محمود محيي الدين: الاستغناء عن الاقتراض يحتاج لوقت والحكومة تبذل جهد جبار لتجنب التخلف عن السداد


ولابد من إشراك القطاع الخاص في الأعمال التنموية

الاثنين 16 سبتمبر 2024 | 09:34 صباحاً
الدكتور محمود محيي الدين المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة
الدكتور محمود محيي الدين المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة
محمد مكاوي

قال الدكتور محمود محيي الدين المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة، إن الاقتصاد المصري بعد صفقة رأس الحكمة جاءته فرصة لالتقاط الأنفاس، كما أن هذه الفرصة صاحبها الموافقة على المراجعة الأولى والثانية لبرنامج مصر مع صندوق النقد الدولي.

وأضاف أن صفقة رأس الحكمة صاحبها أيضًا الاتفاق المتكامل مع الاتحاد الأوروبي في مجالات الاستثمار والتجارة، لافتًا إلى أن هذه التطورات جاءت بعد عامين من المشكلات المتفاقمة للاقتصاد، المتمثلة في ارتفاع معدل التضخم ومهددات مختلف للنمو الاقتصادي ومشكلات تخص سعر الصرف.

صفقة رأس الحكمة جاءت فرصة لالتقاط الأنفاس 

ونوه بأن هذه النقاط الثلاث جائت في غضون شهرين إلا أن صفقة رأس الحكمة أتاحت فرصة يمكن البناء عليها لتستقر الأوضاع ويشعر المواطنون بالتغيرات الإيجابية التي بدأت من شهر فبراير ومارس الماضيين.

وأضح «محيي الدين» أنه وبعد صفقة رأس الحكمة وبناء على وضع الاقتصاد المصري مع صندوق النقد الدولي بعد إتمام الثلاث مراجعات آخرهم التي تمت في يولية الماضي، والمراجعة التي ستبدأ في أكتوبر القادم، أصبحت لمصر علاقة خاصة مع الصندوق والتي بدأت من نوفمبر 2016 والتي ستنتهي بنجاح باهر وفقًا لتوقعات الصندوق في نوفمبر 2026، والتي ستخلِف 10 سنوات من العلاقة الممتدة في شكل 4 برامج آخرهم الحالي الذي سيستمر على مدار 4 سنوات، والذي يتوقع الصندوق وفقًا لآخر تقرير له أن تتحسن المؤشرات الحيوية للاقتصاد المصري، على أن ترتفع معدلات النمو الاقتصادي الحقيقي، وانخفاض نسبة المديونية وخدمتها، مع وضع نسب التضخم تحت السيطرة والوصول بها لمعدلات أفضل مما هي عليه الآن، مع استقرار في المؤشرات التي تساند سعر الصرف.

تحسن المؤشرات الحيوية للاقتصاد وارتفاع معدلات النمو

وأضاف أنه وفقًا للمسار الحالي وتقديرات الصندوق فإنه من المتوقع مع إنتهاء البرنامج أن يشهد الاقتصاد المصري نموًا أعلى، ومعدلات التضخم أقل، وتقلص المديوينية الخارجية للبلاد، ونمو في الاحتياطات الأجنبية، وهو ما يعني أن المؤشرات الرئيسية للاقتصاد ستكون أفضل من ما كانت عليه في 2016 ومن العام الحالي بحلول 2026.

وأشار مبعوث الأمم المتحدة لتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة، إلى أن لابد من الاستمرار في هذا التحسن النسبي المضطرد الذي بدأته مصر حتى لا تحتاج للصندوق مرة أخرى بعد انتهاء برنامجها في 2026، وتحتفظ مصر بعلاقتها الطيبة الإيجابية مع الصندوق كونها دولة مؤسسة في صندوق النقد.

وأوضح أنه لابد من توافر الاستثمارات والإنتاج والتصدير وانتعاشة كلية في حركة الاقتصاد كي تتمكن مصر من الاستغناء عن الصندوق وذلك بالاعتماد على القطاع الخاص، كما ولابد من أن يكون استهداف التضخم يكون من جانب البنك المركزي للسيطرة عليه وليس عن طريق تحريك سعر الصرف.

انخفاض نسبة المديونية وخدمتها مع انتهاء علاقة مصر بالصندوق في 2026

وتابع: الأهم من ذلك أن الدين العام للدولة ليس نسبة من الناتج المحلي لكن خدمة الدين لابد أن تكون في اتجاه الهبوط، مما يعطي إشارة إيجابية على تعافي الاقتصاد المصري، كما ولابد من خلق تنافس إيجابي بين جميع المؤسسات المتواجدة في السوق المصري سواء كانت عامة أو خاصة محلية كانت أو أجنبية، مما سيضمن استمرار استقرار الاقتصاد الكلي.

