قال علي عيسى، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، إن سعر صرف الجنيه ليس مشكلة في حد ذاته، لكن المشكلة في الأسباب التي أخرجته عن السيطرة بسبب ندرة المعروض من العملة الأجنبية، ورغم أن مصر واجهت أزمات مشابهة قبل ذلك، لكن هذه المرة شح العملة الأجنبية مدفوع بارتفاع الدين الخارجي، وتخفيض التصنيف الائتماني، واختلال الميزان التجاري، ومن ثم تحجم "الأموال الساخنة" عن دخول السوق.
وبنهاية العام الماضي، انخفض عجز الميزان التجاري المصري إلى 36.9 مليار دولار، مقابل 48.06 مليارًا في العام السابق له، وفق وزارة المالية المصرية.
أضاف عيسى، أن تحسن الميزان التجاري خلال العام الماضي، غير معبر، لأن التعافي سببه تراجع كبير في الواردات على خلفية أزمة الدولار مع زيادة نسبية في الصادرات، لكنه ينبغي أن يكون نتيجة انضباط الأوضاع الاقتصادية بشكل عام.
توقع عيسى، أن يشهد القطاع الخدمي اختلالًا في إيرادات السياحة وقناة السويس على خلفية توترات الاقتصاد العالمي وأحداث "غزة"، بالإضافة إلى ما يحدث في مضيق باب المندب بالبحر الأحمر، وعلى أقل تقدير سيظهر الاختلال في نتائج الربع الأول من 2024.
حلول عاجلة لأزمة العملة
وعرض رئيس جمعية رجال الأعمال حلولًا عاجلة لأزمة العملة، كان أولها المحافظة على الحصيلة الدولارية لدى الدولة حاليا وترشيد الإنفاق، مع سرعة الاتفاق مع صندوق النقد فيما يخص حزمة المساعدات الجديدة التي تتفاوض عليها الحكومة المصرية حاليًا، بالإضافة إلى حزمة مساعدات الدول شركاء التنمية.
أضاف أن تضييق الفجوة بين أسعار الصرف في السوقين الرسمية والسوداء سيسمح بتنفيذ صفقات قوية لبيع بعض أصول الدولة، ما يساعد في توفير حصيلة جيدة من العملات الأجنبية التي ستسهل حل الأزمة القائمة حاليًا.
أشار إلى أهمية الوصول لنقطة تعادل فيما يخص الانضباط النقدي بوضع خطة محكمة لتحديد أولويات الإنفاق بالعملة الأجنبية، مع إلغاء بنود المصروفات على الاحتياجات غير الضرورية وغير العاجلة بهدف خلق توازن بين العرض والطلب على الدولار.
توقعات سعر صرف الجنيه
وقال عيسى، إن تحريك أسعار الصرف ليس هو الأصل بقدر ضرورة حماية هذا التحريك عبر امتلاك أدوات تُمكن الدولة من استقرار سعر العملة في البنوك، فالتحريك دون فرض هذا السعر الجديد على السوق وإتاحة الاحتياجات اللازمة، سيعرض السعر لتحركات جديدة أكبر من الحالية.
توقع أن يصل سعر الصرف الرسمي إلى نطاق يتراوح بين 50 و55 جنيهًا للدولار، وهو المتوسط الذي أشارت إليها البنوك الدولية والمراقبين، لكن دون أدوات حماية فمن الصعب الاستقرار في هذا النطاق، مشيرا إلى أنه إذا وجدت آليات لضبط سوق الصرف قد ترفع قيمة الجنيه مرة أخرى مع انضباط أوضاع السوق وتوافر معروض دولاري كاف.
أسعار الفائدة
وذكر عيسى، أنه كلما زادت أسعار الفائدة فإن القطاعات الإنتاجية تعاني ، وهي معادلة معروفة للجميع خاصة وأنها ترفع التكاليف وتدفع المستثمرين الجدد والراغبين في دخول السوق لإعادة النظر في قرار الاستثمار، وما إذا كان هو الأفضل أم إيداع الأموال في البنوك والحصول على عائد ربما أكبر وبدون مخاطر.
