تأثر سوق مواد البناء بشكل مباشر باستمرار تراجع سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصرى حيث وصل الدولار إلى حدود 16.4 جنيه للدولار خلال الأسبوع الثالث من فبراير الجارى، حيث واصلت أسعار الحديد تراجعها للأسبوع الثالث على التوالى بنسبة تصل إلى 1.1٪ ولم يرتفع إلا حديد عز بنسبة 0.9٪، وعلى عكس المتوقع شهدت أسعار كافة أصناف الأسمنت ارتفاعا وصل فى متوسطه إلى 3.8٪.
وأكد أصحاب مصانع حديد التسليح أنهم يواجهون أزمة صعبة أجبرتهم على الأستمرار فى تخفيض الأسعار رغم أنها لا تتوافق بأى حال من الأحوال مع تكلفة الإنتاج فى ظل زيادة الأعباء على المصانع المصرية من خلال ضريبة القيمة المضافة ومصروفات شحن «البيليت» والمصروفات الجمركية، فضلاً عن ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز التى تضاعفت خلال الفترة الماضية بعد تحرير سعر صرف الدولار، أوضحوا أن المصانع تتكبد خسائر كبيرة جداً خلال تلك المرحلة الحرجة بسبب ارتفاع نسب الحديد المستورد من الخارج وتحديداً من الصين وتركيا وأوكرانيا بأسعار غير تنافسية، وهى الأسباب التى دفعت المنتجين المحليين لخفض الأسعار بمعدل 4 مرات خلال شهر واحد لمواجهة زيادة معدلات الركود فى الإنتاج المحلى.
وللأسبوع الخامس على التوالى قامت «العقارية» بجولة فى سوق مواد البناء لرصد التغيرات سواء بالارتفاع أو الانخفاض فى الأسعار، حيث أكد تجار مواد البناء وجود حالة انخفاض فى أسعار الحديد خلال الأسبوع الثالث من شهر فبراير، وقد سجل متوسط أسعار الحديد بنهاية الأسبوع الماضى، تسليم مصنع، انخفاضا وصل إلى 1.1 ٪ مقارنة بالأسبوع السابق عليه، حيث انخفض سعر حديد «بشاى» 8950 جنيهًا للطن، وسعر حديد «المراكبى» ووصل إلى 8800 جنيه للطن، بينما سجل حديد المصريين 9025 جنيها للطن، وحديد العتال 9000 جنيه للطن، وحديد الوطنية 9000 جنيه للطن، وحديد الدخيلة 9100 للطن، فيما كان الارتفاع الوحيد من نصيب حديد «عز» الذى سجل 9080 جنيهًا للطن.
فى البداية أكد أحمد الزينى.. رئيس شعبة مواد البناء فى الغرفة التجارية، أن سوق مواد البناء تسوده حالة من الارتباك نتيجة الارتفاع والانخفاض فى الأسعار فى تلك الفترة، مشيرا إلى أن الأسعار التى تم إعلانها تهدف بشكل أساسى إلى القضاء على الحديد المستورد، وأن الشركات المنتجة للحديد تتعرض لخسائر كبيرة، حيث تعمل المصانع بنصف طاقتها الإنتاجية.
وأشار إلى أنه من المتوقع أن يشهد شهر فبراير استمرار انخفاض أسعار الحديد، خاصة مع انتظار انعقاد جلسة جهاز مكافحة الدعم الإغراق والوقاية التابع لوزارة الصناعة فى نهاية فبراير لمتابعة التحقيق فى الشكاوى المقدمة ضد الممارسات الضارة فى التجارة الدولية.
من جانبه توقع عبدالعزيز قاسم.. نائب رئيس الشعبة العامة لمواد البناء باتحاد الغرف التجارية، أن تنخفض أسعار الحديد مجددا خلال الأيام المقبلة بنسب منخفضة وليست بنسب كبيرة، حيث إن أصحاب المصانع وشركات الحديد والصلب ستُخفِّض أسعارها بنسب قليلة، على سبيل المثال 50 و100 جنيه فى الطن، وذلك لجس نبض السوق، مؤكدا أن استمرار حالة عدم الإقبال على شراء الحديد من الوكلاء والتجار سيضع أصحاب المصانع أمام الأمر الواقع وسيكون الانخفاض أمرا واقعا.
وأشار إلى أن انخفاض أسعار الحديد للمرة الرابعة يعود لأسباب تتعلق بالسوق العقارى، ومنها الشلل والركود الذى أصابه وسط غياب حركة البيع والشراء، منوها إلى أن أحد الأسباب الحقيقية وراء انخفاض الأسعار يرجع إلى انعدام الثقة بين التاجر والمواطن وغلاء الأسعار فأصبح المواطن فى حالة انتظار دائم، مؤكدا أن انخفاض الأسعار يصب فى مصلحة المواطن بشكل خاص والسوق العقارية بشكل عام.
