اتفق خبراء صناعة الحديد والصلب فى مصر على مجموعة من القرارات والإجراءات التى من شأنها وضع هذا القطاع المهم على خريطة التنافسية فى الأسواق العالمية، ويأتى فى مقدمتها فرض رسوم الإغراق وزيادة الرسوم الجمركية على الواردات للمساهمة فى حماية الصناعة الوطنية، خاصة أن السنوات الثلاثة الأخيرة قد شهدت زيادة قيمة واردات الحديد إلى ثمانية أضعاف، وأكدوا أنه من بين هذه الإجراءات أيضا العمل على زيادة الإنتاج وتشجيع الصادرات، مما يساهم فى خفض تكلفة الصناعة المحلية بما ينعكس على قوتها فى الأسواق الخارجية وبالتالى يمكن تحسين العجز فى الميزان التجارى وجذب مزيد من الاستثمارات فى مجال صناعة الحديد، حيث تساهم هذه الصناعة بما يقرب من 84 مليار جنيه فى الناتج المحلى الإجمالى من خلال 7 ملايين طن تمثل الإنتاج السنوى من الحديد.
بدورها أكدت دراسة حديثة لغرفة الصناعات المعدنية أن حماية صناعة الحديد يخفف الضغط على العملة الأجنبية ويؤدى إلى تحسين الميزان التجارى وزيادة حصلية الضرائب المصرية وتشجيع الاستثمار فى الصناعة المحلية.
فى البداية أكد جمال الجارحى.. رئيس غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، إن زيادة الطاقة الإنتاجية لصناعة الحديد فى مصر هى من أهم العوامل التى تساهم فى حماية الصناعة، مشيرا إلى ضرورة فرض رسوم حماية لرفع الضرر الشديد الواقع على الصناعة والمتمثل فى تحقيق خسائر بلغت 3 مليارات جنيه، إلى جانب فقدان مبيعات وحصة سوقية كبيرة لعدد من الشركات، وهبوط فى معدلات الإنتاج وتدهور معدل العائد على الاستثمار.
وأضاف «الجارحى» أن حجم الطاقة الإنتاجية للصناعة المصرية يقدر بحوالى 12 مليون طن، فى حين أن الإنتاج الفعلى هو 7 ملايين طن ويتم استيراد حوالى 1.7 مليون طن، وهذا معناه أن صناعة الحديد تمثل 3.2٪ من الناتج المحلى الإجمالى.
وفى السياق ذاته قال الدكتور مجدى عبدالعزيز.. رئيس مصلحة الجمارك، الفترة الأخيرة شهدت تراجعا فى واردات مصر من الحديد عقب قرار تحرير سعر الصرف، وهو الأمر الذى عزز من حماية الصناعة الوطنية، مشيرا إلى أن واردات مصر من الحديد المُصنع بلغت حوالى 600 مليون دولار فى الفترة من نوفمبر 2015 وحتى أغسطس 2016، وهى الفترة السابقة لقرارات التعويم، وانخفضت هذه النسبة إلى 229 مليون دولار خلال نفس الفترة فى العام 2016/2017.
ومن جانبه قال إبراهيم السجينى.. رئيس جهاز مكافحة الدعم والإغراق، إن الحكومة تتبع العديد من الآليات للحفاظ على الصناعة الوطنية فى مقدمتها فرض رسوم مكافحة إغراق فى حال انخفضت أسعار التصدير مقارنة بسعر بيعها فى بلد المنشأ، بما يضر بالصناعة الوطنية للدول المستوردة فى هذه الحالة، بالإضافة إلى فرض رسوم وقائية وقد تم فرضها لمدة 3 سنوات بعد ارتفاع حجم واردات الحديد من 250 ألف طن إلى 1.7 مليون طن من 2014 إلى 2017، مشيرا إلى أن الحكومة فرضت رسوم إغراق مؤقتة على الحديد تام الصنع الوارد من الصين وتركيا وأوكرانيا لحين الانتهاء من التحقيقات فى شهر ديسمبر المقبل.
فيما أكد محمد سيد حنفى.. عضو غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات أن فرض رسوم الإغراق هى بداية تصحيح مسار سيساهم فى حماية الصناعة المحلية من خسائر تجاوزت الـ3 مليارات جنيه خلال الفترة 2013 – 2016 بسبب المنافسة مع واردات تصدر لمصر بأسعار أقل من أسعار الدول المصدرة فى أسواقها المحلية. منوها إلى أن تحول الصناعة من الخسائر إلى الأرباح المعقولة يرفع خطط التوسع والاستثمارات المستقبلية لزيادة الطاقات الإنتاجية وتلبية احتياجات السوق المحلى وتصدير الفائض من الإنتاج.
