أكد حاكم مصرف سوريا المركزي الدكتور عبد القادر حصري أنّ سوريا تعيش اليوم مرحلة مفصلية على الصعيدين المالي والاقتصادي، مشيراً إلى أنّ الجهود المبذولة منذ تولي الإدارة الانتقالية في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 بدأت تعطي ثمارها بعد أقل من 270 يوماً من العمل المتواصل.
وأوضح حصري في لقاء مع الشرق بلومبرج، أنّ الأولوية في المرحلة الراهنة كانت رفع العقوبات وتهيئة البيئة القانونية والمالية لعودة سوريا إلى النظام المالي العالمي، لافتاً إلى أنّ الاتفاقات الأخيرة مع وزارة الخزانة ووزارة التجارة الأميركيتين ستُسهّل المعاملات المالية مع دمشق. وأضاف: "نحن الآن في طور التعاقد مع مزوّد الخدمة الخاص بنظام سويفت، وقد وقّعت بالأمس أوراقاً مهمة بهذا الشأن، وخلال الأسابيع المقبلة ستكون لنا اجتماعات مع بنوك ومؤسسات مالية دولية".
وبيّن الحاكم أنّ العودة إلى سويفت ستفتح الباب أمام تدفق الاستثمارات إلى سوريا، سواء عبر تحويلات نقدية مباشرة تدخل القطاع المصرفي أو من خلال استيراد المعدات والآلات اللازمة لإعادة الإعمار، مؤكداً أنّ المصرف يسعى كذلك إلى فتح حساب مع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لإتاحة التحويلات بالدولار باعتباره عملة رئيسية للتبادل الدولي.
وفي حديثه عن الوضع الاقتصادي العام، شدّد حصري على أنّ البلاد انتقلت من حالة الانهيار التام إلى حالة الاستقرار التدريجي، وقال: "استلمنا دولة تحت الصفر، لكن بفضل الجهود المشتركة تمكّنا من إعادة التوازن. اليوم لدينا مؤشرات إيجابية، أهمها عودة أكثر من 850 ألف سوري من الخارج خلال الأشهر الماضية، إلى جانب انطلاق مشاريع في مجالات الطاقة والمياه والبناء"، معتبراً أنّ ذلك يعكس ثقة متزايدة بالاقتصاد الوطني.
وأشار حاكم المصرف إلى أنّ الاستقرار النقدي يُعدّ أحد أبرز إنجازات المرحلة الحالية، حيث انخفض التضخم بشكل ملموس نتيجة إصلاحات نقدية ومالية متوازية مع فتح باب الاستيراد وانحسار حلقات الفساد والاحتكار، مضيفاً أنّ "القطاع المالي الآن أمام تحدٍ أساسي يتمثل في إعادة تنظيم دوره الوسيط بين القطاع الأهلي وقطاع الأعمال، وضمان قدرته على تمويل المشاريع الجديدة برؤوس أموال كافية"، مشدداً على أنّ إصلاح المصارف الوطنية هو الخطوة التالية بعد استقرار السياسة النقدية.
كما اعتبر أنّ ميزان المدفوعات السوري يشكّل مؤشراً حاسماً على مسار التعافي، قائلاً: "كل ما مررنا به في المرحلة الماضية كان تحضيراً لبدء عملية إعادة الإعمار. وعندما نرى سماء دمشق والمحافظات تزدحم بعشرات الرافعات، فهذا دليل على انطلاق مرحلة جديدة تحتاج إلى استثمارات مباشرة وقنوات مصرفية حديثة وأدوات دفع وائتمان فعّالة"، مؤكداً أنّ المصرف المركزي يضع ذلك في مقدمة أولوياته.
وختم حصري حديثه بالتأكيد على أنّ الشعب السوري يمتلك القدرة على تحقيق "المعجزة الاقتصادية السورية"، موضحاً أنّ الدعم الدولي المتزايد والبيئة الاستثمارية الجديدة يشكّلان فرصة ذهبية لا بد من استغلالها حتى آخر نقطة.