إعادة إعمار سوريا.. استثمارات خليجية وأوروبية تنعش الآمال بعد 13 عامًا من الحرب


الجمعة 16 مايو 2025 | 07:48 مساءً
إعادة إعمار سوريا
إعادة إعمار سوريا
محمد عاشور

تشهد سوريا مرحلة جديدة من التغيير الاقتصادي والسياسي مع إعلان رفع العقوبات الأمريكية جزئيًا عن البلاد، في خطوة وصفت بالتاريخية وستفتح الباب أمام فرص واسعة لإعادة الإعمار بعد أكثر من 13 عامًا من الحرب التي دمرت البنية التحتية وخلّفت أزمة إنسانية حادة، إذ باتت سوريا تواجه الآن احتمالات حقيقية لعودة النشاط الاقتصادي وتدفق الاستثمارات، خصوصًا من الشتات السوري والدول الخليجية الداعمة للحكومة الجديدة، وسط دعوات دولية وأوروبية لتخفيف العقوبات المفروضة وفتح المجال أمام تمويل مباشر لقطاعات حيوية في سوريا.

وتلعب دول الخليج العربي، وعلى رأسها السعودية والإمارات وقطر، دورًا محوريًا في دفع جهود إعادة الإعمار، حيث أبدت اهتمامًا متزايدًا بالاستثمار في قطاعات الزراعة والطاقة والبنية التحتية، مساهمة بذلك في توفير الدعم المالي والتقني اللازمين لإنعاش الاقتصاد السوري، ويتكامل دور الخليج مع مبادرات أوروبية، حيث اقترح الاتحاد الأوروبي تخفيفًا إضافيًا للعقوبات لتمكين الدول الأعضاء من تمويل الوزارات السورية وتعزيز التعاون في مجالات إعادة البناء ومكافحة الإرهاب والهجرة، ما يعكس توجهًا دوليًا متزايدًا نحو إعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي.

وعلى الرغم من هذه الخطوات الإيجابية، لا تزال سوريا تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالاستقرار الأمني والسياسي، إضافة إلى الحاجة لانتقال سياسي شامل يضمن مشاركة جميع مكونات المجتمع السوري، غير أن التفاؤل يسود أوساط المستثمرين ورجال الأعمال السوريين والعرب، الذين يرون في رفع العقوبات فرصة ذهبية لبدء مشاريع تنموية تعيد الحياة إلى الاقتصاد السوري المنهك، وتضع الأساس لمرحلة جديدة من الازدهار والاستقرار في بلد طالما عانى من تداعيات الصراع.

رفع العقوبات عن سوريا بداية اقتصادية جديدة

تمثل الخطوة الأمريكية الأخيرة برفع العقوبات جزئيًا عن سوريا تحولًا كبيرًا في مسار الأزمة الممتدة منذ أكثر من 13 عامًا، إذ يُشكل القرار الذي جاء بعد لقاء جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع في السعودية، بوابة لحقبة اقتصادية جديدة قد تفتح المجال لتدفق الاستثمارات من الشتات السوري، وتركيا، ودول الخليج، التي باتت تُظهر دعمًا متزايدًا للحكومة السورية الجديدة.

ويرى محللون ومسؤولون سوريون، أن رفع العقوبات من شأنه أن يُنعش الاقتصاد المفلس عبر فتح الأبواب أمام رؤوس الأموال والمشاريع في قطاعات الزراعة، والطاقة، والبنية التحتية، والتعليم، وفقًا لوكالة "رويترز". 

وعبّر الملياردير السوري غسان عبود، المقيم في الإمارات، عن نيته الاستثمار في سوريا، مؤكدًا أن القرار سيُبدد المخاوف السابقة بشأن العقوبات، مشيرًا إلى أن أي بذرة تزرع اليوم قد تحقق ربحًا مجزيًا.

وأوضح يسر برنية، وزير المالية السوري، أن مستثمرين من السعودية، والإمارات، والكويت، تواصلوا للاستفسار عن فرص الاستثمار، واصفًا سوريا بأنها "أرض الفرص" في مختلف القطاعات، من الزراعة وحتى النقل والسياحة.

من جانبه، شدد الشرع، في كلمة متلفزة، على أن بلاده ترحب بجميع المستثمرين من الداخل والخارج، مع وعد بتعزيز بيئة الاستثمار.

تغيرات اقتصادية متوقعة

يُنظر إلى رفع العقوبات على أنه خطوة تُعيد تشكيل الاقتصاد السوري، الذي بدأ بالفعل بالخروج من عباءة نموذج الدولة المركزية نحو سياسات أكثر انفتاحًا، بحسب ما تبنته الإدارة الجديدة، وذلك بعد عقوبات غربية صارمة طُبقت خلال حكم بشار الأسد، الذي أُطيح به في ديسمبر الماضي.

إلى جانب ذلك، ارتفعت الليرة السورية بشكل ملحوظ فور إعلان القرار، حيث تراوح سعر الصرف بين 9000 و9500 ليرة مقابل الدولار، مقارنةً بـ12600 ليرة مطلع الأسبوع ذاته، ورغم هذا التحسن النسبي، لا يزال الوضع الاقتصادي هشًا؛ إذ يعيش أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر، وتُقدّر خسائر الاقتصاد السوري بما يزيد عن نصف الناتج المحلي منذ 2011، وفق بيانات البنك الدولي.

وتُعتبر تركيا من أبرز الدول التي ستستفيد من هذا التحول، وأشار أونور جينك، الرئيس التنفيذي لمجموعة BBVA المالية، إلى أن الشركات التركية جاهزة لدخول السوق السوري، خاصة في قطاع البناء وإعادة الإعمار، متوقعًا أن يسهم القرار في تسهيل تمويل البنوك التركية لمشاريع سورية، وهو ما من شأنه تحريك عجلة الاقتصاد في البلدين.