وأوضح حنفى أن حجم الصادرات زاد فى الفترة الأخيرة عقب صدور قرار رسم الإغراق حيث ارتفعت صادرات حديد التسليح بنسبة 230٪ حيث ارتفعت من 16.8 ألف طن خلال الربع الثانى إلى 55.5 ألف طن فى الربع الثالث، وهو ما يساهم فى توفير العملة الأجنبية.
فى نفس الإطار أصدرت غرفة الصناعات المعدنية دراسة حديثة تناولت خلالها أهم العوامل الأساسية التى تساهم فى جعل صناعة الحديد فى السوق المصرى صناعة قومية أساسية قادرة على التنافس بين الأسواق الخارجية وتتلخص تلك العوامل فى فرض رسوم إغراق لحماية الصناعة المحلية وزيادة الإنتاج المحلى وارتفاع قيمة الصادرات المصرية وتحسين الكفاءة الإنتاجية للمنتج المصرى ورفع التنافسية بين الأسواق التصدرية وتخفيف الضغط على العملة الأجنبية وتحسين الميزان التجارى وزيادة حصلية الضرائب المصرية وتشجيع الاستثمار فى الصناعة المحلية
وأوضحت الدراسة أن فرض رسوم الإغراق يأتى لأن هناك زيادة كبيرة ومفاجئة ومؤثرة فى كمية الواردات وصلت أكثر من 8 أضعافها خلال 3 سنوات من 200 ألف إلى 1.7 مليون طن وبأسعار متدنية وهذا ما وقع بضرر بالغ على الصناعة تمثل فى تحقيق خسائر بلغت 3 مليارات جنيه فى نفس الفترة، فقدان مبيعات وحصة سوقية، هبوط معدلات الإنتاج وتدهور معدل العائد على الاستثمار، وطبقا لاشتراطات منظمة التجارة العالمية وبالاستعانة بمحامى ومحققين دوليين تم إثبات العلاقة المباشرة بين الضرر الواقع على الصناعة والواردات المغرقة من تركيا وأوكرانيا والصين وأن تلك الدول المصدرة لمصر إما تبيع أقل من التكلفة أو أقل من أسعار بيعها فى أسواقها، و على ذلك هناك أدلة قوية على وجود إغراق مما يتطلب اتخاذ إجراءات طبقاً لقواعد منظمة التجارة العالمي
وتطرح الدراسة، السؤال هنا هل تخسر تلك الدول من تصدير إنتاجهم بأسعار أقل من أسعار بيعها المحلية؟ الإجابة بالطبع لا بسبب ما تقوم به حكوماتهم من تقديم الدعم لصناعة الصلب ومن أمثلتها الدعم الحكومى فى الصين الذى يتمثل فى معاملة ضريبية تفضيلية لمنتجى الصلب ومنها الاعفاء من ضريبة القيمة المضافة والتعريفة للمعدات المستوردة، وحوافز للتصدير تصل إلى 17٪ من القيمة، وتقديم الأراضى بأقل من سعرها السوقى ومنح مالية وعينية من صناديق خاصة بالدولة، والتساهل فى تطبيق المعايير البيئية مما يخفض من تكلفة المنتجين كما ذكرت الدراسة أمثلة فى تركيا تمثلت فى توفير الغاز بأقل من أسعاره الحقيقية وشراء الدولة للكهرباء بأكثر من سعرها من محطات كهرباء منتجى الصلب والفائضة عن حاجتهم من خلال قروض ميسرة ومساعدات حكومية ومنح ضريبية، وأنظمة حوافز للاستثمار منها إعفاءات جمركية واعفاءات ضريبة القيمة المضافة، وتقديم الأراضى بأقل من سعرها السوقى، ودعم مالى لتعويض النفقات المتعلقة بالتحقيقات التجارية، وفوائد قروض البنوك لا تصل إلى 10٪
وكشفت الدراسة أن هناك دولا أخرى رفعت قضايا إغراق على الدول الثلاثة المعنية برسوم الإغراق فى مصر، حيث إن العالم كله يتجه لوضع الرسوم الحمائية فيوجد 43 دولة أقامت 112 قضية إغراق متنوعة فى 5 سنين السابقة، 49 قضية منها ضد أوكرانيا وتركيا والصين بالإضافة إلى بعض رسوم الإغراق فى شيلى وضعت رسوم إغراق من 28٪ إلى 40٪ على المستورد الصينى، وتايلاند وضعت رسوم إغراق من 7٪ إلى 38٪ على المستورد التركي، والاتحاد الأوروبى وضع رسوم إغراق من 5٪ إلى 36٪ على المستورد الصيني
وأوضحت أنه سبق أن فرضت تركيا حظرا على الحديد الروسى عندما هدد الصناعة التركية والآن لا تحتاج وضع رسوم حماية لأن دولة تركيا لديها رسوم جمركية ثابتة على واردات حديد التسليح 27٪، يعنى هما واخدين إعفاءات ضريبية وجمركية ومساعدات مالية، ونحن ندفع ضرائب حتى على الخامات تسترد عند بيع المنتج، وحتى تسترديكون مستحقا عليها فوائد بنكية مرتفعة.
