في خطوة جريئة من شأنها إعادة رسم خريطة تجارة الذهب في القارة الأفريقية، وربما على المستوى العالمي، أعلنت غانا، وهي أكبر منتج للذهب في أفريقيا، عن حظر شامل لبيع وشراء الذهب على الأجانب، وذلك اعتبارًا من شهر مايو أيار 2025.
وقبل يومين من دخول القرار حيّز التنفيذ، كشفت غانا عن تفاصيل هذا الإجراء التاريخي؛ حيث قصرت شراء الذهب على الكيانات المُرخصّة فقط من قِبل هيئة جديدة، تم إنشاؤها خصيصًا لهذا الغرض، تحت مسمى (مجلس ذهب غانا) المعروف أيضًا باسم (جولد بود).
وبموجب هذا القرار، ستصبح "جولد بود" الكيان الوحيد المخول بشراء وبيع وتقييم وتصدير الذهب المنتج من قبل المنقبين الحرفيين المرخصين في جميع أنحاء غانا.
وفي تعليقه على هذا القرار، صرّح مارك أنتوني جونسون، الرئيس التنفيذي لشركة JIC القابضة البريطانية، لـCNN الاقتصادية، بأن خطوة غانا تمثّل تحوّلًا محوريًا في طريقة إدارة الذهب في البلاد، وتهدف بشكل أساسي إلى تعزيز الشفافية وتقليل التجارة غير المشروعة ومكافحة عمليات التهريب المتفشية في البلاد.
وأوضح جونسون أن هذا الإجراء يضمن في نهاية المطاف استفادة الدولة بشكل أساسي من عائدات الذهب، مع الحفاظ في الوقت ذاته على مصالح عمال المناجم الصغار المرخص لهم بالعمل، وذلك من خلال تقييد مشاركة الأجانب في التجارة الشعبية للذهب.
تجارة الذهب في غانا.. أرقام وحقائق
تتصدّر غانا قائمة الدول الأفريقية الأكثر إنتاجًا للذهب، حيث بلغ حجم الذهب المستخرج خلال العام الماضي 4.9 مليون أونصة، شكّلت المناجم الكبرى منها 60 في المئة من إجمالي الإنتاج.
وشهدت البلاد ارتفاعًا ملحوظًا في صادرات الذهب خلال عام 2024 بنسبة 53.2%، مقارنةً بعام 2023، لتسجّل 11.64 مليار دولار، كان للمناجم الصغيرة، التي تعمل بشكل قانوني منها مساهمة قدرها 5 مليارات دولار.
ويرى جونسون أن إنتاج الذهب وصادراته في غانا يستعدان لتجربة تأثير إيجابي كبير بعد تطبيق هذا القرار؛ حيث من المتوقع أن تبدأ غانا في تنفيذ نظام مركزي وخاضع للمساءلة، بهدف زيادة إنتاج عمال المناجم الصغار المرخص لهم، وذلك من خلال تعزيز الرقابة وتحسين الحوافز المقدمة لهم.
وتوقع جونسون أن آليات التخزين والتصدير والتسعير المنظمة التي ستشرف عليها الهيئة الجديدة ستعمل على تبسيط سلسلة التوريد بأكملها، وتقليل الخسائر الناتجة عن القنوات غير القانونية، وتعزيز دقة بيانات الإنتاج.
هدف غانا.. زيادة الصادرات الرسمية للذهب
تهدف غانا من خلال هذا القرار الاستراتيجي إلى تحقيق زيادة كبيرة في صادراتها الرسمية من الذهب، خاصةً بعد النجاح الذي حققته في العام الماضي برفع قيمة هذه الصادرات بمقدار النصف.
ويشير الرئيس التنفيذي لشركة JIC، المتخصصة في إدارة الأصول والاستثمار والتي تولي اهتمامًا خاصًا بالقارة الأفريقية، إلى أن هذا النهج المنظم لن يسهل على غانا زيادة صادرات الذهب الرسمية فحسب، بل سيمكّنها أيضًا من تحسين أوضاع عمال المناجم المحليين من خلال توسيع فرص وصولهم إلى الأسواق المنظمة وآليات التسعير الأكثر عدلاً.
تداعيات القرار على سوق الذهب العالمي
تأتي هذه الخطوة في وقت تشهد فيه أسعار الذهب العالمية ارتفاعات قياسية، مع توقعات بمزيد من الارتفاعات في الفترات المقبلة مدفوعة بتصاعد التوترات التجارية العالمية.
وقد سجّلت أونصة الذهب خلال منتصف التعاملات الفورية اليوم الخميس 3336 دولارًا، وهو مستوى مرتفع بشكل كبير مقارنة بتداولات بداية العام الجاري التي كانت تبلغ 2641 دولارًا للأونصة.
ويرجح جونسون أن يشهد سوق الذهب العالمية تداعيات كبيرة نتيجة لقرار غانا، باعتبارها المُنتج الرئيسي للذهب في أفريقيا، ولاعبًا عالميًا مهمًا في هذا السوق.
ويوضح أن إضفاء الطابع الرسمي على تجارة الذهب على نطاق صغير ومركزيتها، يمكن أن يؤدي إلى زيادة في أحجام الصادرات القانونية، مما يعزز الشفافية داخل سلسلة التوريد، وهو عامل حاسم بالنسبة للمشترين والأسواق الدولية، وبالتالي، قد تجتذب غانا اهتمامًا متزايدًا من المؤسسات والدول، التي تسعى للحصول على الذهب من مصادر رسمية وخالية من النزاعات.
ويختتم جونسون بأن هذا التحوّل الاستراتيجي، سيضع غانا كمصدر يمكن الاعتماد عليه، ويمكن تتبعه في اقتصاد الذهب العالمي، وهو ما قد يؤثّر بشكل كبير على اتجاهات التسعير وديناميكيات العرض في السوق العالمية للذهب.