"بيض الحياة" و"بصل الشفاء" و"فسيخ النيل".. أسرار مائدة شم النسيم عبر آلاف السنين


الاثنين 21 ابريل 2025 | 11:42 صباحاً
شم النسيم - أرشيفية
شم النسيم - أرشيفية
العقارية

لماذا نتناول تحديدًا البيض والبصل والرنجة احتفالًا بشم النسيم؟ سؤال يتردد صداه عبر الأجيال، يكشف عن جذور عميقة تمتد إلى عصر الفراعنة، وتتلاقى فيه عادات وتقاليد المسلمين والمسيحيين في مصر؛ فلنتعمّق في أسرار هذه المائدة الاحتفالية التي تثير فضولنا وتوقظ ذاكرة التاريخ.

شم النسيم.. احتفال مصري أصيل بروح الوحدة الوطنية

أوضحت دار الإفتاء المصرية أن الاحتفال بشم النسيم، الذي يواكب الاعتدال الربيعي، تحول إلى تقليد مصري فريد يتم الاحتفاء به فور انتهاء المسيحيين من صومهم، وأكدت الدار أن هذا الاحتفال يرسّخ لمعنى الوحدة الوطنية والتكامل الاجتماعي؛ حيث تتكامل فرحة المناسبة بروح الجماعة المصرية الواحدة، وأشارت إلى أن هذه اللمسة الإنسانية الراقية تجسد قيم الحضارة الإسلامية السمحة وتعزز التعايش بين أصحاب الأديان.

حكم الشريعة في أكلات شم النسيم: مُباح بثلاثة شروط

أكدت دار الإفتاء أنه لا حرج شرعًا في الاحتفال بشم النسيم وتناول الأطعمة الخاصة به كالبيض والبصل والفسيخ والرنجة، مع الخروج إلى المتنزهات، وذلك ضمن ثلاثة شروط أساسية: عدم تناول أطعمة غير مصرح بها صحيًا، وتجنّب إحداث الضوضاء وإزعاج الآخرين، والالتزام بالآداب العامة وصون حقوق الطريق.

شم النسيم.. عيد مصري قديم بنكهة خاصة

يُعد شم النسيم عطلة رسمية في مصر، يحتفل بقدوم فصل الربيع ويتبع عيد القيامة المجيد. وهو في الأصل عيد من أعياد قدماء المصريين، يحتفل فيه بتلوين البيض وزيارة المنتزهات وتناول الرنجة والفسيخ، وغيرها من الأطعمة ذات الدلالات الرمزية العميقة.

لماذا تحتل هذه الأطعمة مائدة شم النسيم؟

البيض: رمز الخلق وبداية الحياة: كان البيض في الحضارة المصرية القديمة يرمز إلى خلق الحياة، كما ورد في متون كتاب الموتى وأناشيد إخناتون، وقد ارتبط تلوين البيض ونقشه بعادة قديمة لتسجيل الأمنيات والدعوات وتعليقها على الأشجار لتحقيقها مع شروق الشمس.

كما اعتبر رمزًا لخلق الحياة من الجماد، وكان يُوضع في سلال من سعف النخيل وتعلق في الشرفات لنيل بركة النور. وقد انتقلت عادة أكل البيض الملون في هذا التوقيت إلى العديد من الثقافات، ليصبح رمزًا لعيد الفصح المتزامن مع شم النسيم.

البصل: قاهر الموت وعلامة الشفاء: ارتبط البصل في مصر القديمة بقهر الموت وإرادة الحياة والتغلب على الأمراض، وكان يُعلق على الشرفات وفي المنازل وحول الرقاب وتحت الوسائد للحماية، وتروي أسطورة من منف أن البصل استخدم في شفاء ابن أحد ملوك الفراعنة من مرض غامض عجز الأطباء عن علاجه.

الفسيخ (السمك المملح): بركة النيل ونهر الحياة: يعتبر الفسيخ من الأطعمة التقليدية لشم النسيم منذ الأسرة الخامسة، تزامناً مع تقديس نهر النيل. فقد ورد في النصوص المقدسة أن الحياة بدأت في الماء ويعبر عنها بالسمك الذي يحمله النيل من الجنة.

وذكر المؤرخ الإغريقي هيرودوت أن قدماء المصريين كانوا يتناولون السمك المملح في أعيادهم لاعتقادهم بفوائده في وقت معين من السنة، وكانوا يفضلون نوعًا معينًا لتمليحه وحفظه للعيد أطلقوا عليه اسم "بور"، الذي تحور إلى "يور" في القبطية ولا يزال مستخدمًا حتى الآن.

هكذا تتجلّى لنا الأصول العريقة لأكلات شم النسيم، التي تحمل في طياتها رموزًا ومعتقدات راسخة في الوجدان المصري عبر آلاف السنين، وتستمر في جمع شمل المصريين مسلمين ومسيحيين في احتفال بهيج بقدوم الربيع وتجدد الحياة.