في ضربة قوية، تراجعت الطاقة الاستيعابية للشحن الجوي بين الصين والولايات المتحدة بنسبة تقارب الثلث بعد إلغاء الإعفاء الضريبي المعروف باسم «دي مينيميس» الشهر الجاري، ما شكّل ضربة لمصدر دخل رئيسي لشركات الطيران الكبرى في آسيا، بحسب بيانات قطاع الشحن.
واستطاعت شركات الشحن الجوي، مثل كاثي باسيفيك وتشاينا ساذرن وإير تشاينا والخطوط الجوية الكورية، من الاستفادة من الطفرة في التجارة الإلكترونية العابرة للحدود، بقيادة شركات الأزياء السريعة مثل Shein وTemu التابعة لمجموعة PDD Holdings، التي كانت تشحن كميات ضخمة من الصين إلى الولايات المتحدة.
ورغم أن هدنة تجارية مؤقتة تم التوصل إليها يوم الاثنين بين واشنطن وبكين أدت إلى خفض الرسوم الجمركية المتبادلة التي تجاوزت في بعض الأحيان 100%، فإن الإعفاء من الرسوم الجمركية على الشحنات منخفضة القيمة من الصين وهونغ كونغ إلى الولايات المتحدة لا يزال معلقاً، وهو ما قد يضعف الطلب على المدى البعيد، وفقاً لخبراء في القطاع.
ووفقًا لـ ماركو بلومين، المدير العام لشركة Aevean للاستشارات في مجال الشحن الجوي: قال: «بدأت الطاقة الاستيعابية في التعافي منذ الاتفاق، لكن من ناحية التجارة الإلكترونية، تأثرت الأحجام بشكل مؤقت».
وتعتبر هذه التحديات ضغوطاً إضافية على شركات الطيران الآسيوية التي تعاني أصلاً من تراجع في أسعار تذاكر السفر وتزايد المخاوف بشأن ركود اقتصادي عالمي، وتمثل الشحنات الجوية نحو ربع إيرادات شركات مثل كاثي باسيفيك والخطوط الكورية، وسجّلت عائدات الشحن ونسبة الأرباح نمواً تجاوز بكثير قطاعات نقل الركاب في عدد من شركات الطيران الآسيوية العام الماضي.
وكشفت تحليلات شركة Aevean أن الشحنات منخفضة القيمة من التجارة الإلكترونية، التي بلغت 1.2 مليون طن العام الماضي، شكّلت نحو 55% من إجمالي البضائع المشحونة جواً من الصين إلى الولايات المتحدة، مقارنة بنسبة 5% فقط في عام 2018.
وقد دفعت هذه الطفرة شركات الشحن الكبرى في آسيا، مثل كاثي باسيفيك في هونغ كونغ والخطوط الجوية السنغافورية وتشاينا إيرلاينز في تايوان، إلى طلب شراء طائرات شحن جديدة لخدمة المسارات التجارية الأكثر ازدحاماً، إلا أن غياب الإعفاءات الجمركية يدفع شركات مثل Shein وTemu نحو اعتماد الشحن البحري بالجملة إلى الولايات المتحدة أو إلى مراكز توزيع خارجية، بدلاً من الشحنات الفردية الجوية المباشرة للمستهلكين.
تراجع حاد في الشحنات نحو الولايات المتحدة
وكانت كاثي باسيفيك، التي تشغّل رحلات من أكبر مطار شحن في العالم، قد حذّرت الشهر الماضي من تراجع متوقع في الطلب على الشحن الجوي بين الصين والولايات المتحدة مع دخول زيادات الرسوم الجمركية حيّز التنفيذ.
وأظهرت بيانات شركة Rotate للاستشارات في قطاع الشحن أن الطاقة الاستيعابية للشحن الجوي من الصين وهونغ كونغ إلى الولايات المتحدة انخفضت بنسبة 26% في الفترة ما بين 2 و13 مايو، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وبنسبة 30% مقارنة بمتوسط الأسابيع الأربعة السابقة.
كما شهدت كوريا الجنوبية، التي تُعد مركزاً مهماً للشحن الجوي واستفادت من نمو التجارة الإلكترونية من الصين، تراجعاً بنسبة 22% في الطاقة المتجهة نحو الولايات المتحدة خلال الفترة نفسها.
وكانت الخطوط الجوية الكورية قد توقعت منتصف أبريل الماضي تقلبات شديدة في الطلب على الشحن الجوي بسبب فرض الرسوم الجمركية.
ويُمثل هذا التراجع انعكاساً لاتجاه سابق سجل خلال الأشهر الـ12 الماضية، حيث كانت الطاقة الاستيعابية من الصين أعلى بنسبة 15% مقارنة بالعام السابق، ومن كوريا الجنوبية بنسبة 14%.
وأظهرت بيانات Rotate أن شركة أطلس إير الأميركية، التي تُشغّل أكبر سعة شحن على خط الصين – الولايات المتحدة، سجلت تراجعاً في السعة بنسبة 28% خلال الفترة من 2 إلى 13 مايو مقارنة بالعام الماضي، كما تراجعت سعة كاثي باسيفيك بنسبة 2%، في حين انخفضت سعة تشاينا ساذرن المملوكة للدولة بنسبة 30%.
إعادة توجيه الشحنات
خلال الجائحة، كان الشحن الجوي بمثابة طوق نجاة لشركات الطيران التي علّقت معظم رحلات الركاب الدولية. والآن، تسعى العديد من شركات الطيران في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى إعادة توجيه سعتها نحو مسارات أخرى استجابة لتقلبات الطلب، وفق ما أظهرته تقاريرها المالية الأخيرة.
وذكرت شركة الشحن Dimerco، المتخصصة في السوق الآسيوية، أن عدداً من خدمات الشحن المجدولة على خط الصين – الولايات المتحدة تم إلغاؤها هذا الشهر، مع إعادة توجيه بعض الرحلات إلى المكسيك وأميركا اللاتينية.
وقال بلومين إن نحو 70 طائرة شحن توقفت مؤقتاً عن العمل على المسارات عبر المحيط الهادئ، إلا أن بعضها تم تحويله إلى أسواق أخرى.
وأضاف أن دول جنوب شرق آسيا قد تستفيد من هذا التغير في سلاسل التوريد إذا ما قرر المصنعون نقل إنتاجهم أو شحناتهم إلى الولايات المتحدة عبر دول غير الصين، رغم أن هذه الدول تواجه أيضاً رسوماً جمركية جديدة.
وفي هذا السياق، قال الرئيس التنفيذي للخطوط الجوية السنغافورية غوه تشون فونغ: «رغم أن تأثير تغيّرات الرسوم الجمركية لن يكون بنفس صدمة جائحة كوفيد-19، فإنه سيُضيف الكثير من عدم اليقين في الأسواق».