كثفت معظم البنوك المركزية على مستوى العالم مشترياتها من الذهب كاستراتيجية للتنويع بعيداً عن الدولار، في ضوء المخاوف بشأن العجز المالي المستمر في الولايات المتحدة والضغوط التضخمية.
استقرار الدولار وارتفاع العائدات الحقيقية
يأتي ذلك، على الرغم من استقرار الدولار وارتفاع العائدات الحقيقية، فإن أسعار الذهب واصلت القفز إلى أعلى مستوياتها منذ 50 عاما مقابل معظم العملات الرئيسية.
ولم يكن ذلك مدفوعا بصناديق الاستثمار المتداولة أو الشراء الموسمي، بل بمشتريات البنوك المركزية بحسب الموقع المتخصص في أسعار السلع.
وتؤكد الزيادة في حيازات البنوك المركزية من الذهب، ولا سيما في الصين وألمانيا وتركيا، على اتجاه أوسع نحو حماية الأصول الاحتياطية من الانخفاض المحتمل في قيمة الدولار ومخاطر النظام المالي.
ووفقاً لمجلس الذهب العالمي، فقد اشترت الصين 225 طناً من الذهب خلال عام 2023، وواصلت الشراء خلال شهري يناير وفبراير من العام الجاري، للشهر الـ 16 على التوالي، حيث أضافت الصين 22 طنا من الذهب إلى احتياطاتها الذهبية خلال العام الجاري، ليصل إجمالي الاحتياطي إلى 2257 طنا ذهب، وفقاً لـ "بلومبرغ".
فيما بلغت إجمالي مشتريات البنوك المركزية من الذهب خلال عام 2023، نحو 1037 طنا، بحسب بيانات مجلس الذهب العالمي، وهو ما يرسل رسالة مفادها أن النظام المالي العالمي على وشك التغيير، وفقاً لما ذكرته رونا أوكونيل، رئيسة تحليل السوق في StoneX Financial.
قال جيروم باول رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، ببعض الراحة إزاء التضخم - مع تصريحاته الأخيرة التي كرر فيها أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يسير على الطريق الصحيح لخفض أسعار الفائدة هذا العام - لكن البنوك المركزية الأخرى ليست مرتاحة للغاية.
إذ يشير الارتفاع الجديد للذهب إلى أن البنوك المركزية العالمية تقوم بتجميع المعدن النفيس في محاولة للتنويع بعيداً عن الدولار، حيث يهدد العجز المالي الضخم المستمر بزيادة تآكل قيمته الحقيقية ويؤدي إلى المزيد من التضخم.
وكانت حركة الذهب في الأيام الأخيرة واسعة النطاق وواضحة، حيث وصل المعدن الثمين إلى أعلى مستوياته خلال 50 عاماً مقابل ثلاثة أرباع عملات الدول النامية والأسواق الناشئة الرئيسية. وفيما كانت أكبر حيازات للذهب مرتبة كالتالي؛ الحلي، وصناديق الاستثمار المتداولة والسبائك والعملات المعدنية - تليها حيازات الاحتياطيات الرسمية للبنوك المركزية، بحسب "Oil Prices".
في السنوات الأخيرة، كانت بلغت حيازات صناديق الاستثمار المتداولة، والتي كانت أكبر مشتر للمعدن النفيس نحو 2500 طن من الذهب. لكن حيازات صناديق الاستثمار المتداولة تراجعت حتى مع ارتفاع سعر الذهب بالدولار.
في الفترة التي سبقت الوباء، ومرة أخرى في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، عززت البنوك المركزية العالمية حيازاتها من الذهب حتى مع قيام مستثمري صناديق الاستثمار المتداولة (ربما المنبهرين بالأضواء الساطعة للعملات المشفرة) بتخفيض ممتلكاتهم.
وعلى مدى الأشهر الستة الماضية، قامت الصين وألمانيا وتركيا بزيادة حيازاتها من الذهب بأكبر قدر.
وتسعى البنوك المركزية إلى امتلاك الذهب لأنه أحد الأصول الصلبة، وليس جزءا من النظام المالي عند امتلاكه بشكل مباشر. لكن السبب المهيمن هو الرغبة في التنويع بعيداً عن الدولار. خاصةً إذا لم تكن على علاقة ودية مع الولايات المتحدة، فهذه طريقة لتجنب الاستيلاء على أصولك الاحتياطية، كما حدث لروسيا.
ولكن البنوك المركزية في كل مكان ربما تشعر بعدم الارتياح إزاء امتلاك عدد أكبر مما ينبغي من الدولارات في حين تعاني الولايات المتحدة من عجز مالي ضخم يؤدي إلى التضخم. إن قيمة الدولار مبالغ فيها هيكلياً على أساس تعادل القوة الشرائية مقابل العملات الرئيسية في الدول المتقدمة.
على الجانب الآخر، أشار تقرير لوكالة "بلومبرغ"، إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية، وحرب غزة، وهجمات الحوثيين على أحد أهم الممرات الملاحية في العالم، تشكل مخاوف تدفع إلى البحث عن الملاذات الآمنة في الذهب، مثلما حدث في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، إلا أن نسبة ارتفاع الذهب حالياً لا تزال بعيدة عن زيادة بلغت 600% وقتها.