رغم الزخم العالمي المصاحب لثورة الذكاء الاصطناعي، لا تزال معظم الشركات والمؤسسات عاجزة عن تبني هذه التقنية بشكل فعّال ومستدام، نتيجة تحديات هيكلية تتقدمها فجوة المواهب، وعدم جاهزية البنى التحتية التكنولوجية، إلى جانب ضبابية العائد على الاستثمار.
وفي مقابلة خاصة مع "CNN الاقتصادية"، أوضح إبراهيم لعايدي، الشريك في شركة "باين آند كومباني"، أن فقط 20% من الشركات تمتلك كوادر مدربة على الذكاء الاصطناعي ضمن صفوفها، ما يُشكل عائقًا رئيسيًا أمام استيعاب وتطبيق التقنية الحديثة.
ثلاثة عوائق رئيسية أمام التبني الواسع للذكاء الاصطناعي
قسّم لعايدي التحديات إلى ثلاثة محاور رئيسية:
فجوة المواهب:
بحسب دراسات حديثة لشركتي "غارتنر" و"باين"، تبين أن النقص في الكفاءات المؤهلة لاستخدام الذكاء الاصطناعي هو أبرز عائق. وأضاف لعايدي: "لاحظنا أن الموظفين الذين يتفاعلون عمليًا مع أدوات الذكاء الاصطناعي يتبنونها بمعدل مضاعف مقارنة بمن يتلقون تدريباً نظرياً فقط."
أنظمة التكنولوجيا القديمة:
كثير من المؤسسات لا تزال تستخدم أنظمة لا تتوافق مع متطلبات الذكاء الاصطناعي مثل النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs)، مما يعيق عمليات التحديث والدمج الفعالة.
غياب مؤشرات مالية واضحة:
أشار لعايدي إلى أن العديد من الشركات تعتمد على افتراضات مبنية على تحسين الإنتاجية وتوفير الوقت، دون ربط تلك الفوائد بنتائج مالية قابلة للقياس، ما يجعل اتخاذ قرار استثماري في هذا المجال محفوفًا بالتردد.
الإمارات والسعودية في الصدارة إقليمياً
سلّط لعايدي الضوء على بعض النماذج الحكومية الرائدة في المنطقة، قائلًا:
"إذا نظرنا إلى الإمارات العربية المتحدة، نجد مبادرات مثل برنامج فالكون للماجستير باللغة العربية، ومشروع كور 42 بالشراكة مع مايكروسوفت لبناء سحابة وطنية داعمة للذكاء الاصطناعي. في السعودية، أطلق صندوق الاستثمارات العامة شركة 'هيوماين' لتكون لاعباً وطنياً في المجال".
وأضاف أن حكومات دول الخليج تتحرك "من الاستراتيجية إلى التنفيذ"، مع الاستثمار في مراكز البيانات، ونماذج اللغة، وتحديث البنى التحتية، إلا أن تحقيق الأثر الحقيقي ما زال بحاجة إلى وقت والتزام طويل الأمد.
من التجريب إلى التحول: أربعة عوامل حاسمة لنجاح الذكاء الاصطناعي
وفقًا لدراسة جديدة أجرتها "باين آند كومباني"، فإن العديد من المؤسسات ما زالت تتعامل مع الذكاء الاصطناعي كمشروع جانبي، وليس كجزء جوهري من بنيتها التشغيلية، وحددت الدراسة أربعة عوامل أساسية لتحقيق التغيير الجذري:
ملكية واضحة للعمل:
يجب أن تقود فرق الأعمال تبني الذكاء الاصطناعي، وليس فقط فرق التكنولوجيا أو الابتكار.
إعادة هيكلة مسار العمل:
لا يكفي دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في العمليات القديمة، بل يجب إعادة تصميم العمليات من الأساس على نحو يخدم الإمكانيات الجديدة.
نموذج تشغيل مناسب:
يتطلب الأمر تشكيل فرق واضحة ذات أدوار محددة وهياكل اتخاذ قرار تتيح ربط التقنية بالنتائج.
ثقافة مؤسسية مستدامة:
النجاح في الذكاء الاصطناعي يستوجب دمجه ضمن الثقافة اليومية للمؤسسة، وهو ما يتطلب وقتاً ودعماً قيادياً متواصلاً.
الذكاء الاصطناعي ليس أكثر ذكاءً من الإنسان.. حتى الآن
وفي ختام حديثه، قال لعايدي:"لا يمكننا القول حالياً إن الذكاء الاصطناعي أذكى من الإنسان، لكن خلال 3 إلى 5 سنوات، ومع تسارع تطور التكنولوجيا والأجهزة والحوسبة، قد نشهد تحولات جذرية تقلب كل المقاييس".