أكد الخبير المصرفي محمد البيه أن ما يشاع بشأن سعي مصر إلى خفض قيمة عملتها المحلية مقابل العملات الأجنبية لا يعكس حقيقة الوضع الاقتصادي، ويمثل قراءة غير مكتملة للمشهد الكلي، موضحًا أن هذا الطرح يتعارض مع طبيعة الاقتصاد المصري الذي لا يتمتع بفائض تجاري مستدام، وهو ما يجعل خفض العملة غير منطقي في هذه المرحلة.
وأشار البيه إلى أن خفض قيمة العملة عادةً ما يكون سياسة معتمدة لدى الدول ذات الفائض في الميزان التجاري والتي تعتمد على التصدير بشكل أساسي، وهو ما لا ينطبق على الحالة المصرية.
وقال: مصر رغم سعيها الجاد لزيادة صادراتها عبر مبادرات كبرى – من بينها خطة الوصول إلى 100 مليار دولار صادرات بحلول 2030 – لا تزال تعتمد على الاستيراد في العديد من القطاعات الحيوية، مثل الغذاء والوقود.
ولفت إلى أن صادرات مصر بلغت خلال العام المالي 2024/2025 نحو 30 مليار دولار، وهي زيادة جيدة، لكنها لا تقارن بحجم الواردات، خاصة في ظل استمرار الحاجة لاستيراد المواد الأساسية مثل القمح والذرة والصويا، بالإضافة إلى المشتقات البترولية، مشيرًا إلى أن الميزان البترولي بات يعاني من عجز في ظل تراجع الفوائض المعتادة في صادرات الغاز الطبيعي.
وعن التراجع الأخير في سعر الدولار، أوضح البيه أن هذا الانخفاض جاء نتيجة مجموعة من العوامل الدولية والمحلية، مشيرًا إلى أن تراجع العوائد على الدولار عالميًا، لا سيما في ظل سياسات الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب، دفع المستثمرين إلى إعادة توجيه استثماراتهم نحو أسواق ناشئة، من بينها منطقة الشرق الأوسط.. كما أشار إلى أن انتهاء التصعيد بين إيران وإسرائيل ساهم في عودة الاستقرار النسبي للأسواق الإقليمية، وهو ما شجّع المستثمرين على تنويع محافظهم والعودة إلى المنطقة، خصوصًا مع تحسن المؤشرات الاقتصادية في مصر.
وأضاف أن معدل النمو في مصر بلغ نحو 4.5 %، ونسبة البطالة لم تتجاوز 7 %، وهذه أرقام إيجابية عززت ثقة المستثمرين وساهمت في تدفق العملة الأجنبية إلى السوق الرسمية عبر الجهاز المصرفي»، بحسب البيه.
وشدد على أن تحرير سعر الصرف وفق آلية العرض والطلب منذ مارس 2024، ساهم في إنهاء السوق الموازية للعملة الأجنبية، ووفّر أداة مرنة لإدارة التدفقات النقدية بفاعلية، ما أدى إلى تحسّن واضح في سعر الجنيه مقابل الدولار.
وأكد البيه أن تحويلات العاملين في الخارج سجلت ارتفاعًا كبيرًا خلال الفترة الأخيرة، لتصل إلى نحو 33 مليار دولار، وهو رقم يعكس استعادة الثقة في النظام المصرفي بعد تحرير سعر الصرف.. وأوضح البيه أن الدولار الأمريكي – باعتباره العملة الرئيسية في التجارة الدولية والتي تمثل أكثر من 60 % من حجم المبادلات التجارية عالميًا – شهد انخفاضًا ملحوظًا في قيمته أمام العملات الأجنبية خلال الفترة الأخيرة، وهو ما انعكس بدوره على تحسن نسبي في سعر صرف الجنيه المصري.
وقال البيه: «مع انخفاض قيمة الدولار، ساعدت متوسطات سعر الصرف في تحسن العملة المحلية، ليصل الدولار في السوق المصرية إلى حدود تتراوح بين 48.60 و48.70 جنيهًا، وهو ما نتوقع أن يستمر حتى شهري سبتمبر وأكتوبر المقبلين، في حال استقرار العوامل المؤثرة».
وأكد البيه أن العامل الأهم في مستقبل سعر الصرف يتمثل في مدى الالتزام بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، خاصة في ظل انتظار صرف الشريحتين المتبقيتين من التمويل، وذلك عقب المراجعة المتوقعة من قبل الصندوق في شهر أكتوبر، وصدور القرار بشأن الصرف خلال نوفمبر المقبل.
وأضاف: «التزام مصر بهذا البرنامج يعطي مؤشرات إيجابية للأسواق الدولية، ويعزز من فرص جذب الاستثمارات الأجنبية، كما يتيح للدولة إمكانية الدخول إلى أسواق السندات الدولية بأسعار فائدة منخفضة نسبيًا، مما يقلل من تكلفة التمويل ويزيد من الثقة في الاقتصاد».
القدرة على سداد الالتزامات الخارجية مؤشر مهم للاستقرار وتطرّق البيه إلى جانب آخر مؤثر في مسار الجنيه، وهو سداد الالتزامات الخارجية وفقًا لجداول الاستحقاق المحددة، مشيرًا إلى أن نجاح الدولة في توفير الموارد اللازمة لتغطية هذه القروض في مواعيدها يعزز من مصداقية الدولة أمام المستثمرين.
وأوضح: «في حال تمكنت الدولة من الوفاء بهذه الالتزامات دون تأخير، فإن ذلك يعكس قدرة مالية مستقرة ويعطي إشارات إيجابية للأسواق الدولية بشأن الاستقرار المالي والنقدي في مصر».
وأشار البيه إلى أن تقييمات وكالات التصنيف الائتماني الدولية مثل «موديز» و»فيتش» و»ستاندرد آند بورز» تلعب دورًا مهمًا في تشكيل صورة الاقتصاد المصري عالميًا، مؤكدًا أن الحفاظ على التصنيف الحالي أو تحسنه سيكون له تأثير كبير على استمرار تدفقات الاستثمار الأجنبي.
وقال: «أي نظرة مستقبلية إيجابية أو استقرار في التصنيف الائتماني يشجّع المستثمرين على الاستمرار في السوق المصرية، أما تراجع التصنيف فقد يدفع بعضهم إلى اتباع نهج تحوطي وتحويل استثماراتهم إلى أسواق بديلة».
واختتم البيه تصريحه بالتأكيد على أن سعر الجنيه المصري من المرجح أن يظل مستقرًا في النطاق الحالي، الذي يتراوح بين 48 و50 جنيهًا للدولار حتى نهاية شهر سبتمبر 2025، موضحًا أن الفترة التالية ستعتمد بشكل كبير على تطورات العوامل السابق ذكرها.