أظهرت بيانات رسمية حديثة صادرة عن إدارة التجارة الدولية في الولايات المتحدة انخفاضاً بنسبة 10% في أعداد السياح الأجانب غير الأميركيين الوافدين جواً خلال شهر مارس مقارنةً بالعام الماضي.
وفي تقدير حديث لمصرف "جولدمان ساكس"، أشار خبراؤه إلى أن تراجع حركة السياحة وحملات المقاطعة قد يكبّدان الاقتصاد الأميركي ما يصل إلى 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري، وهو ما يعادل تقريباً 90 مليار دولار.
السياحة الأميركية تتأرجح
بعد انتعاشة شهدتها السياحة الدولية إلى الولايات المتحدة عقب رفع قيود جائحة كورونا، عاد القلق ليخيم على قطاع السياحة مجدداً مع تصاعد التوترات السياسية، وتزايد القيود على الحدود، إلى جانب الضبابية الاقتصادية العالمية.
العديد من السياح المحتملين باتوا يترددون في اختيار الولايات المتحدة كوجهة سفر. من بينهم المصور الكندي كيرتس ألين، الذي ألغى رحلاته المعتادة إلى ولاية أوريغون احتجاجاً على السياسات التجارية الأميركية ضد كندا، وقرر قضاء عطلته داخل مقاطعته في كولومبيا البريطانية. لم يتوقف قراره عند حدود السياحة، بل اتجه أيضاً إلى مقاطعة المنتجات الأميركية واشتراكاته الترفيهية، مشيراً إلى أنه وزوجته باتا يقضيان وقتاً أطول في التحقق من بلد منشأ كل منتج قبل شرائه.
إنفاق قياسي في 2024
بلغ حجم إنفاق السياح الأجانب داخل الولايات المتحدة نحو 254 مليار دولار في عام 2024، بحسب إدارة التجارة الدولية. وفي مطلع عام 2025، توقعت الإدارة استقبال نحو 77 مليون زائر خلال العام، وهو رقم يقترب من المعدل القياسي الذي سُجل في 2019.
لكن هذه التوقعات المتفائلة سرعان ما تعرضت لهزة قوية مع ظهور تقارير إعلامية عن حوادث احتجاز مسافرين من دول أوروبية كفرنسا وألمانيا في المطارات الأميركية، وهو ما ساهم في تأجيج المخاوف من السفر إلى الولايات المتحدة.
شركات السفر والفنادق تتلقى ضربات مزدوجة
في ظل الأوضاع المتدهورة، حذرت "بلومبرغ إنتليجنس" من أن ما يقرب من 20 مليار دولار من إنفاق السياح الأجانب على قطاع التجزئة الأميركي قد يكون معرضاً للخطر.
وشهد شهر مارس مؤشرات مبكرة على تباطؤ الطلب، حيث انخفضت أسعار تذاكر الطيران والفنادق وتأجير السيارات، وفق بيانات مكتب إحصاءات العمل الصادرة في 10 أبريل. واعتبر اقتصاديون في "غولدمان ساكس" و"إتش إس بي سي" أن تراجع أعداد المسافرين الأجانب كان عاملاً حاسماً في هذه الانخفاضات.
عمير شريف، رئيس شركة "إنفليشن إنسايتس"، أشار إلى أن أسعار الفنادق في الشمال الشرقي تراجعت بنحو 11%، مرجعاً السبب إلى انخفاض أعداد السياح الكنديين الذين كانوا من أبرز الزوار لهذه المناطق.
ضغوط سياسية تؤثر على صورة الولايات المتحدة العالمية
تأثير السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة لم يتوقف عند الجانب الأمني أو الحدودي فحسب، بل طال صورتها العامة في نظر كثير من الحلفاء التقليديين. فقد أكدت تقارير لمصرف "غولدمان ساكس" أن التصريحات العدائية والرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأميركية أضرت بشكل مباشر بثقة العالم تجاه الولايات المتحدة، مما أثر على جاذبيتها السياحية.
وأوضح المحللان جوزيف بريغز وميغان بيترز أن هذه الأوضاع قد تؤدي إلى نمو اقتصادي أقل من المتوقع في 2025، حتى بعد احتساب التأثيرات السلبية المعروفة للرسوم والضغوط على الصادرات.
الولايات تعيد ترتيب استراتيجياتها السياحية
على الرغم من تراجع المؤشرات، لا تزال بعض الولايات الأميركية تبذل جهوداً مكثفة لتعويض الخسائر. ففي ولاية أوريغون، كشفت لجنة "ترافل أوريغون" عن استمرار حملاتها الترويجية في الخارج، مع استعدادها لاستضافة وفود تسويقية من المملكة المتحدة والهند والبرازيل. وذكر الرئيس التنفيذي للجنة، تود ديفيدسون، أن الولاية تدرس تعديل استراتيجيتها لتشمل التركيز بشكل أكبر على السياحة المحلية، لكنه شدد على أن أوريغون لن تتخلى عن الأسواق الدولية.