بدأ نجيب ساويرس أحد أبرز رجال الأعمال، في نوفمبر الماضي، أن يخطو نحو مشروعه الأخير بثقة المستثمر المخضرم، فقد أطلق منصة "موني فاي" من دبي، بهدف تقديم محتوى مالي عصري يلبي تطلعات الجيل الشاب في الأسواق الناشئة، لكن بعد أشهر قليلة من إطلاقها الباذخ، بدأت المنصة في التراجع بشكل غير متوقع، مع موجة تسريحات وتقليص في الميزانيات، وانسحاب أسماء كبيرة من المشروع.
كانت فكرة "موني فاي" ببساطة، إنشاء منصة إعلامية تجمع بين عمق المحتوى المالي وروح منصات التواصل الحديثة، في محاولة لصنع ما يشبه "سي إن بي سي" لجيل "تيك توك".
ولتنفيذ هذه الرؤية، استعان ساويرس بفريق دولي رفيع المستوى، ضم مايكل بيترز، الرئيس التنفيذي السابق لقناة "يورونيوز"، وياسر بشر، أحد أبرز العقول الرقمية في شبكة "الجزيرة".
حفل الإطلاق: بين الطموح والاستعراض
شهد متحف المستقبل في دبي حفلاً فخماً لإطلاق المنصة، عكس حجم التطلعات المرتبطة بها. ظهر ساويرس على المسرح بشخصية الـ"دي جي"، وتحدث بروح خفيفة عن رغبته في ترك إرث يفيد الشباب، مشيراً إلى أن ما أنفقه حتى تلك اللحظة يصنّف تحت بند "رد الجميل للمجتمع".
لكن خلف هذا البريق، بدأت تظهر مشكلات هيكلية مبكراً، فمع بداية العام الجديد، تم تسريح عدد كبير من الموظفين، وغادر بيترز منصبه بهدوء، بينما تولّت لانا ساويرس، ابنة نجيب، الإشراف على المنصة.
استراتيجية غامضة.. وتمويل مستنزف
تشير مصادر مطلعة إلى أن ساويرس لم يتدخل كثيراً في تفاصيل الإعداد قبل الإطلاق، لكنه صُدم من سرعة استهلاك التمويل بعد انطلاق المشروع، ورغم ضخ عشرات الملايين من الدولارات، لم يكن هناك تصور واضح لكيفية تحقيق أرباح فعلية من "موني فاي"، وهو ما ترك الموظفين في حالة ارتباك، خاصة مع تعدد المدراء وتضارب الأدوار.
وفي اجتماع داخلي عقب زيارته إلى دبي مطلع العام، قيل إن ساويرس طلب من الفريق المساعدة في صياغة استراتيجية للإيرادات، وهو ما فُهم كإشارة إلى غياب خطة مالية متماسكة من البداية.
خيبات الداخل وتأشيرات مهددة
من بين القصص اللافتة، قصة كارلي رايلي، التي انتقلت من نيويورك إلى دبي لتقديم برنامج "موني فاي ديلي"، وبعد ثلاثة أشهر فقط، تم الاستغناء عنها، لتواجه مع غيرها من الموظفين الأجانب خطر فقدان إقامتهم في حال عدم العثور على عمل بديل بسرعة.
وتحدثت رايلي لاحقاً عن خيبة أملها، قائلة إن الجميع في الفريق كان يعتقد أن المشروع مدعوم تمويلياً لسنوات، وأنه يحتاج فقط لبعض الوقت للنمو، لكن الواقع كان مختلفاً، مع تقليص سريع للميزانية التي كان يُفترض أن تصل إلى 50 مليون دولار في عام 2025.
انتقال القيادة إلى الجيل الجديد
اليوم، تقود لانا ساويرس المشروع بلمسة أكثر قرباً من الجمهور المستهدف. وهي تركز على محتوى مرئي قصير يمزج بين التعليم المالي والترفيه، ويتناول مواضيع مثل الاستثمار الذكي، وتفادي الفخاخ المالية، وحتى اعتبار الأحذية الرياضية أحد أشكال الاستثمار.
وقد علّقت في أحد الفيديوهات الأخيرة بالقول: "ريادة الأعمال يجب ألا تكون مملة... نريد أن نجعل التمويل ممتعاً ومفيداً في آن واحد".
تجربة تُلخص تحديات الإعلام الجديد
قصة "موني فاي" تسلّط الضوء على التحديات المعقّدة التي تواجهها المبادرات الإعلامية الرقمية، حتى تلك التي تتمتع بدعم مالي قوي. فالمشهد الإعلامي الحالي، مع تشظّي الانتباه وضغوط السوق وتوقعات الربح السريع، لا يرحم المشاريع الطموحة التي تفتقر إلى استراتيجية واضحة.
وتماماً كما اختبر أثرياء آخرون قبل ساويرس صعوبة اختراق عالم الإعلام، تعكس تجربته أن النجاح في الصفقات لا يضمن بالضرورة نجاحاً في صناعة المحتوى.