بدوره أكد أحمد حبيب.. المدير التنفيذى لشركة التعمير لمواد البناء، أن انخفاض أسعار الحديد للمرة الرابعة خلال الفترة الحالية جاءت نتيجة الركود التى تشهدها الأسواق حاليا بعد الارتفاع المتواصل للأسعار، لافتا إلى أن انخفاض الأسعار تسبب فى خسائر فادحة لجميع التجار والمصانع الصغيرة.
وقال حبيب إن أسعار بيع الأسمنت شهدت تراجعًا أيضًا مع بداية شهر فبراير، حيث انخفض سعر الطن بواقع 70 جنيهًا لطن الأسمنت، ليسجل 700 جنيه للطن، ولكنه عاد للارتفاع مرة أخرى الأسبوع الماضى ولكن بنسبة قليلة لم تتعد 3.8٪، متوقعا استمرار انخفاض أسعار مواد البناء خلال شهر فبراير، خاصة أسعار الحديد، فى إطار محاولة القضاء على الاستيراد.
فيما أكد وجدى المحمدى.. صاحب شركة روان لمواد البناء، أن التجار وحدهم هم الذين يدفعون ثمن الانخفاض المتواصل نتيجه لعدة أسباب منها أن إحدى الشركات الأوكرانية الكبرى المصدرة لمصر عقدت اجتماعا للمستوردين المصريين فى القاهرة، الشهر الماضى، وأبلغتهم بنية الشركة التمدد داخل السوق المصرى وبأى سعر يتطلبه ذلك، وهو ما يشير إلى النية المبيتة لإغراق السوق المصرى بفوائض الإنتاج من الدول المصدرة الكبرى، بل إنها قامت بشحن كميات كبيرة من الحديد وتفريغها فى ميناء دمياط بدون أن يطلبها المستوردون، وذلك لبيعها لحسابها من الميناء مباشرة لمن يطلبها، وبأسعار متدنية للغاية، وهو ما يمثل تطوراً خطيراً فى الممارسات التنافسية غير العادلة لتصريف إنتاج أجنبى راكد داخل السوق المصرية على حساب الصناعة المحلية.
وأضاف أن هذا يفسر أن مصانع الحديد أعلنت عن خفض جديد للأسعار، وصل إلى 200، وللمرة الرابعة خلال شهر، وذلك تحت ضغط الواردات المستمرة والمغرقة، ليصل إجمالى الانخفاض 1300 جنيه منذ شهر، وهو ما ينتج عنه خسائر فادحة للصناعة المحلية بأسعار الخامات الحالية مع استمرار تراكم المخزون فى ظل انكماش الطلب وكساد الأسواق.
وأوضح أحمد عبدالرحمن.. صاحب شركة استيراد مواد بناء، أنه إذا استمر الوضع كما هو، فسوف تغلق المصانع أبوابها، وتخرج مصر من صناعة حديد التسليح تماماً، وتعتمد فى تلبية احتياجات السوق المحلية ومشروعات التنمية على الاستيراد الكامل، وبفاتورة استيرادية تتعدى 3 مليارات دولار سنوياً، مما يجعلها رهينة لتقلبات السوق العالمية.
وأضاف أنه عندما تبدأ السوق العالمية فى الانتعاش، ويزداد الطلب على الحديد، كما حدث فى 2008، فلن يكون هناك صناعة محلية لتجنب شح المعروض وتهدئة الأسعار، بل سيتحكم فى السوق المستوردون والشركات الأجنبية المصدرة، وسوف يواجه السوق أزمات متعددة، وتتعطل خطط التنمية.
من جهته قال أشرف صباحى.. صاحب شركة الأولى لمواد البناء، إن التغيرات السريعة التى تشهدها أسعار حديد التسليح صعوداً وهبوطاً تربك الحسابات داخل السوق المحلية، موضحا أن التخفيض المتتالى فى الأسعار يكبد الموزعين خسائر كبيرة فى ظل ارتفاع معدلات الركود، وتزايد الكميات المخزنة بالمخازن لدى التجار والموزعين، التى تم شراؤها وفقاً لأسعار تجاوزت الـ10 آلاف جنيه للطن الواحد.
فيما قال محمد عبدالرحيم.. المدير التنفيذى لشركة أركان لتجاره مواد البناء، إن تكلفة الإنتاج أصبحت عالية بالنسبة لهم، ولذلك فإن تخفيض السعر يمثل مشكلة وزيادة كبيرة فى الخسائر لا يستطيعون تحملها لذلك فالجميع فى انتظار الاجتماع مع «جهاز مكافحة الدعم والإغراق والوقاية التابع لوزارة الصناعة» لعرض كافة المشاكل عليه واتخاذ القرارات المناسبة لحلها.