حماسة داخلية رغم التحديات

تسود حالة من التفاؤل في مجتمع رجال الأعمال داخل سوريا، ووصف كرم بشارة، المدير العام لبنك شهبا، القرار بأنه "رائع جدًا"، مؤكدًا أن البلاد تسير الآن على الطريق الصحيح دوليًا.

وأعلن المستثمر اللبناني عماد الخطيب أنه سرّع تنفيذ مشروع لفرز النفايات في دمشق بتكلفة 200 مليون دولار، بالتعاون مع شركاء لبنانيين وسوريين، بعد إعلان رفع العقوبات مباشرة.

لكن رغم هذه الحماسة، لا تزال سوريا تعاني من هشاشة أمنية وسياسية، حيث لم تُسلّم بعض الفصائل المسلحة سلاحها بعد، وتستمر مطالب الأكراد بالحكم الذاتي في تعقيد المشهد، إلى جانب التخوفات الطائفية من حكم الشرع، الذي لا تزال إسرائيل تعتبره تهديدًا، وقد شنت هجمات متكررة على مواقع داخل سوريا.

دعم أوروبي تدريجي

من جهته، بدأ الاتحاد الأوروبي التفكير في خطوات مماثلة، وكشفت وثيقة أن مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد، كايا كالاس، اقترحت تخفيفًا إضافيًا للعقوبات، يشمل السماح بتمويل وزارات سورية في مجالات إعادة الإعمار، والهجرة، ومكافحة الإرهاب. وقد يُناقش وزراء الخارجية الأوروبيون هذا المقترح في اجتماعهم المقبل ببروكسل، وفقًا لرويترز.

وتطالب بعض الدول الأوروبية، مثل ألمانيا والنمسا وإيطاليا، برفع العقوبات عن البنك المركزي السوري والمؤسسات المالية التابعة له، بهدف تسهيل التعافي الاقتصادي والاجتماعي، فيما يُقترح أيضًا رفع القيود عن البنك التجاري السوري، مع الإبقاء على العقوبات التي تطال شخصيات من النظام السابق.

من جانبه صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأنه سيدفع نحو إنهاء العقوبات الأوروبية عند موعد تجديدها في يونيو، وذلك عقب استقباله الرئيس السوري المؤقت في باريس مؤخرًا.

تحديات العقوبات الأمريكية والفرص المحدودة

رغم رفع جزء من العقوبات، لا تزال واشنطن تُبقي على أبرزها، لا سيما تلك المفروضة بموجب "قانون قيصر"، الذي يستهدف مؤسسات الدولة وقطاعي النفط والأمن، وتبقى الأنشطة المسموح بها مقتصرة على الزراعة، والدواء، والبنية التحتية المدنية، في حين خُففت القيود على التحويلات المالية من الخارج.

وبحسب تحليلات نشرها موقع "ذا ميديا لاين"، فإن هذه التسهيلات، وإن كانت مشجعة، إلا أن أثرها سيكون محدودًا على المدى القريب، فهي تخفف من معاناة بعض القطاعات، لكنها غير كافية لتحقيق انتعاش اقتصادي شامل دون خطوات أوسع، ورفع كامل للعقوبات المرتبطة بالنظام السابق.

خطة مارشال سورية

ترى مجلة "نيو لاينز ماجازين"، أن سوريا تحتاج إلى خطة إعادة إعمار شبيهة بخطة مارشال التي أعادت بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، مؤكدة أن الشعب السوري متعطش للانفتاح الاقتصادي، لكن استمرار العقوبات يعوق خطوات جادة في هذا الاتجاه.

وأكدت النائبة الجمهورية مارلين ستوتزمان، أن الحكومة السورية الجديدة لا تطلب دعمًا ماليًا أو عسكريًا، بل فقط حرية التعامل التجاري، وفقًا للمجلة.

في السياق نفسه، أشار الباحث قتيبة إدلبي إلى أن قرار ترامب يُعيد توجيه بوصلة السياسة الأمريكية، وقد يفتح الباب أمام الشركات الأمريكية للعودة إلى السوق السورية، وسط منافسة من روسيا والصين، خصوصًا في القطاعات الاستراتيجية.

الحضور الخليجي مفتاح النجاح

تلعب السعودية، والإمارات، وقطر دورًا رئيسيًا في هذه المرحلة، حيث دعمت المملكة القرار الأمريكي بقوة، كما أعرب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني عن شكره للسعودية لدورها في تسهيل عملية رفع العقوبات، وأبدت الدول الخليجية استعدادها للمساهمة في إعادة الإعمار من خلال استثمارات ضخمة في قطاعات متعددة.

ويرى المراقبون أن الحضور الخليجي، إلى جانب الدعم التركي، قد يشكل قاطرة إعادة الإعمار، خاصة مع بقاء واشنطن مترددة في تقديم دعم مالي مباشر، وفي ظل تقديرات تُشير إلى أن تكلفة إعادة الإعمار قد تتجاوز 400 مليار دولار، فإن تمويل هذه العملية سيتطلب انخراطًا دوليًا واسعًا، ومساهمة القطاع الخاص إلى جانب الحكومات.

بداية جديدة لكن بشروط

يُعد قرار رفع العقوبات خطوة مفصلية، لكنه لا يمثل نهاية المطاف، فإعادة إعمار سوريا تتطلب بيئة سياسية مستقرة، وانتقالًا سياسيًا يشمل جميع مكونات المجتمع، مع احترام الحقوق والحريات، كما أن ضمان استقرار أمني مستدام سيكون شرطًا أساسيًا لجذب الاستثمارات وتحقيق التنمية.