تتجه اقتصادات إفريقية كبرى إلى اعتماد استراتيجيات مختلفة بشأن أسعار الفائدة، بدءا من اليوم الخميس وعلى مدى الأسابيع القليلة المقبلة، مع تقييمها لتأثير الرسوم الجمركية التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وانعكاساتها الداخلية على الأداء الاقتصادي والتضخم.
وقالت أنجيليكا غوليغر، كبيرة الاقتصاديين لدى "إرنست ويونغ إفريقيا"(EY Africa):" قرارات السياسة النقدية المرتقبة في البنوك المركزية الإفريقية ستدور حول محور مشترك يتمثل في الموازنة بين تراجع التضخم واستمرار الاختلالات الهيكلية العميقة".
وأضافت: "رغم انخفاض التضخم في عدد من الدول، فإن وتيرة ونطاق التيسير النقدي سيختلفان بدرجة كبيرة، نتيجة الفروقات في الديناميكيات السياسية المحلية والمخاطر الخارجية وأولويات الإصلاحات الاقتصادية".
من المرجح أن تبقي دول مثل أنغولا ونيجيريا على أسعار الفائدة دون تغيير، في ظل استمرار معدلات التضخم المرتفعة. في المقابل، يتوقع أن تقدم دول مثل جنوب إفريقيا ومصر وغانا على خفض الفائدة مع تراجع الضغوط التضخمية.
توقعات السياسة النقدية في إفريقيا
تبدأ سلسلة قرارات السياسة النقدية هذا الشهر يوم الخميس، ومن المتوقع أن يخفض البنك المركزي المصري سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 100 نقطة أساس ليصل إلى 23%، بعد أن قلص معدلات تكاليف الاقتراض مرتين سابقا.
ارتفاع سعر الفائدة الحقيقي في مصر، إلى جانب انحسار الضغوط التضخمية، يوفران للبنك المركزي فرصة جديدة لتعزيز سياسة التيسير النقدي. وبحلول نهاية يوليو، يرجح أن تتخذ غانا وجنوب إفريقيا خطوات مماثلة لتقليص تكلفة الاقتراض.
في غانا، فتح الانخفاض الحاد في التضخم الباب أمام خفض الفائدة. وقال جبران قريشي، رئيس أبحاث إفريقيا في مجموعة "ستاندرد بنك"، إن معدل الفائدة الحقيقي في البلاد هو الأعلى منذ 2005 على الأقل، مما يمنح "البنك المركزي مساحة لبدء التيسير النقدي في اجتماع هذا الشهر، بخفض يتراوح بين 100 و200 نقطة أساس. والحساب الجاري يحقق فائضا، وصادرات الذهب في ارتفاع مستمر"، كما ارتفعت قيمة العملة المحلية (السيدي) بنحو 50% منذ أبريل.
توقعت جينا شويمان، كبيرة الاقتصاديين المختصة بشؤون جنوب إفريقيا في "سيتي غروب" أن تمدد لجنة السياسة النقدية دورة خفض الفائدة، مع خفض إضافي بمقدار 25 نقطة أساس ليصل إلى 7%.
تشير أبحاث "بلومبرغ إيكونوميكس" إلى أن موقف السياسة النقدية الحالي للبنك المركزي يبدو متشددا بشكل مفرط، في وقت تراجعت فيه توقعات التضخم للعامين المقبلين إلى 4.5% خلال الربع الثاني، وهو أدنى مستوى لها منذ قرابة أربع سنوات، ويتماشى مع النطاق الذي يستهدفه صانعو السياسات.
مع ذلك، تحذر غوليغر من "إرنست آند يونغ" أن لجنة السياسة النقدية في جنوب إفريقيا قد تتوخى الحذر في ظل تصاعد مخاطر التضخم محليا وعالميا، خاصة مع تجدد تهديدات الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية قد تعرقل تدفقات التجارة وتؤثر سلبا على استقرار العملة. ومن المقرر أن تفرض رسوم بنسبة 30% على صادرات جنوب إفريقيا اعتبارا من أول أغسطس.
وتابعت أن "العوامل الخارجية غير الواضحة أو غير المستقرة، قد تضعف شهية الدول الأكثر ارتباطا بالتجارة العالمية للإقدام على خطوات قوية في مسار التيسير النقدي".
كما أن تراجع معدلات التضخم في إسواتيني وجمهورية الكونغو الديمقراطية قد يدفع البلدين إلى خفض أسعار الفائدة. وبالنسبة للكونغو، سيكون ذلك أول خفض لمعدل الفائدة منذ عام 2022.
تحديات في الدول الإفريقية
من المرجح أن يدفع كل من الاضطرابات الأخيرة في كينيا، وضعف التوسع في الإقراض للقطاع الخاص، إلى جانب دخول موزمبيق في ركود تقني، صانعي السياسات النقدية في البلدين إلى المضي قدما في مزيد من خفض أسعار الفائدة. وكانت كينيا قد خفضت بالفعل سعر الفائدة بمقدار 325 نقطة أساس إلى 9.75%، بينما خفضت موزمبيق الفائدة بمقدار 625 نقطة أساس لتصل إلى 11%، في مسعى لتحفيز اقتصاديهما.
ومن المرجح أن تقدم لجنة السياسة النقدية في ليسوتو على خفض سعر الفائدة لدعم اقتصاد البلاد الذي تلقى ضربة قاسية بسبب تهديدات ترمب بفرض رسوم جمركية. فقد أصيب قطاع النسيج، وهو أكبر قطاعات التصدير، بالشلل، بعد أن توقفت الطلبات القادمة من الولايات المتحدة، الشريك التجاري الأكبر، نتيجة حالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية الأمريكية.
كان الرئيس ترمب قد هدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على واردات بلاده من ليسوتو، الدولة الجبلية الواقعة في جنوب القارة الإفريقية. وفي يوم الثلاثاء، أعلنت حكومة ليسوتو "حالة كارثة" رسمية في البلاد بسبب الارتفاع الحاد في معدلات البطالة وفقدان أعداد كبيرة من الوظائف. (نتيجة تداعيات الرسوم الجمركية الأمريكية).
تضخم مرتفع
تبدو احتمالات بدء دورة تيسير نقدي في نيجيريا بعيدة في الوقت الراهن، إذ قال غيرغيلي أورموسي، كبير استراتيجيي الأسواق الواعدة لدى "سوسيتيه جنرال"، إن التضخم بدأ يتراجع، إلا أن هذا الانخفاض غير مستقر بعد.
فقد سجل التضخم انخفاضا طفيفا خلال الشهرين الماضيين فقط، ولا يزال عند مستوى مرتفع يبلغ 23%، ما قد يدفع لجنة السياسة النقدية إلى الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي عند 27.5% للمرة الثالثة على التوالي. و"نتوقع أن يبدأ البنك المركزي دورة التيسير النقدي في أوائل عام 2026. ومن المرجح أن تبقي أنغولا أيضا على سعر الفائدة القياسي دون تغيير عند 19.5%، وذلك للمرة السابعة على التوالي.
يرغب المسؤولون في تقييم الأثر التضخمي لزيادة أسعار النقل العام بنسبة تصل إلى 50%، بعد أن رفعت الحكومة أسعار وقود الديزل الأسبوع الماضي.
كما يرجح أن يبقي صانعو السياسات النقدية في مالاوي على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند 26%، نتيجة قيود في سوق الصرف الأجنبي واستمرار الضغوط التضخمية.