أبدت شركة بي.إم.آي للأبحاث التابعة لفيتش سولويشنز تفاؤلاً حذراً بشأن آفاق نمو الاقتصاد المصري في السنة المالية القادمة.
وأشارت الشركة في تقريرها أن تسارع نمو الاقتصاد المصري في السنة المالية 2024-2025 قد يكون مدعومًا بنمو أقوى في الإنفاق الاستثماري، مما سيتوازن مع تباطؤ الطلب من الاستهلاك الخاص وضعف أداء القطاعات التصديرية الرئيسية.
وتبدأ السنة المالية في مصر في أول يوليو وتنتهي في نهاية يونيو.
وبقيت الشركة عند توقعاتها لمعدل النمو في مصر عند 3.2% في الفترة من 2023-2024 و4.2% في الفترة من 2024-2025 دون تغيير عن توقعاتها السابقة في الربع الماضي.
وأوضحت الشركة أنها قامت بتعديل هيكل محركات النمو الاقتصادي في مصر بناءً على بيانات الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني من السنة المالية الجارية.
وفي الوقت الحالي، تتوقع تباطؤاً في الطلب المحلي وانتعاشاً أقل في الصادرات، مقابل تحسن في النشاط الاستثماري والاستهلاك الحكومي.
وأرجعت الشركة تباطؤ الطلب المحلي إلى تأثيرات غير مواتية تتعلق بفترة الأساس وضعف هيكلي، وأشارت إلى استمرار ارتفاع تكاليف المعيشة بعد مرور عامين على تجاوز معدل التضخم 20%، مما يؤدي إلى عدم قدرة الأجور الحقيقية على مواكبة هذه التكاليف.
وأضافت أن ارتفاع تكاليف الاقتراض بشكل كبير، خاصة بعد زيادة أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 800 نقطة أساس في فبراير ومارس، يعمل على زيادة الضغوط على الأسر والشركات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الزيادة في الأسعار المدارة مثل الكهرباء والاتصالات والوقود تعني أن فواتير المرافق ستستهلك نسبة أكبر من دخل الأسر، مما يقلل من المساحة المتاحة للإنفاق على السلع غير الأساسية.
وأشار التقرير إلى أن الشركات في أحدث استطلاع للأنشطة التجارية في البلاد أبلغت عن ضعف في أوضاع الطلب، مع تسجيل انكماش أكثر حدة في نشاط القطاع الخاص.
ومع ذلك، أشار التقرير إلى أن مساهمة الاستهلاك الخاص في النمو ستكون أعلى مما كان متوقعاً سابقاً. وأظهرت بيانات الناتج المحلي عن الربع الثاني من السنة المالية الجارية نمواً في الاستهلاك الخاص بنسبة 13.2% على أساس سنوي، ويرجع ذلك إلى انحسار التضخم وزيادة الإنفاق الاجتماعي الذي ازداد بفعل عوامل مواتية لفترة الأساس.
وبناءً على استمرار انخفاض معدل التضخم، حيث قامت شركة بي.إم.آي بتخفيض توقعاتها للتضخم في ديسمبر 2024 من 30% إلى نحو 25%، وبناءً على رفع الحكومة للإنفاق الاجتماعي والحد الأدنى للأجور، يتوقع التقرير أن يكون الاستهلاك الخاص أقوى مما كان متوقعاً في السابق.
وتتوقع شركة بي.إم.آي أيضاً ارتفاع تدفقات تحويلات العاملين المصريين في الخارج، ليس فقط بسبب قوة النشاط الاقتصادي في الدول المضيفة، ولكن أيضاً بسبب توحيد أسعار الصرف في أوائل مارس مما جعل عمليات التحويل أسهل عبر السوق الرسمية في زمن مناسب.
