يبدو أن الانتعاش الأخير في أسواق وول ستريت والدولار الأمريكي لم يكن كافيًا لتبديد مخاوف المستثمرين بشأن قدرة الأصول الأمريكية على مواصلة تفوقها العالمي، إذ بدأت مؤسسات مالية كبرى ومستثمرون عالميون في إعادة تقييم مكانة السوق الأمريكية، في ظل تصاعد التوترات التجارية وتراجع الثقة في استثنائية الاقتصاد الأمريكي.
فبعد سلسلة من الصفقات التجارية التي أبرمتها إدارة ترامب عززت من أداء الأسهم الأمريكية، وأدت إلى تحقيق مؤشرات مثل S&P 500 أرقامًا قياسية جديدة، عادت الشكوك لتسيطر من جديد بعد فرض موجة جديدة من الرسوم الجمركية على شركاء تجاريين رئيسيين مثل كندا والهند وتايوان والبرازيل، وفقًا لرويترز.
أسواق وول ستريت والدولار الأمريكي
دفع الانخفاض الحاد للدولار بنسبة تقترب من 8% منذ بداية العام، بالتوازي مع تفاقم العجز المالي، محللين للتحذير من تراجع جاذبية الأصول المقومة بالدولار.
واعتبرت لوري هاينل، كبيرة مسؤولي الاستثمار العالمي في "State Street Global Advisors"، أن تزايد الديون الحكومية يجعل الأصول الأميركية أقل إغراءً.
وأوضح محللو "سوسيتيه جنرال" أن الرسوم الأخيرة كانت أسوأ من المتوقع، ما أثر سلبًا على الأسواق، رغم أن رد الفعل لم يكن بالحدة نفسها التي سُجلت خلال الموجات الأولى من التعريفات في أبريل الماضي.
التحول في مخصصات المؤسسات الكبرى
بحسب دراسة حديثة أجرتها مؤسسة "CoreData"، قام 47% من كبار المستثمرين بتقليص مخصصاتهم الاستراتيجية طويلة الأجل للسوق الأمريكية، وهو ما وصفه مايكل مورلي، رئيس الشركة في الولايات المتحدة، بالتحول الكبير مقارنةً بالوضع قبل عامين، حين كانت الولايات المتحدة تمثل الخيار الأول في المحافظ العالمية.
وفي المقابل، ارتفعت توقعات المستثمرين تجاه أوروبا والصين والأسواق الناشئة، وأبدت كريستينا هوبر، كبيرة استراتيجيي السوق في مجموعة "مان"، قلقها من وزن الأصول الأمريكية في المحافظ، مؤكدة أن الوقت حان لإعادة التوازن والتحول إلى الحياد في الولايات المتحدة.
الرسوم الجمركية تدفع التضخم
بيانات التضخم في يونيو أظهرت أعلى زيادة في أسعار المستهلك منذ خمسة أشهر، ما يعكس تأثير الرسوم الجمركية على الأسعار، ووسط تباطؤ ملحوظ في النشاط الاقتصادي، يزداد القلق من تبعات مشروع قانون الضرائب والإنفاق الذي يُتوقع أن يضيف تريليونات إلى الدين العام.
وقال تييري ويزمان، استراتيجي النقد الأجنبي في "ماكواري"، إن دور الدولار كعملة احتياطية بات مهددًا مع تخلي الولايات المتحدة عن دورها في تسهيل التجارة الحرة، متوقعًا عمليات بيع مكثفة للدولار في أي موجة ارتفاع مقبلة.
الابتكار الأمريكي وقطاع التكنولوجيا
يواصل عدد من المحللين الرهان على الابتكار الأمريكي وقطاع التكنولوجيا كعوامل داعمة للأسواق الأمريكية، وأكدت كيلي كوالسكي، رئيسة استراتيجية الاستثمار في "MassMutual"، أن الولايات المتحدة لا تزال موطنًا لأكثر الشركات ربحية وابتكارًا، معتبرة أن الحديث عن نهاية التفوق الأمريكي مبالغ فيه.
في السياق ذاته، بيّنت بيانات وزارة الخزانة الأميركية عودة الأجانب لشراء السندات الأمريكية في مايو بعد عمليات بيع كثيفة في أبريل، ما يُعد مؤشرًا على بقاء الثقة في الدين الأمريكي رغم ارتفاع العجز.
كما تقلص الفارق بين أداء مؤشر "STOXX 600" الأوروبي و"S&P 500"، ما يشير إلى استمرار جاذبية الأسهم الأمريكية، خصوصًا مع كل تقدم في ملف التجارة.
الذكاء الاصطناعي يحدد المسار القادم
بحسب ريتشارد لايتبورن، نائب كبير مسؤولي الاستثمار في صندوق "MKB Capital"، فإن العامل الحاسم في المشهد لا يتعلق بالسياسة، بل بالتكنولوجيا، مضيفًا: "نحن لا نزال في المراحل المبكرة لتبني الذكاء الاصطناعي وتكامله في الاقتصاد، وهو ما قد يمنح الأسواق الأمريكية تفوقًا مستقبليًا".
ويرى أنتوني ساجليمبين، كبير استراتيجيي السوق في "Ameriprise Financial"، أن المناخ الكلي في الولايات المتحدة أكثر استقرارًا نسبيًا، وهو ما يُبرر – في رأيه – الاستمرار في منح الأسهم الأمريكية وزنًا نسبيًا أعلى في المحافظ العالمية، ولو بشكل طفيف.