تتحول أمريكا اللاتينية من لاعب ثانوي ظل طويلًا في ظل منتجي الشرق الأوسط والصخر الزيتي الأمريكي، إلى قوة رئيسية في أسواق النفط العالمية، مع توقعات بأن تغطي المنطقة أكثر من ثلث نمو الطلب العالمي على النفط حتى عام 2030، وفقًا لتقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية.
وتبرز ثلاث دول على وجه الخصوص كـ"نجوم صاعدة" في المشهد النفطي، هي البرازيل وغيانا والأرجنتين، حيث يُنتظر أن تحقق مكاسب متفاوتة: دعم معتدل للاقتصاد البرازيلي الضخم، وضخ مالي حيوي للأرجنتين في وقت حساس اقتصاديًا، وفرصة تحول تاريخي لغيانا الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة.
أسواق النفط العالمية
كانت أمريكا اللاتينية تنتج في مطلع الألفية نحو 9 ملايين برميل يوميًا، أي ما يعادل 13% من المعروض العالمي، غير أن هذا المستوى تراجع إلى 6.5 مليون برميل يوميًا في عام 2020، متأثرًا بانهيار صناعة النفط في فنزويلا والأزمة العالمية الناجمة عن جائحة كورونا، وتمكنت المنطقة من استعادة مستويات إنتاجها السابقة البالغة 9 ملايين برميل يوميًا، وهو ما ساهم في تعزيز المعروض العالمي وخفض الأسعار خلال الأشهر الخمسة الماضية.
وأبرز تحول في خريطة الإنتاج كان صعود البرازيل التي تجاوز إنتاجها 3.5 مليون برميل يومياً، متقدمة على فنزويلا والمكسيك اللتين فقدتا وزنهما التقليدي، فقد استقر إنتاج المكسيك عند نحو 1.7 مليون برميل يومياً بعد سنوات من التراجع، بينما بقي إنتاج فنزويلا أقل من مليون برميل يوميًا رغم بعض التعافي المحدود الذي سمحت به تراخيص لشركات مثل "شيفرون" وسط العقوبات الأمريكية.
وساهمت كولومبيا سابقًا في سد الفجوة الإنتاجية، لكنها تراجعت إلى حوالي 0.7 مليون برميل يوميًا، أما الأرجنتين وغيانا فقد صعدتا بقوة مؤخرًا لتصبحا من أهم مصادر النمو المستقبلي.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تسهم أمريكا اللاتينية بحوالي ربع الزيادة المتوقعة في العرض العالمي خلال الفترة 2025 – 2030، مما يمنح الأسواق رؤية إيجابية للأسعار على المدى القريب، وتتميز المنطقة بأهمية خاصة لكونها أقل تعرضًا للمخاطر الجيوسياسية مقارنة بمناطق إنتاج أخرى، فيما تبقى التوترات السياسية عاملًا رئيسيًا مؤثرًا على أسعار النفط عالميًا.
البرازيل مرشحة لزيادة إنتاجها إلى 4–5 ملايين برميل يوميًا بقيادة شركة "بتروبراس"، في حين يُنتظر أن تتجاوز غيانا حاجز المليون برميل يوميًا مع التوسع في تطوير حقل "ستابروك" الذي تديره "إكسون موبيل"، أما الأرجنتين، فبفضل طفرة الصخر الزيتي في حوض "فاكا مويرتا"، فهي في طريقها أيضًا لتجاوز حاجز المليون برميل يوميًا.
كما تتسارع عمليات الاستكشاف في سورينام المجاورة لغيانا، بينما يُرجح أن تحقق فنزويلا بعض المكاسب الإضافية مع استمرار مرونة تراخيص الشركات الأجنبية رغم العقوبات الأمريكية، وستعوض هذه الزيادات التراجعات في المكسيك وكولومبيا، ما يبقي الإنتاج الإقليمي في مسار صاعد.
مكاسب اقتصادية متفاوتة
على الرغم من الطفرة، فإن الأثر الاقتصادي يختلف من دولة لأخرى، ففي البرازيل، لا تمثل صادرات النفط سوى 6.2% من عائدات الصادرات، بينما تشكل 4.7% فقط في الأرجنتين، حيث ساعد التوسع النفطي على تخفيف ضغوط مالية حادة تزامنت مع ارتفاع العملة المحلية بعد تولي الرئيس خافيير ميلي منصبه.
أما غيانا، فتُعد حالة استثنائية؛ إذ حولتها الطفرة النفطية إلى أغنى دولة في أمريكا اللاتينية من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي، لكنها فتحت في الوقت نفسه جدلًا داخليًا محتدمًا حول كيفية توزيع الثروة الجديدة، ما جعلها قضية انتخابية محورية.