استهداف خفض التضخم من جانب البنك المركزي وليس عن طريق تحريك سعر الصرف 

وأكد «محيي الدين» على أن تحقيق الاستقرار للاقتصاد الكلي بما يدفع بعجلتي الاستثمار والتصدير يستلزم استهداف التضخم وضبط عجز الموازنة العامة للدولة والسيطرة على خدمة الدين العام الخارجي والمحلي وضمان حرية التنافس بين القطاع الخاص واللاعبين الاقتصاديين التابعين للدولة، حيث تجعل هذه الإجراءات الاقتصاد في حالة من المرونة ويسمح للاقتصاد الخاص بالتوسع ومن ثم تشغيل الناس وزيادة دخولهم، وهو ما يساهم في تحقيق التنمية والنمو وتنشيط الاستثمار والتمويل.

وقال إن الحكومة المصرية تعمل باجتهاد للخروج من الأزمة الاقتصادية الذي يتطلب الاستثمار في رأس المال البشري بما يزيد من قدرته على الإنتاج والمنافسة، وتعزيز الاستثمارات المشتركة والشراكات بين القطاعين العام والخاص خاصةً في مجالات التحول الرقمي والبنية الأساسية، وهو ما حققت فيه مصر خطوات إيجابية وتتجه نحو تحقيق المزيد من خلال تعزيز البنية الأساسية والمرافق والتوسع في تنفيذ مبادرة حياة كريمة، وتعظيم الاستفادة مما تم تنفيذه بالفعل من مشروعات البنية الأساسية لزيادة الإنتاج والاستثمارات وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في هذا الإطار.

وأكد «محيي الدين» أنه لا يمكن الفصل بين الاقتصاد والسياسة حيث أن العمل على حل مشكلات الناس الاقتصادية يتم عبر اختياراتهم السياسية، وهو ما يطلق عليه مصطلح الاقتصاد السياسي، مشيرًا إلى أنه رغم اختلاف المدارس السياسية في الصين -على سبيل المثال- عنها في الولايات المتحدة إلا أن كلا الجانبين يحقق نموًا اقتصاديًا يتوافق مع آلياته واعتباراته السياسية.

خلق تنافس إيجابي بين جميع المؤسسات يضمن استمرار استقرار الاقتصاد الكلي

وأعرب عن اعتقاده بأهمية وجود السوق الفاعلة والدور الحيوي للقطاع الخاص مع الرقابة الجيدة والفاعلة من جانب أجهزة ومؤسسات الدولة والتي تحقق قدرًا من التوازن بين التقدير لحرية السوق وقدرة القطاع الخاص على العمل والإنتاج.

وأضاف «محيي الدين» أنه يجب أن تكون هناك استثمارات خاصة في الفترة المقبلة، وأن تكون الاستثمارات العامة استثناء، مشيرًا إلى أن هناك استثمارات لا يمكن يتحملها القطاع الخاص مثل مبادرة حياة كريمة، مشددا على ضرورة الاهتمام بالمشروعات بما يرفع الكفاءة.

ولفت إلى أن الانطلاق في الاستثمارات العامة يجب أن يكون بدون تمييز، مبديًا تقديره للأصوات التي يمكن أن تعترض على طرح بعض الأصول وهي أصوات مُحقة في آرائها.

استغناء مصر عن الاقتراض يحتاج لوقت وبجب أن يكون هناك نظام للانسحاب والتخارج من المديونية

وحول استغناء مصر عن الاقتراض من صندوق النقد الدولي أو غيره من الجهات الممولة قال «محيي الدين» إن الخروج من نظام مالي إلى نظام آخر يحتاج إلى وقت، قائلا: “يجب أن يكون هناك نظام للانسحاب والتخارج من المديونية”.

وتابع: الجزء الأكبر من الموازنة العامة للدولة يذهب لخدمة الدين، وذلك أكثر من مخصصات التعليم والصحة، ونجد أن مصر لم تتخلف عن السداد فيما يتعلق بالديون الخارجية وهي تقوم بكل دورها لعدم حدوث ذلك، وفي المقابل فإن تكلفة هذا الأمر باهظة.