وفيما يخص انخفاض سعر الحديد المستورد أكدت الدراسة أن انخفاض سعر الحديد المستورد لا يستفيد منه المستهلك بل يذهب لزيادة أرباح المستوردين، حيث يضع المستوردون أسعار المصانع المحلية كسعر استرشادى ويقوم بالتسعير بأسعار تقل 50 أو 100 جنيه عن أسعار المصنعين المحليين بغض النظر عن تكلفة استيراده، فالمستورد يبيع بأسعار يحقق من ورائها أرباحا طائلة، وكذلك التحايل على الضرائب والجمارك بوسائل شتى. هذا فضلاً عن أى عمولات نقدية يتقاضاها من المصدرين عبر وكلائهم فى السوق المحلى وعدد العمالة لدى المستورد لا تتعدى 4 أشخاص بينما عند المصنعين المحليين تتجاوز الآلاف.
وكشفت الدراسة عن أسباب ارتفاع أسعار الحديد بمصر بعد فرض رسوم الإغراق المؤقتة بصورة ملحوظة وذلك حيث صادفت الفترة التى تلت قرار رسوم الإغراق المؤقتة فى بداية يونيو الماضى ارتفاعات فى أسعار الخامات و المنتجات العالمية وبالتالى ارتفعت أسعار البيع المحلية للمصانع كنتيجة لزيادة التكلفة، وكان معدل الزيادة فى أسعار الحديد متماشيا مع الزيادة فى أسعار الخامات ويجدر الإشارة إلى أن أسعار الحديد بالعالم ارتفعت من 430 إلى 580 دولاراً خلال تلك الفترة بزيادة تعادل 2500 جنيه بينما لم ترتفع الأسعار المحلية بنفس المقدار. هذا آخذاً فى الاعتبار أنه فى تلك الفترة زادت أسعار الكهرباء بنسبة 40٪ وزادت معدلات الفائدة البنكية على القروض بنسبة 2٪. بالإضافة إلى زيادة ضريبة القيمة المضافة من 13٪ إلى 14٪ و حتى الدول المغرقة مثل الصين وتركيا وأوكرانيا رفعت أسعار تصديرها فى تلك الفترة بمعدلات وصلت إلى 25٪ نتيجة تأثرها بارتفاع أسعار الخامات مثلما تأثرت جميع الأسواق العالمية، ومن البديهى الا يكون ارتفاع الأسعار بالعالم كان نتيجة لفرض رسوم بمصر والخلاصة أن معدلات الزيادة فى أسعار البيع المحلية فى مصر تتماشى مع معدلات الزيادة فى أسعار الحديد العالمية والعكس صحيح حال الانخفاض.
وأوضحت الدراسة أن الإيجابيات بعد فرض رسوم الإغراق على الصناعة تمثلت فى بداية تصحيح مسار سيساهم فى حماية الصناعة المحلية من خسائر تجاوزت الـ 3 مليارات جنيه خلال الفترة 2013 –
2016 بسبب المنافسة مع واردات تصدر لمصر بأسعار أقل من أسعار الدول المصدرة فى أسواقها المحلية. أن تحول الصناعة من الخسائر إلى الأرباح المعقولة يرفع خطط التوسع والاستثمارات المستقبلية لزيادة الطاقات الإنتاجية وتلبية احتياجات السوق المحلى وتصدير الفائض من الإنتاج فطبقاً للبيانات الرسمية من وزارة التموين والتجارة الداخلية فقد ارتفع الإنتاج المحلى بمعدل 24٪ من مليون و578 ألف طن فى الربع الثانى (أى قبل فرض الرسوم المؤقتة) إلى مليون و954 ألف طن فى الربع الثالث فيما ارتفعت صادرات حديد التسليح بنسبة 230٪ حيث ارتفعت من 16.8 ألف طن خلال الربع الثانى إلى 55.5 ألف طن فى الربع الثالث، وهو ما يساهم فى توفير العملة الأجنبية وتلك الزيادة فى الإنتاج والصادرات ساهم فى تحسين الكفاءة الإنتاجية للصناعة المحلية وخفض تكلفتها الكلية وبالتالى رفع تنافسيتها فى أسواق التصدير العالمية وأن الدولة سوف تستفيد من هذه الرسوم التى تحمى بها صناعتها حال استمرار هذا النهج الهادف لتدمير الصناعة المحلية، فلو احتسبنا المبالغ التى دخلت إلى خزينة الدولة من 85 ألف طن واردات وصلت مصر منذ فرض الرسوم(من أول يونيو وحتى آخر أكتوبر) فسنجدها اقتربت من الـ 100 مليون جنيه خلال 5 أشهر فقط هذا بالإضافة لاستفادة الحكومة من تخفيض الضغط على العملة الصعبة، وتحسن الميزان التجاري، وتشجيع الاستثمار فى الصناعة.
