ما هي المعادن النادرة؟ ولماذا تتصارع الصين وأمريكا عليها؟


الاربعاء 02 يوليو 2025 | 03:36 مساءً
المعادن النادرة
المعادن النادرة
إيهاب زيدان

في ظل تزايد الصراع والحاجة للمعادن النادرة التي تدخل في صناعات الرقائق الإلكترونية والهواتف والتقنيات المتقدمة، فإن تلك المعادن النادرة باتت اليوم عنصراً أساسياً في أهم الصناعات.

المعادن النادرة والصناعات التقنية

وأصبحت المعادن النادرة، حجر الزاوية في إنتاج التقنيات المتقدمة التي يعتمد عليها العالم بشكل متزايد، من الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية إلى أنظمة الطاقة المتجددة والصناعات الدفاعية.

وفي ظل الأهمية الاستراتيجية لهذه العناصر الأرضية النادرة في الصناعات، فقد امتد تأثيرها لتصبح محوراً رئيسياً في التنافس الجيوسياسي والاقتصادي بين القوى الكبرى؛ إذ تصدرت المشهد أخيراً في سياق الحرب التجارية التي تجددت بين أميركا والصين. في ظل هذا الواقع، باتت المعادن النادرة تمثل نقطة تقاطع بين التكنولوجيا والاقتصاد والسياسة، وأصبحت محور نقاش عالمي حول الأمن الصناعي والاستدامة والتنافس على النفوذ في الأسواق العالمية.

ما هي المعادن النادرة؟

المعادن النادرة أو "عناصر الأرض النادرة" هي مجموعة من 17 عنصراً كيميائياً، من بينها الإيتريوم، السكانديوم، اللانثانوم، النيوديميوم، الديسبروسيوم، وغيرها. تتميز هذه العناصر بخصائص فيزيائية وكيميائية تجعلها ضرورية في صناعات التكنولوجيا المتقدمة، مثل الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية وتوربينات الرياح والشاشات والبطاريات، والصناعات العسكرية مثل الطائرات المقاتلة (F-35)، والرقائق الإلكترونية. 

وتكمن مشكلة هذه العناصر في صعوبة استخراجها بتركيزات اقتصادية، وفي تعقيد عمليات فصلها وتكريرها، في حين تواجه واشنطن تحدياً كبيراً في مجال معالجة المعادن النادرة، إذ تهيمن الصين على عمليات التعدين والتكرير عالمياً.

ورغم ما توحي به تسميتها، فإن المعادن النادرة ليست نادرة فعلياً من حيث وفرتها في القشرة الأرضية؛ بل إن عناصر مثل السيريوم واللانثانوم تُعد أكثر وفرة من معادن شائعة كالنحاس والرصاص. لكن التحدي لا يكمن في العثور عليها، بل في استخراجها ومعالجتها.

لكن يرجع وصف هذه العناصر بـ"النادرة" إلى ندرتها في التواجد بتراكيز اقتصادية تسمح باستخراجها تجارياً، إلى جانب صعوبة فصلها عن بعضها البعض نظراً لوجودها ضمن معادن معقدة التركيب. كما أن عدد الدول القادرة على تكريرها ومعالجتها محدود للغاية.

ما أهم القطاعات الصناعية التي تعتمد علي المعادن النادرة؟

وبشكل أساسي، تُستخدم المعادن النادرة في صناعة المغناطيسات القوية التي تدخل في إنتاج الأجهزة الإلكترونية المتطورة، مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، إضافة إلى استخدامها في محركات السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح. كما تُعد هذه المعادن عنصراً أساسياً في صناعة المعدات الطبية، لا سيما أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي وغيرها من التقنيات الطبية الحديثة.

تلعب المعادن النادرة أيضاً دوراً محورياً في الصناعات الدفاعية، إذ تدخل في إنتاج محركات الطائرات المقاتلة وأنظمة التوجيه الصاروخي. إلى جانب ذلك، تُستخدم هذه المعادن في صناعة الشاشات المسطحة وأجهزة التلفزيون الحديثة، ما يجعلها مكوناً لا غنى عنه في قطاع الإلكترونيات الاستهلاكية المتقدمة التي تحتاجها كل دول العالم تقريباً مما يضفي عليها أهمية واسعة.

كما تتزايد أهمية المعادن النادرة في ظل التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، إذ تُستخدم في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، والأنظمة الكهروضوئية للطاقة الشمسية، والمكونات الأساسية لتوربينات الرياح. هذا الاعتماد المتزايد يجعلها عنصراً استراتيجياً في جهود الدول لتحقيق أهدافها في خفض الانبعاثات الكربونية والتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون.

