أواخر الأسبوع قبل الماضي، وقعت مصر مع دولة الإمارات عقدا لتطوير مشروع رأس الحكمة، إذ يساعد المشروع على ضخ استثمارات تزيد قيمتها عن 150 مليار دولار خلال مدة تطوير المشروع، ويتضمن 35 مليار دولار استثمارا أجنبيا مباشرا للدولة المصرية خلال شهرين، تسلمت مصر منهما 10 مليارات دولار كدفعة أولي.
وتعتبر صفقة تطوير رأس الحكمة "طوق نجاة" لتخفيف الضغوط التي تعاني منها مصر وهي أزمة نقص العملة الأجنبية، لكن إذا تم استغلال استثمارات الصفقة وما يشابهها من استثمارات مرتقبة بشكل مثالي لعدم تكرار هذه الأزمة وتداعياتها مرة أخرى.
وقدر بنك غولدمان ساكس، حجم الفجوة التمويلية لمصر بـ 25 مليار دولار على مدار السنوات الأربع المقبلة، في مذكرة سابقة لتوقيع صفقة رأس الحكمة.
ويعتبر الخبير الاقتصادي، هاني توفيق، أن تدفقات رأس الحكمة أعادت مصر على الطريق الصحيح، إلا أنه يرى أن تلك التدفقات لا تكفي سوى لتلبية الالتزامات العاجلة المطلوبة والتي منها الإفراج عن البضائع في الجمارك ودفع مستحقات الشركاء الأجانب، بخلاف سداد الديون المستحقة سواء لحملة السندات وغيرهم.
وقال: "لا يمكن الاعتماد على هذه التدفقات في تنفيذ استثمارات جديدة تجلب عوائد، ولكنها تكفي فقط لإعادة الاقتصاد لمستوي يمكن من خلاله اتخاذ إجراءات وإصلاحات سريعة لتجاوز الأزمة".
من جانبها، قالت رئيس قسم البحوث بشركة زيلا كابيتال للاستثمارات المالية، آية زهير، إن استثمارات رأس الحكمة تساهم في حل سريع لتلبية جزء من التزامات الديون على مصر في ظل أزمة السيولة الدولارية.
وأكدت أنه من الصعب أن يتم ضخ هذه الاستثمارات في مشروعات جديدة دون سداد الالتزامات المستحقة أولا.
وتلتزم مصر بسداد التزامات دولارية وديون قصيرة الأجل بقيمة تبلغ نحو 32 مليار دولار بنهاية العام الحالي، منها 26 مليار دولار في النصف الأول، و15 مليار دولار في النصف الثاني، وفقا لزهير.
وتشير البيانات الرسمية إلى ارتفاع إجمالي الالتزامات الخارجية بما في ذلك الأقساط وفوائد الديون لتسجل نحو 42.3 مليار دولار خلال العام المقبل.
وقد تضاعف إجمالي الديون الخارجية المستحقة على مصر خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث بلغ إجمالي الدين الخارجي بنهاية الربع الأول من العام الماضي نحو 165.4 مليار دولار.
جاء تضاعف الدين نتيجة زيادة الاقتراض من المقرضين متعددي الأطراف وأسواق الدين العالمية، ويعادل هذا الرقم نحو 40.3% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتمثل الديون المقومة بالدولار أكثر من ثلثي الديون الخارجية للبلاد.
خطة إنقاذ متكاملة
وبرزت مخاوف الاقتصاديين في مصر وحتى بنوك الاستثمار العالمية، من أن تؤدي الصفقة والتدفقات الدولارية التالية لها - سواء عبر الاتفاق مع صندوق النقد على زيادة برنامجه مع مصر، والذي سيصاحبه تمويلاً إضافياً من مؤسسة التمويل الدولية، قدرها "غولدمان ساكس" بـ 15 إلى 20 مليار دولار – إلى تراجع الحكومة عن برنامج الإصلاح واستكمال المشروعات الحكومية التي تم وقفها مؤخراً حتى شهر يونيو المقبل، ما يزيد من الضغوط من جديد على العملة المحلية ويتسبب في تآكل التدفقات الدولارية الحالية سريعاً، دون إحراز تقدم ملموس في خفض الديون وتوحيد سعر الصرف بين السوق الرسمية والموازية.
قال مدحت نافع عضو هيئة تدريس بكلية اقتصاد جامعة القاهرة، إن صفقة رأس الحكمة ساهمت في توفير التدفقات الأجنبية اللازمة لخطة البنك المركزي بالتحول نحو سعر صرف مرن.
وأوضح نافع أنه من المهم أن يتم القضاء على السوق الموازية والعمل على توحيد سعر الصرف، لتهيئة المناخ لدخول استثمارات جديدة.
كما أكد على أن الالتزامات القائمة والمستهدفات الاستثمارية الجديدة للدولة أكبر من أن تعتمد علي إيرادات صفقة واحدة.
"ومن المهم أن تعمل الدولة على دخول تدفقات أجنبية من جهات متعددة في وقت متقارب، ومنها قرض صندوق النقد الدولي، واستعادة تحويلات العاملين في الخارج وهذا لن يتحقق إلا بتوحيد سعر صرف العملة"، وفقا لنافع.
دروس للتعلم
وقال توفيق إن دخول الاستثمار الإماراتي من خلال رأس الحكمة لابد أن يُعجل من إزالة المعوقات التاريخية التي يواجهها الاستثمار في مصر والتي تتمثل في البيروقراطية، وصعوبة توفير الأراضي، وتعقيدات إصدار التصاريح والتراخيص، وغياب التسهيلات في السداد للأراضي ورسومها، وعدم وضوح الإعفاءات الضريبية، وغياب قانون للإفلاس، إلى جانب مشكلة سعر العملة المتكررة.
وطالب توفيق بإجراءات حكومية فاعلة تضمن رفع ثقة المستثمرين، وتحفيز الاستثمار المباشر المصري قبل العربي والخليجي، بجانب التركيز على القطاع الصناعي والتصدير.
وأوضحت زهير أن هناك إجراءات يستلزم تنفيذها بالتزامن مع تدفق استثمارات رأس الحكمة وغيرها وأهمها إعادة جدولة الديون لإتاحة فرصة استخدام جزء من السيولة الاجنبية المتدفقة في مشروعات تجلب عائد أجنبي.
وأكدت زهير على أهمية التوسع في المشروعات التي توفر دخولا أجنبية وتنفيذ برنامج التمكين الاقتصادي للقطاع الخاص، بجانب التريث في تنفيذ مشروعات البنية التحتية التي لا تحقق موارد دولارية.
ووفقاً لبرنامج الطروحات الحكومية، فإن الحكومة المصرية تستهدف رفع حصة القطاع الخاص من الاقتصاد المصري إلى أكثر من 65%، وفقاً برنامجها الإصلاحي الحالي. وشهدت السنوات الماضية انخفاض مساهمة القطاع الخاص إلى مستوى متدني دون الـ 30%.
وأشارت زهير إلى ضرورة استكمال برنامج بيع الأصول، ولكن وفقا لتقييمات عادلة، وذلك بعد القضاء على فجوة التسعير في السوقين الرسمي والموازية.
وأكدت على أن تدفق الاستثمارات الدولارية بأشكالها المختلفة، دون تطويعها لجلب موارد جديدة يحل الأزمة لفترة وجيزة ولا يقدم حلولا جذرية.