وذكرت الدراسة أنه فى حالة لم يتم تمديد رسم الإغراق حيث ستظل الواردات المغرقة توصل بشكل أكثر شراسة وبالتالى لن تستطيع الصناعة المحلية المنافسة حتى تزداد خسائرها وتغلق أبوابها ويأتى الاجانب لشراء المصانع المحلية ويكون التحكم فى الأسعار، مثلما حدث فى صناعة الأسمنت، حيث تم بيع المصانع بأسعار زهيدة، ثم قاموا برفع أسعار الأسمنت بشكل جنونى مستغلين عدم وجود أى منافسة بالسوق.
وأكدت الدراسة أن تسعير الحديد يتم وفقاً للتغير فى أسعار الخامات وحسابات التكلفة وهى تتحرك إلى أسفل وإلى أعلى طبقاً لاتجاهات أسعار الخامات العالمية وسعر صرف الدولار وليس أدل من أن الحديد هو السلعة الوحيدة التى انخفض سعرها من 2008 حتى 2016. وهناك منافسة حرة بين الكيانات الصناعية المحلية والتى أصبح احداها مملوكا للدولة ويمكن الآن للدولة التعرف على تكلفة الإنتاج والأسعار من خلال المصنع المملوك لها ثم مراعاة التكنولوجيا المركبة بكل مصنع للتأكد من المغالاة بالأسعار من عدمه.
وفيما يخص العجز بين العرض والطلب فى حالة توقف الاستيراد أشارت الدراسة إلى أن السوق المحلى لديه طاقات إنتاجية 11.9 مليون طن بينما أقصى طلب بلغ 8 ملايين طن أى انها تستطيع تغطية السوق من خلال طاقاتها الإنتاجية الفائضة عن حاجات السوق بحوالى 3.2 مليون طن وأن الواردات سنة 2013 كانت 205 آلاف طن فقط وفى خلال 4 سنوات بلغت 1.7 مليون طن، مما يعنى أنها تقتطع من الحصة السوقية للحديد المحلي،
وأخيرا ذكرت الدراسة أن الرسوم الجمركية الثابتة على الحديد فى مصر تأتى فى حديد التسليح هو المنتج الوحيد التام الصنع فى المنظومة الجمركية المصرية الذى لا تفرض على وارداته أى رسوم جمركية. فعلى سبيل المثال فإن التعريفة الجمركية المفروض على الصناعات المعدنية الأخرى مثل الألومنيوم والنحاس والنيكل والرصاص تتراوح مابين 10٪-20٪. ويجب التنويه إلى أن التزامات مصر الدولية فى اتفاقية منظمة التجارة العالمية تسمح لها بالوصول حتى 30٪ ولا يوجد أى مبرر لعدم وجود رسوم جمركية على الحديد خاصة بعد تغير الظروف الدولية ووجود فائض عالمى يتم توجيهه إلى الأسواق غير المحمية مثل المصرى مما يهدد الصناعة المحلية، خاصة أن الرسوم الجمركية على حديد التسليح كانت موجودة من قبل حيث تم تخفيضها عام 1998 من 30٪ إلى 20٪ ثم انخفضت إلى 5٪ عام 2004، حتى تم الغاؤها تماماً عام 2008.وهذه الرسوم الجمركية لن تحل محل رسوم الإغراق لان بعض الدول تتمتع بإعفاءات جمركية لن تتأثر بها حيث يوجد العديد من دول العالم تفرض رسوم جمركية على واردات حديد التسليح وتضع أغلب دول العالم رسوم جمركية تصل إلى 40٪ فى نيجيريا، وتركيا 27٪، كما أن الرسوما الجمركية لحديد التسليح فى الدول العربية تتراوح ما بين 5٪ إلى 20٪، بينما تصل فى باقى دول العالم إلى متوسط ما بين 4.4٪ إلى 40.6٪.