وأوضح أن لابد من الالتزام بالإجراءات المنصوص عليها في الاتفاق مع الصندوق للوصول للنتائج المستهدفة، مقابل أن يقدم الصندوق الالتزام التي تقع على كاهله تجاه مصر أولها القسط المتفق عليه مثل آخر قسط تسلمته مصر البالغ 320 مليون دولار والذي يعد مبلغ ليس بالكبير بالنسبة لحجم مصر إلا أن مصر تحصل بالتزامها بشروط الصندوق على ما هو أهم المبلغ المنصوص عليه، وهو التقرير الصادر عن الصندوق الذي يشير إلى أن هذا البلد في حركة جيدة، مما يدفع جهات التمويل والأموال الساخنة والتمويلات طويلة الأجل للتوجه لمصر كونها تتمتع باستقرار اقتصادي كلي ولديها القدرة على الوفاء بالتعهدات، وكل ذلك بناء على تقرير صندوق النقد الناتج عن وفاء مصر بما تعهدت به أمام الصندوق وأثبتته المراجعات.

وأشار «محيي الدين» إلى أن المجموعة الاقتصادية لمصر لابد لها من التحرك حاليًا وليس بعد عامين لاختار ما يناسبها من تمويلات والمشاركات مع مؤسسات تنموية دولية جديدة وذلك لاستهداف تقليل الاعتماد على الاستدانة وفتح المجال للاستثمار أمام القطاع الخاص، وعدم استسهال حل الاستدانة.

وأشار إلى أن دور مصر ممثلة في المجموعة الاقتصادية والبنك المركزي ووزارة المالية يأتي في فحص كل هذه الفرص التي تتهافت على مصر بعد كل تقرير للصندوق، واختيار ما يصلح لها وظروفها الداخلية، وما يفيدها من هذه التنويعة التمويلية والاستثمارية.

2026 هو عام التخلص من قيود صنود النقد وسنعود لإدارة اقتصادية محكمة يطمئن لها المستثمر والمؤسسات والمواطن

وأضاف أن المواطن المصري يستطيع القول 2026 هو عام التخلص من قيود صندوق النقد الدولي، وبعد 10 سنوات الالتزام بتقاليده السالبة لحرية التصرف والحركة، والخروج خارج إطاره لا يعني فوضوية الأمور بل إدارة اقتصادية محكمة يطمئن لها المستثمر والمؤسسات التابعة للاقتصاد المصري وأيضًا المواطن، كما يستطيع الاقتصاد المحلي ممارسة حياته العادية من تحريك النمو والاستثمار وزيادة التصدير دون الحاجة إلى انتظار موعد المراجعة ، وتقارير الصندوق النقدية.

وأوضح«محيي الدين» أن سبيل مصر للنمو الاقتصادي يقوم على النظر للداخل واستغلال فرص المحيط الإقلميمي المعقد، كما أنه لا يجب انتظار حلحلة القضايا الدولية مثل تصالح الولايات المتحدة والصين، مشددًا على أن الدعم يجب أن يصل لمستحقيه، موضحًا أن التطورات التكنولوجية تساهم في التوصل لمن هو في حاجة للدعم.

وصول الدعم إلى مستحقيه

وأشار إلى أنه مهما اتخذت الدولة من إجراءات، سيكون عليها اتخاذ خطوات بعينها من أجل وصول الدعم إلى مستحقيه، كما نوه على أنه حتى مع المشروعات التي تنفذها الدولة، ستكون هناك نسبة من المجتمع بحاجة للدعم، باعتبار أن هذه الطبقات لن تكون قادرة على استغلال الفرص التي تتيحها المشروعات الجديدة.

وأوضح أن الدعم ضروري للمواطنين، ولكن الأهم أن يصل إلى مستحقيه، حيث هناك فئة تحتاج إلى مساندة، كما أن الدولة تستطيع الوصول إلى المستحقين عبر التكنولوجيا المتاحة حاليًا.

رفع معدلات النمو لنسبة 7% لتحقيق أهداف التنمية

وأشار المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى أن الدولة المصرية تحتاج رفع معدلات النمو لنسبة 7% لتحقيق أهداف التنمية.

وأضاف «محيي الدين» أنه في حالة وجود إفراط في تمويل آليات الاستثمار عبر الاستدانة، سوف تحتاج الدولة لفترة تخارج من الاعتماد على المديونية، موضحًا أن أحد أهم مزايا الدولة المصرية، هو القدرة على الالتزام بسداد المديونيات.

الحكومة تبذل جهد جبار لعدم التخلف عن سداد ديونها

وأوضح أن آخر دين عجزت مصر عن سداده دفعت مصر ثمنه غاليًا باحتلال البلاد، وذلك في أيام الخديوي إسماعيل، ومنذ تلك الفترة لم تتخلف مصر عن سداد مديونياتها مرورًا بحرب أولى وثانية وثورات مختلفة وهذه ميزة تتميز بها الدولة المصرية.