كذلك تدخل هذه المعادن في صناعات متقدمة أخرى مثل تكنولوجيا الفضاء، والروبوتات، والرقائق الدقيقة المستخدمة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء. ومع تصاعد المنافسة العالمية على التفوق التكنولوجي، أصبحت المعادن النادرة بمثابة شريان رئيسي يغذي الابتكار الصناعي والتقني في القرن الحادي والعشرين.

ووفق تقرير صادر عن مجموعة "بوسطن كونسلتينج جروب" (BCG) فأن قطاع المعادن النادرة يحتاج إلى استثمارات ضخمة تبلغ 100 مليار دولار بحلول عام 2035، لتلبية الطلب المتزايد، خاصة على العناصر المستخدمة في صناعة المغناطيسات الدائمة مثل النيوديميوم والتربيوم والديسبروسيوم، والتي ترتبط بشكل وثيق بثورة السيارات الكهربائية وتوليد الطاقة النظيفة.

لماذا تتصاعد الحرب التجارية على المعادن النادرة؟

دخلت هذه المعادن في قلب الصراع بين واشنطن وبكين، لأن الصين تسيطر على حوالي 70% من الإنتاج العالمي، وتحتكر أكثر من 80% من عمليات التكرير والمعالجة، ما يمنحها قدرة هائلة على التأثير في سلاسل التوريد العالمية واستخدامها كورقة ضغط جيوسياسية. 

في المقابل، تفتقر الولايات المتحدة تقريباً إلى أي قدرة معالجة للمعادن المستهدفة، وفقاً لبيانات صادرة عن شركة الاستشارات "بروجكت بلو" (Project Blue).

وخلال الاتفاق التجاري الأخير بين البلدين، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن إبرام صفقة مع الصين لتسريع شحن المعادن النادرة إلى أميركا. وفي الوقت ذاته، تبحث واشنطن عن بدائل لاستيراد هذه الموارد المعدنية النادرة لتأمين مخزوناتها منها.

وبحسب تصريحات مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب للشؤون الأفريقية لـ"الشرق"، فإن واشنطن تتفاوض مع الكونغو الديمقراطية التي تعتبر غنية بالكوبالت والليثيوم واليورانيوم وغيرها، لتوقيع اتفاقية "ضخمة" بشأن المعادن النادرة.

ولم تكن أمريكا وحدها حريصة على امتلاك هذه المعادن، فقد دخل الاتحاد الأوروبي على خط المنافسة على الطلب لهذه الموارد المهمة. تشير تقديرات المفوضية الأوروبية إلى أن احتياجات الاتحاد من معادن مثل الليثيوم ستتضاعف 12 مرة بحلول 2030، بينما سيزيد الطلب على معادن الأرض النادرة المستخدمة في السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح من خمسة إلى ستة أضعاف خلال الفترة نفسها.

الصين المصدر الرئيسي

وتعتبر الصين المصدر الرئيسي لمعظم واردات الاتحاد من العناصر الأرضية النادرة الثقيلة مثل اليوروبيوم والتيربيوم والإيتريوم، إذ توفر 100% من هذه الاحتياجات. كما تستورد دول الاتحاد معادن أخرى من جنوب أفريقيا (البلاتين)، وتركيا (البورون). ورغم وجود بعض الاحتياطيات غير المستغلة في أوروبا، مثل الليثيوم في البرتغال والنحاس والمنغنيز في إسبانيا، فإن الإنتاج المحلي لا يغطي سوى جزء ضئيل من الطلب، ويواجه تحديات بيئية واجتماعية تعيق تطويره.

ورغم ذلك، هناك عدة دول تمتلك احتياطيات استراتيجية من المعادن النادرة بعد الصين، المالكة لأكبر احتياطيات عالمياً بنحو 44 مليون طن. وتبرز البرازيل كإحدى أهم الدول في هذا الصدد، إذ تأتي في المرتبة الثانية باحتياطي يبلغ 21 مليون طن، وتليها الهند التي تمتلك حوالي 6.9 مليون طن من المعادن النادرة.

أما أستراليا، فتحتل موقعاً متقدماً باحتياطي يصل إلى 5.7 مليون طن، في حين تحتفظ روسيا بنحو 3.8 مليون طن من هذه المعادن. وتبرز فيتنام أيضاً ضمن قائمة الدول ذات الاحتياطيات الكبيرة، حيث تملك نحو 3.5 مليون طن، بينما تمتلك الولايات المتحدة 1.9 مليون طن. وتأتي جرينلاند في نهاية القائمة باحتياطي يقدر بـ1.5 مليون طن.