الصادرات
وفقًا لتقرير "بي.إم.آي"، تتوقع الشركة حاليًا أن يساهم صافي الصادرات بشكل إيجابي في النمو في السنة المالية 2024-2025، لكنها تتوقع مساهمة أقل مما كانت تعتقد في السابق. وأوضحت الشركة أن مساهمة صافي الصادرات أصبحت سالبة في الربع الثاني من السنة المالية 2023-2024، بسبب انخفاض صادرات السلع والخدمات، وتتوقع استمرار هذا الاتجاه حتى النصف الأول من السنة المالية 2024-2025.
وأرجعت "بي.إم.آي" هذا الانخفاض إلى أزمة البحر الأحمر التي بدأت في ديسمبر 2023 والتي ستستمر في إحداث اضطرابات في عوائد النقل حتى ديسمبر/كانون الأول 2024، بالإضافة إلى انخفاض صادرات النفط والغاز نتيجة للطلب المرتفع وانخفاض إنتاج الغاز. وتوقعت "بي.إم.آي" أن تعلق السلطات المصرية صادرات الغاز المسال خلال الفترة بين مايو/أيار وسبتمبر 2024 لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء خلال فصل الصيف.
على الجانب الآخر، تتوقع "بي.إم.آي" تحسنًا طفيفًا في أنشطة الاستيراد بفضل توفر السيولة المصرفية، مما سيسمح بتمويل السلع غير الأساسية. ومن المتوقع أن تعود حركة الملاحة إلى طبيعتها نوعًا ما في البحر الأحمر اعتبارًا من يناير 2025، مما سيوفر دعمًا لنمو الصادرات في النصف الثاني من السنة المالية 2024-2025. ومن المتوقع أيضًا أن تسجل الصادرات غير النفطية نشاطًا قويًا بفضل مكاسب التنافسية بعد خفض قيمة العملة وزيادة إتاحة النقد الأجنبي لتمويل شراء المواد الخام.
الاستثمار الأجنبي
قالت بي.إم.آي إن الاستثمار الأجنبي سيكون عنصرا أساسيا في دعم النشاط الاستثماري في مصر. وأضافت أن تراجع الاستثمارات التي تقودها الدولة ضغط بشكل كبير على النشاط الاستثماري في السنة المالية 2023-2024.
في الوقت ذاته، فإن البيئة التشغيلية الزاخرة بالتحديات ثبطت الاستثمار المحلي وأسفرت عن تقدم محدود في برنامج التخارج من الاستثمارات. أما في السنة المالية 2024-2025، تتوقع "بي.إم.آي" إنفاقا رأسماليا محدودا، لكن إحراز تقدم في خطة الخصخصة سيؤدي إلى انتعاش الأنشطة الاستثمارية.
وأضافت شركة الأبحاث أنه على الرغم من أن النشاط الاستثماري سيرتفع على أساس سنوي، فسيكون أضعف مما كان يُعتقد في السابق وذلك بسبب الزيادة الكبيرة في تكاليف الاقتراض.
وقالت "بي.إم.آي" إنه بينما تتوقع أن تبدأ مصر دورة تيسير السياسة النقدية في عام 2025، فإن أثرها لن يكون ملموسا سوى في السنة المالية 2025-2026.
مخاطر
وعلى صعيد المخاطر التي تواجه تلك التوقعات، قالت "بي.إم.آي" إنها مخاطر متوازنة. وأضافت أن عودة الملاحة في البحر الأحمر لوضعها الطبيعي في وقت مبكر عن المتوقع سيحفزها لتعديل توقعات النمو للاقتصاد المصري بالرفع.
لكنها أشارت إلى أنه على النقيض، فإن تداعيات الحرب في غزة على مصر، خاصة بعد هجوم إسرائيل على رفح، سيؤثر على الاقتصاد المصري عبر السياحة والاستثمار.
وأضافت أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى ضعف سعر الصرف والذي سيقود بالتبيعة إلى حركة عكسية لمعدل التضخم المتباطئ وتحفيز المزيد من التشديد في السياسة النقدية وهو ما سيضغط على الاستثمار والطلب المحلي.