وأضاف أنه العالم في انتظار قرارات مصيرة للفيدرالي الأمريكي خلال اجتماعه القادم في 20 سبتمبر الجاري، والتوقعات تشير إلى خفض الفائدة بمقدار 0.25 أو 0.50 نقطة مئوية، مما يكشف مدى المرونة في الفائدة ويقلل مخاطر سعرها إلا أنه قد يظهر مدى الأزمة التي يعاني منها الفيدرالي وهي التأخر في التعامل مع الركود، مما اضفى شيء من الحيرة لدى مؤسسات التصنيف ومتابعين الأسواق، ولا يستطيع المتابع اتخاذ قرار الفرح بانخفاض مخاطر سعر الفائدة أم الحزن بارتفاع مخاطر الائتمان بسبب تراجع معدلات النمو في أهم اقتصاد عالمي الذي يطول تأثيره أغلب أسواق العالم.

وأضاف أن الأسواق النائشة ومنهم السوق المصري ستتأثر مثل هذه التحركات، وستدفع أصحاب الصناديق ومديري المحافظ للخروج للأسواق التي ما زالت محافظة على ثبات أسعار الفائدة لديها.

وحول ما تردد من جدولة للدين كما فعلت مصر مع نادي باريس عام 1991 قال «محيي الدين» إن الدائنين الجدد للعالم ليسوا نادي باريس، ومسئولية نادي باريس على العالم لا تزيد على 10%، والوضع والزمن ليس كالماضي، لذلك نحن نريد إدارة جيدة للدين العام في مصر، وزيادة لتعبئة الموارد المحلية من خلال كفاءة تحصيل نفس النسبة من الضرائب بعيدًا عن فرض أي ضرائب جديدة، حيث لا يصلح لبلد في حجم مصر أن تكون نسبة الضرائب بها بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي أقل من 15% بجانب توحيد الموازنة العامة للدولة، وإتاحة المشاركة والفرصة الأكبر للقطاع الخاص في أي مشروعات أو استثمارات، وهذه من المهام الكيبرى على عاتق معالي وزير المالية الدكتور أحمد كوجك.

لابد من إشراك القطاع الخاص الأعمال التنموية

وأوضح أنه كلما كانت هناك فرصة لمشاركة القطاع الخاص كلما فتحت مصر باب للاستثمار وأغلقت باب للاستدانة، والمنظومة التي يجب على مصر الوصول إلها هي فتح كافة المجالات لتمويل التنمية، وخلق استثمارات عامة وخاصة، واستثمارات محلية وأخرى أجنبية.

وحول بيع أصول الدولة أم الإبقاء عليها قال «محيي الدين» إن الزمن الحالي غير الماضي والأوضاع اختلفت بشكل كبير وأصبحت بغير التي كانت عليه سابقًا، وقبل الحديث عن هذا الملف أرجوا أن يتم وضع خط على ما كان والبدء من جديد ليكون أي مشروع يتم تأسيسه تابع للقطاع الخاص عدا بعض المشروعات تكون تابعة للدولة على أن تكون هذه الانطلاقة الجديدة.

وأضاف أنه مع الانطلاقه الجديدة يجب أن تخضع كل الشركات الخاصة أو العربية أو الأجنبية في مصر أو شركات التابعة لقطاع الأعمال العام القديم أو الجديد، للنظام العام للمنافسة بمعنى أن يكون للقطاع الخاص القدرة على منافسة الملكية الخاصة للدولة.

على الدولة استكمال «حياة كريمة» للقضاء على الفقر المدقع

وحل انقسام الشارع المصري بين مؤيد للتنمية العمرانية والتوسع في مشروعات البنية التحتية والمدن الجديدة وبين معارضيها أوضح «محيي الدين» أنه لا يمكن الخلاف على البديهيات، ومشروعات مثل الطرق التي ساهمت في تخفيف الاختناقات، لا يمكن إنكارها أو لم يكن الاستغناء عنها، وأيضًا مشروعات البنية الأساسية التي حققت التنمية في بعض المناطق ووفرت فرص عمل وسهَّلت على المواطنين تنقلهم من منطقة أخرى، وكذلك مبادرة حياة كريمة وما أنجزته وحجم التمويل الذي جرى إنفاقه على هذه المشروعات الضخمة.

وأشار إلى أنه لابد من إشراك القطاع الخاص في مثل هذه الأعمال التنموية وعلى رأسها التعجيل بباقي مراحل مشروع حياة كريمة وإشراك القطاع الخاص بها وذلك للقضاء الفقر المدقع ، وتميول هذه المشروعات يكون من خلال هذه المشاركة.