وطالب عيسى برفع سقف الإقراض ضمن مبادرة القطاعات الإنتاجية والصناعية بفائدة 11%، والتي بدأت قبل عامين بحصول الشركات على 50 مليون جنيه بحد أقصى دون النظر إلى حجم الشركة، وحاليًا تسعى الجمعية لزيادته إلى 150 مليون جنيه.
الصادرات والدولار
قال عيسى، إن تخفيض سعر العملات المحلية أمام الدولار من المفترض أن يخدم الصادرات، لكن الصناعة المصرية تعتمد على مكونات أجنبية يرفع من تكلفتها تخفيض الجنيه، كما أن بلوغ التضخم مستوى 35% قفز بأسعار الخامات المحلية، وبالتالي ارتفعت التكلفة بالعملة المحلية مثل تكاليف الاستيراد تمامًا.
أشار إلى أهمية توطين الصناعة المصرية في كافة المجالات الممكنة، عبر تحفيز الاستثمار بشكل أكثر جدية لخفض فاتورة الواردات، فقطاع الزراعة مثلًا، يستورد نحو 90% من الأسمدة والتقاوي والبذور والمعدات، وشدد على أهمية الحفاظ على عامل الجودة الذي على أساسه تتشكل التنافسية الدولية.
تنمية الصناعة والتصدير
وقال عيسى إن رفع القيود والعقبات البيروقراطية عن قطاع الصناعة عبر التحفيز، هو أهم عوامل تنمية الصناعة والتصدير.
وتابع: "أعمل في هذا المجال منذ أكثر من أربعين عامًا، ونتحدث دائًما عن البيروقراطية المتأصلة وأهمية ضبط أوضاع موظفي الحكومة حتى لا يعرقلون الأعمال المنتظمة والمشاريع الجديدة".
أضاف أن "البيروقراطية والعقبات ظهرت مثلا في قرار الحكومة بتقليل الإنفاق الدولاري، وهو شيء إيجابي بالمناسبة، لكن تطبيقه حدث به مفاجأة بعد أن طال بند مهم مثل المعارض الدولية التي تحضرها الشركات المصرية للترويج لمنتجاتها".
أوضح عيسى، أن الرخصة الذهبية تعني تسهيل إجراءات العمل وإنشاء الشركات والاستثمارات الجديدة بقرار واحد، وهو شئ إيجابي، لكن الحصول على هذا النوع من الرخص يقتصر على قطاعات أو شركات بعينها، فلماذا لا تُتاح للجميع من المستثمرين المحليين والأجانب. وحتى الآن حصل عليها 24 شركة فقط.
القطاعات التصديرية الواعدة
أوضح عيسى، أن الزراعة ومواد البناء، والملابس الجاهزة، والصناعات الهندسية من أبرز القطاعات التصديرية المصرية الواعدة، لكن تحقيق الاستفادة منها مرهون بمحددات مثل توفير أراض كافية بأسعار مناسبة وتسهيلات قوية، مع إنتاج الخامات محليًا لتصعد قرب 70% بدلًا من 40% حاليًا، و جلب شركات أجنبية للتصنيع داخل مصر.
وعرض رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين تجربة شركة "سامسونغ إلكترونكس" كمستثمر أجنبي في مصر، والتي اقتربت صادرتها في 2023 من 700 مليون دولار بما يمثل نحو 15% من إجمالي صادرات القطاع الهندسي، وهي شركة واحدة، فما بالنا بإضافة المزيد في الصناعات الهندسية وغيره من القطاعات".
"المستثمر الأجنبي يحتاج إلى تسهيلات لدخول السوق، وأسعار الأراضي من أبرز عوامل الجذب، والدولة تريد بيع المتر بـ15 و20 ألف جنيه، فالمستثمر يسأل نفسه كم سيدفع؟، ومن أين سيمول التكنولوجيا والإنشاءات والإنتاج والتوسع".
وقال عيسى، إن مصر في وضعها الحالي أصبحت بلدا مُصدرا للاستثمار وطارد له، فالكثير من المستثمرين المحليين والأجانب بدأوا إجراءات الاستثمار في أسواق مجاورة، اعتمادا على التسهيلات القوية التي تقدمها في هذه الدول كالأراضي والإعفاءات الضريبية والرسوم، في حين أن مصر تُحصل رسومًا على آلات التصنيع المستوردة، وتفرض رسومًا أخرى من خلال جهات الحكم المحلي.