تتسارع وتيرة اعتماد شركات الطاقة على تقنيات الذكاء الاصطناعي، بهدف تسريع عمليات الاستكشاف، وتعزيز الكفاءة التشغيلية، وتبسيط أعمال الصيانة، في ظل التحديات الاستثمارية التي يواجهها القطاع. ويتوقع عدد من المحللين في مجال النفط والغاز أن يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في تعزيز عمليات الإنتاج والاستكشاف.
ووفقاً لتقرير "توقعات النفط العالمية" الصادر عن منظمة أوبك خلال الشهر الجاري، فإن الذكاء الاصطناعي زاد من ثقة المنتجين في خوض غمار مكامن أكثر تعقيداً. وأوضح التقرير أن دمج خوارزميات الذكاء الاصطناعي مع أنظمة المراقبة الفورية يسمح بضبط تركيبة سوائل الحفر وسرعة دوران رؤوس الحفر بشكل آلي تقريباً، مما يُسهم في تبني استراتيجيات متقدمة لتحسين الأداء.
وفي تصريح لـCNN الاقتصادية، قال ديفيد جوربناز، محلل أسواق النفط لدى ICIS، إن استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات الإنتاج يتوسع بشكل لافت، إذ يتيح المراقبة اللحظية والصيانة التنبؤية، ما يُمكن الشركات من التنبؤ بالأعطال قبل وقوعها، وبالتالي تقليل فترات التوقف وإطالة عمر المعدات. وأضاف أن نماذج التعلم الآلي تعالج كميات ضخمة من بيانات أجهزة الاستشعار لتحسين معايير الحفر، وتحديد معدلات التدفق، واختيار مواقع الآبار في الوقت الفعلي، مما يعزز الإنتاج والسلامة والكفاءة التشغيلية.
وأشار جوربناز إلى أن الذكاء الاصطناعي بات يُستخدم في تسجيل بيانات الآبار تلقائياً، ومحاكاة المكامن، والتنبؤ بالإنتاج، ما يتيح اتخاذ قرارات دقيقة وسريعة استجابةً لتغيرات الحقل. كما أفادت بعض الشركات بتحسن يتراوح بين 10% و15% في كفاءة الإنتاج بفضل استخدام منصات ذكاء اصطناعي قادرة على تحليل البيانات الزلزالية بشكل أسرع وأكثر دقة من الطرق التقليدية، ما يقلل من احتمالات الآبار الجافة ويزيد من معدلات النجاح في الاستكشاف.
من جانبها، رفعت أوبك توقعاتها للطلب العالمي على النفط حتى عام 2050، مؤكدة استمرار النمو على المدى الطويل. إلا أن هذه التقديرات تتعارض مع توقعات وكالة الطاقة الدولية، التي ترى أن الطلب سيبلغ ذروته بنهاية هذا العقد، إلى جانب توقعات العديد من المستثمرين الغربيين. وبناءً عليه، من المرجح أن تستثمر شركات الطاقة بشكل متزايد في حلول الذكاء الاصطناعي لاستخراج الاحتياطيات بأسرع وقت ممكن.
وفي جانب البحث والتطوير، أشار جوربناز إلى أن الذكاء الاصطناعي يدعم تطوير مواد جديدة مثل السبائك المقاومة للتآكل، بالإضافة إلى محاكاة ديناميكيات السوائل، ما يسرّع دورات الابتكار. أما في الإنتاج، فيُستخدم لتقليل الوقت غير المنتج، وخفض تكاليف الصيانة، وتحسين استهلاك الطاقة، حيث تستفيد شركات كبرى مثل "شل" و"بي بي" من الذكاء الاصطناعي في إدارة سلاسل التوريد، وتحسين أداء المصافي، وأتمتة عمليات التداول والجدولة، مما يؤدي إلى تحسين كفاءة رأس المال وخفض النفقات.
وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي لا يرفع الطلب على النفط بشكل مباشر، إلا أنه يساعد الشركات على التكيف بشكل أفضل مع أنماط الاستهلاك المتغيرة، ويتيح مرونة أعلى في العمليات مع التركيز على احتياجات العملاء. فعلى سبيل المثال، يمكن لشبكات بيع الوقود بالتجزئة استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين التسعير وإدارة المخزون بناءً على البيانات الفورية وسلوك المستهلكين، كما تستعين شركات الطاقة المتكاملة بالذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالطلب بدقة على المستويات الإقليمية والقطاعية، مما يُحسّن من كفاءة تخطيط الاستثمارات وتوجيه استراتيجيات التحول نحو الغاز الطبيعي المسال والطاقة المتجددة.
وفي الختام، أكد جوربناز أن منصات الذكاء الاصطناعي تعزز التفاعل مع العملاء، وتُتيح تصميم حلول طاقة مخصصة للقطاعات المختلفة، من صناعات إلى بلديات وأفراد، ما يفتح آفاقاً جديدة للطلب. كما تدعم رقمنة خدمات الطاقة، وتساعد شركات النفط والغاز الكبرى على التوسع في الشبكات الذكية، وبنى شحن السيارات الكهربائية، ونماذج "الطاقة كخدمة"، ما يساهم في تشكيل مستقبل قطاع الطاقة.