من العباءة الروسية، أبرزها التوجه نحو الصين كمصدر بديل للشراكة الاقتصادية، رغم أن هذا المسار لا يزال محدودًا بسبب مرور التجارة عبر الأراضي الروسية واعتماد البنية التحتية على النظام الاقتصادي الروسي.

إشارات متباينة نحو الغرب

بحسب تقارير غربية، بدأ لوكاشينكو في إبداء بعض المرونة تجاه الغرب، منها الإفراج عن بعض السجناء السياسيين، وطرح إمكانية استئناف الرحلات الجوية التجارية، وفتح قنوات اتصال مع مسؤولين أميركيين، أبرزهم المبعوث الرئاسي إلى أوكرانيا.

لكن الغرب لا يزال يطالب بخطوات أكثر جدية، خاصة فيما يتعلق بملف الحريات السياسية والإفراج عن المعارضين، قبل النظر في أي تخفيف للعقوبات الاقتصادية المفروضة على مينسك.

هل يسعى لوكاشينكو للعب دور الوسيط؟

في ظل محاولات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العودة إلى المشهد السياسي والتوسط في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، أبدى لوكاشينكو استعدادًا للعب دور الوسيط أو المساعد في التعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، معتبرًا نفسه "الأقدر على فهم عقلية الكرملين"، بحسب تصريحاته لمجلة تايم الأمريكية.

اقتصاد هش وموقع سياسي معقد

على الرغم من مرونة الاقتصاد البيلاروسي في وجه الأزمات، فإن التبعية لروسيا، ونقص العمالة، والتضخم، والعقوبات الغربية، تجعل من مستقبل البلاد الاقتصادي غامضًا. وبينما يحاول لوكاشينكو التوازن بين موسكو والغرب، يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى يمكن أن تصمد بيلاروسيا اقتصاديًا وسياسيًا دون إعادة هيكلة حقيقية لعلاقاتها وتحالفاتها؟