تحتضن العديد من دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة وأوروبا، أزمة طاحنة في مجال إمدادات الدواء، وهو التحدي الذي بدأ يظهر في عام 2022، ولكنه تفاقم بشكل متسارع في أواخر العام الماضي، مما أثار تساؤلات متزايدة حول جذور هذه الأزمة ودور الشركات العملاقة في مجال الأدوية في تفاقمها، وهل هناك عمليات احتكار تهدف إلى التحكم في أسعار الأدوية.
صناعة الادوية
وكشف تحقيق صحافي طويل الأمد نشرته جريدة "فايننشال تايمز" البريطانية، عن تفاقم نقص الأدوية ليصل إلى ذروته في أواخر عام 2023، ومنذ ذلك الحين، وصل النقص إلى مستويات قياسية في مختلف أنحاء أوروبا، بينما شهدت الولايات المتحدة أسوأ وضع خلال العقد الماضي.
هيئات الصيدلة الوطنية في 26 دولة أوروبية أبلغت عن نقص في مختلف أنواع الأدوية خلال العام الماضي، مما ألقى الضوء على تأثير هذه الأزمة على الرعاية الصحية في المنطقة.
صناعة الدواء
في هذا السياق، تركزت شركات الأدوية الكبرى على تطوير الأدوية المبتكرة التي يمكن بيعها بأسعار مرتفعة وتحمل براءات اختراع، مما جعلها تجني أرباحًا هائلة. ومع ذلك، فإن الأدوية التي لا تحمل براءات اختراع تشكل الجزء الأساسي من الرعاية الصحية، والتي تعاني في بعض الأحيان من نقص في الأسواق.
وتشير التقارير إلى أن مشكلات التصنيع وسلاسل التوريد الضعيفة والانخفاض في الأسعار ساهمت في خلق "سوق مكسورة" للأدوية، مما يجعلها غير جذابة للشركات المصنعة وتعرضها لصدمات في العرض والطلب.
ويؤكد روب موس، مستشار الصيدلة في مستشفى في أوتريخت بـ هولندا، على أهمية الحصول على الدواء في الوقت المناسب، مشيرًا إلى أن أي اضطراب في ذلك يؤدي إلى نقص في الأدوية المتوفرة.
نقص أدوية في بريطانيا
في بريطانيا، شهدنا في يناير الماضي نقصًا في 99 نوعًا من الأدوية، وهو رقم يزيد بشكل كبير عن العامين السابقين، وفقًا لجمعية مصنعي الأدوية العامة البريطانية، التي تُعد هيئة تجارية مهمة في البلاد. تأثرت إمدادات الأدوية بشكل كبير، بما في ذلك العلاجات البديلة للهرمونات وأدوية اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وتعود جزئيًا ذلك إلى الطلب المتزايد.
تشير كلوديا مارتينيز، رئيسة قسم الأبحاث في مؤسسة "الوصول إلى الطب"، وهي منظمة غير حكومية في أوروبا، إلى أن ندرة المنتجات تؤدي في النهاية إلى توزيعها على أساس الدفع الأعلى. وبالنسبة للمرضى، فإن النقص في الأدوية ينعكس في نهاية المطاف على جودة العلاج، وقد أشارت دراسة باكستانية إلى أن هذا النقص أدى إلى تأخير العلاج وزيادة مضاعفات المرض وحتى احتمال وفاة المريض.
ووفقًا لدراسة أجرتها مجموعات الصيدلة الوطنية الأوروبية، فإن النقص في الأدوية أدى إلى تراجع جودة العلاج في ثلاثة أرباع المجموعات، وأدى إلى حدوث آثار جانبية أكثر تطرفًا بنسبة 15٪.
أسباب اختفاء الأدوية
يُعبر داريو تراباني، الطبيب في المعهد الأوروبي لعلم الأورام في ميلانو، عن قلقه حيال نقص دواء يسمى باكليتاكسيل، والذي يُعتبر "العمود الفقري" في علاج سرطان الثدي لدى النساء في إيطاليا، إذ يشعر بالقلق تجاه عدم توافر بدائل كافية لهذا الدواء.
وتعتمد الأزمة أيضًا على الاعتماد المتزايد على المصانع الصينية للحصول على مكونات صيدلانية فعّالة، مما ساهم في نقص المضادات الحيوية في أوروبا في عام 2022، ويُعزى ذلك جزئيًا إلى القيود التي فرضتها جائحة كوفيد-19 في الصين.
وفي هذا السياق، أدى انخفاض أسعار بعض الأدوية إلى منع الشركات الجديدة من دخول السوق وتقليل المنافسة، وفقًا لريتشارد ساينور، الرئيس التنفيذي لشركة ساندوز، مما جعل السوق غير جاذبة للاستثمار.