"يجب أن تعمل البنوك المركزية معاً أو تعاني وحدها"..
هكذا وصف كبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي السياسة النقدية التي قد يشهدها
العالم خلال المرحلة المقبلة، بعد سنوات من الإبقاء على أسعار الفائدة عند معدلات
منخفضة وسالبة.
ونشر موقع "بروجيكت
سينديكات" مؤخراً تحليلاً لـ"كوشيك باسو" حول السياسة النقدية التي
تتبعها البنوك المركزية الرئيسية حول العالم خلال السنوات الأخيرة، والتي وصفها
بأنها سياسات تيسيرية وغير مسبوقة تتميز بمعدلات فائدة منخفضة وسالبة.
ويوضح "باسو" في تحليله أن
مثل هذه السياسات قد تتحول إلى نموذج سيئ، نتيجة قيام كل بنك مركزي بتحقيق مكاسب
من خلال إبقاء معدلات الفائدة منخفضة، مشيراً إلى أن استمرار هذه المعدلات
المنخفضة بشكل جماعي يشكل "فخاً" لا يمكن الخروج منه.
وكانت البنوك المركزية في اليابان
والولايات المتحدة وسويسرا ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة وغيرها من الدول
المتقدمة قد بدأت منذ سنوات سياسة الإبقاء على أسعار الفائدة عند معدلات منخفضة
وسالبة في بعض الأحيان؛ بهدف دعم الإقراض والنمو الاقتصادي.
ويرى التحليل أن النمو العالمي يتحرك
ببطء، لكنه يسير بشكل ثابت في طريق الانتعاش، حيث تشير التوقعات المستقبلية لصندوق
النقد العالمي إلى نمو الناتج المحلي العالمي بنحو 3.5% خلال العام الجاري مقابل
3.2% في العام الماضي.
ويضيف أن هناك عائقاً يتمثل في أنه
بالرغم من أن السياسات النقدية التيسيرية ساعدت اقتصادات الدول على النمو، فإنها
قد تهدد الآن بأزمة مالية جديدة.
وتميل بعض البنوك المركزية إلى اتباع
سياسة أسعار الفائدة السالبة؛ من أجل تحفيز النمو الاقتصادي داخل البلاد والتحكم
في نسبة التضخم.
ويرى التحليل أن بنوك العالم المركزية
اتبعت خلال السنوات الأخيرة سياسات نقدية تيسيرية، مستشهداً بوصف تقرير
"دويتشه بنك" الألماني بأنها أدنى مستويات أسعار الفائدة على مدى القرون
الماضية، وهو ما جاء بالتزامن مع اتباع برنامج التيسير الكمي على نطاق واسع، مما
أضاف للاقتصاد العالمي نحو 32 تريليون دولار في الـ9 السنوات الماضية.
وكانت تقارير قد توقعت إن البنك
المركزي الأوروبي ربما يتجه لخفض عمليات شراء السندات الشهرية التي تبلغ 60 مليار
يورو شهرياً إلى النصف.
وتبقي منطقة اليورو سعر الفائدة عند
(صفر%) منذ مارس من العام الماضي، من أجل الوصول إلى معدلات التضخم المستهدفة.
ويذكر التحليل أنه في إطار العولمة
التي يشهدها العالم حالياً يمكن أن يحقق انخفاضاً طفيفاً في أسعار الفائدة من قبل
بنك مركزي واحد فوائد عديدة؛ منها إضعاف العملة ما يعزز الصادرات.
لكنه يحذر من زيادة عدد الدول التي
تتبع مثل هذه الاستراتيجية، كونه يشكل ضغوطاً على القطاع المصرفي، مستشهداً بما
حدث في أوروبا حيث انخفضت أسعار أسهم البنوك بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة.
بينما يتجه المستثمرون إلى البحث عن
استثمارات أكثر خطورة مع عائدات محتملة بشكل أكبر، بفعل أسعار الفائدة المنخفضة
والسالبة التي تجعل حيازة النقد مكلفة.
ويؤكد التحليل أن استمرار انخفاض
أسعار الفائدة يمكن أن يسبب القلق للأفراد بشأن الأموال التي يحصلون عليها عند
التقاعد، مما يحفزهم على ادخار أكثر واستهلاك أقل، حيث إن التحفيز النقدي قد يخلق
بيئة تضعف آفاق النمو الاقتصادي بغض النظر عن تعزيز الاستهلاك الحالي.
ويوضح التحليل أنه في الوقت الراهن لا
يمكن لأي دولة منفردة أن تبعد العالم عن هذا "الفخ"، بعدما تخلت
الولايات المتحدة، والتي ربما تكون قد تولت زمام القيادة في الماضي، عن مكانتها
القيادية العالمية في السنوات الأخيرة وبخاصة خلال العام الأول من رئاسة
"دونالد ترامب"، إضافة إلى مجموعة دول العشرين التي فقدت مؤخراً دعم
تنسيق السياسات النقدية والمالية بين اقتصادات الدول المتقدمة والناشئة الرئيسية
في العالم.
وكانت الولايات المتحدة وكندا قد
أعلنتا رفع معدل الفائدة مرتين منذ بداية العام الجاري، وسط توقعات باتجاه بنك
إنجلترا لقرار مماثل في الفترة القريبة المقبلة، في حين لاتزال اليابان ومنطقة
اليورو بعيدتين عن هذه الخطوة.