وأضاف أن عددا كبيرا من المواطنين يتابع أسعار مواد البناء خلال الفترة الحالية بسبب انخفاض سعر الدولار الأمريكى فى السوق والبنوك المصرية نظرا للأهمية الكبيرة التى تلعبها الورقة الخضراء فى عمليات الاستيراد والتصدير وخصوصا فى المواد الخام، وأشار إلى أن هناك أزمة بسبب عدم فرض رسوم الحماية وضعف المبلغ المفروض على الحديد المستورد، قائلا: «إن رسوم الحماية المفروضة على الحديد المستورد حاليا قيمتها 175 جنيهًا فقط للطن، وهى غير مؤثرة، ولم تفلح فى تقليص الواردات من الحديد، لأن المبلغ ضعيف جدًّا، وكانت قيمته 400 جنيه منذ عامين، ولكن طبقا للقانون فإنه يتراجع سنويًّا، وقد وصل حاليًا لـ175 جنيها، ومن المنتظر أن ينتهى رسم الحماية فى أكتوبر المقبل».
وتابع: أن الاتجاه الذى يسير فيه المصنعون حاليًا هو فرض رسوم إغراق وليس رسوم حماية، لأن رسوم الحماية لم تفلح، ونسعى لأن تكون رسوم الإغراق 30٪ من سعر طن الحديد المستورد، وسيتم تحديد رسوم الإغراق بعد انتهاء تحقيقات الإغراق التى يجريها جهاز مكافحة الدعم والإغراق فى وزارة التجارة والصناعة.
بدوره قال جمال الطاير.. عضو مجلس إداره شركة الطاير لحديد التسليح، إن المصنعين لديهم استعداد للتنازل عن رسوم الحماية البالغة 175 جنيهًا، حال فرض رسوم إغراق على الحديد المستورد بنسبة 30٪ من قيمته، وأضاف أن الهدف من فرض رسوم الإغراق حماية الصناعة الوطنية للحديد والتى بالفعل تتكبد خسائر كبيرة جراء تضررها من استحواذ المنتج المستورد على حصة كبيرة من السوق، ووجه الاتمهم للمستوردين الذين يرفعون أسعار المنتج المستورد ويستغلون فارق السعر بينه وبين المحلى لزيادة أرباحهم، وذلك على حساب المستهلك الذى لا يستفيد من سعر المستورد المنخفض.
وعلى عكس اتجاه الحديد نحو الانخفاض والتراجع للأسبوع الثانى على التوالى اتجهت أسعار الأسمنت إلى الارتفاع بنسبة وصلت إلى 3.8٪ مقارنة بأسعار الأسبوع السابق عليه، حيث بلغ سعر أسمنت القومية 750 جنيها للطن، وأسمنت أسيوط 780 جنيها للطن، وسعر أسمنت العربية 720 جنيها للطن، والعريش 710 جنيهات للطن، وسعر السويس وحلوان 748 جنيها للطن وسعر بنى سويف 720 جنيها للطن.
وقال هانى الديب.. صاحب مستودع حديد وأسمنت، إن سعر الحديد مستمر فى التراجع ومن المتوقع أن يواصل تراجعه خلال الفترة المقبلة فى محاولة من مصنعى الحديد المحليين للتماشى مع أسعار الحديد المستورد الذى ينخفض سعره بنسبة كبيرة عن الحديد المحلى، وأضاف أن أسعار الأسمنت شهدت ارتفاعا على غير المتوقع رغم أن إنتاج الأسمنت يعتمد على خامات محلية، متوقعا أن يعود للتراجع مرة أخرى خلال الأسابيع المقبلة.
فيما أكد أحمد شندى، أن تراجع أسعار الحديد يؤثر بشكل كبير على التطوير العقارى فى مصر، إذ إنه حدث فى الفترة الماضية منذ تحرير سعر الصرف فى نوفمبر 2016 وحتى الآن تراجع كبير فى المبيعات بعد ارتفاع سعر طن الحديد من 4000 جنيه إلى 10000 جنيه للطن، وكذلك ارتفاع باقى مواد البناء بنسب كبيرة وصلت إلى 100 ٪، وهو ما انعكس على أسعار الوحدات السكنية وأدى إلى انخفاض فى حركة المبيعات، موضحا أن استقرار الأسعار بشكل كبير يؤدى إلى عودة النشاط إلى المبيعات فى السوق العقارى.