أسعار الذهب إلى أين؟


الاربعاء 11 يناير 2017 | 02:00 صباحاً

يُعتبرُ 2016 هو العام الذي تمكّن

الذهب فيه من إيقاف نزيف الأسعار الذي تعرّض له على مدار ثلاثة أعوام (بين 2013

و2015) لينهي تلك السنة عند مستوى 1151.84$ للأونصة، مرتفعاً بنسبة 8.5% منذ بداية

تلك السنة، ومحققاً بذلك أوّل زيادة سنوية منذ عام 2012، حيث بلغ السعر الوسطي

للأونصة 1247.00$ خلال

العام 2016، وهو أعلى من السعر الوسطي البالغ 1160.00$ للأونصة في 2015.

وبالرّغم من البداية القوية التي

سجّلتها أسعار الذهب مع مطلع العام 2016،

إلا أنّها تراجعت في النصف الثاني من العام ضمن تحرّكات تصحيحية بأكثر من 16% بعد

أن اختبرت مستويات 1375.00$ للأونصة – وهو الأعلى منذ مارس/آذار 2014- في بداية

يوليو/تموز من العام نفسه.

بيد أنّ الأحداث غير العادية التي

شهدها عام 2016 كان لها تأثير كبير على تحرّكات أسعار الذهب ما بين صعود وهبوط في

ظلّ سيطرة العديد من العوامل السياسية والاقتصادية على الصعيد العالمي.

لذلك فإنّ محدّدات التعامل مع الذهب خلال العام

الجديد 2017 قد تكون على النحو التالي:

سياسات “ترامب” الاقتصادية

ربما فرضت سياسات “دونالد ترامب”

الاقتصادية نفسها وبقوّة على الساحة المالية العالمية، إن لم تكن هي الحدث الأهم

والمحرك

الأساسي للأسواق في عام 2017. فالرئيس الأميركي المنتخب والمثير للجدل وعد

ببرنامج اقتصادي سخي للغاية يتضمّن إنفاق تريليون دولار أميركي تقريباً على مشاريع

البنية التحتية، فضلاً عن خفض الضرائب، وخلق 25 مليون وظيفة جديدة خلال عشرة

أعوام.

وبمعزل عن فكرة تبنّي ترامب لسياسات

تجاريّة حمائية قد تنشأ عنها حرب تجارية مع أكبر الشركاء التجاريين لأميركا مثل

الصين، إلا أنّ الأسواق تفاعلت بطريقة إيجابية للغاية مع نتائج الانتخابات

الأميركية، على اعتبار أنّ السياسات المالية التوسعّية التي ينادي بها ترامب سوف

تدعم تسارع وتيرة نمو الاقتصاد الأميركي، وشهدنا بالتالي صعوداً للدولار الأميركي

ولأسواق الأسهم الأميركية إلى مستويات قياسية، وسط حالة من التفاؤل بين المستثمرين

لدرجة أنّ هذه الانتعاشة التي شهدتها الأسواق منذ الانتخابات الأميركية بات يُطلق

عليها اسم “رالي ترامب”.

بيد أنّ المشاعر الإيجابية وحالة

التفاؤل التي تعمّ الأسواق إزاء ترامب قد تتغيّر وتغيّر معها توجّهات المستثمرين

خلال العام الجديد. فالتحرّكات الأخيرة في الأسواق جاءت بناءً على مجرّد توقعات

مستقبلية لم تتبيّن بعد إمكانية تحقّقها، بمعنى أنّ أيّ تأخير في إقرار الكونغرس

الأميركي للسياسات المالية الموعودة قد يسبّب خيبة أمل في الأسواق، وربما قد

يستفيد الذهب من هذا الشعور السلبي. حتّى أنّ بعض التقديرات تشير إلى أنّ ظهور

نتائج السياسات الموعودة على أرض الواقع إذا ما طُبِّقت قد يحتاج ما بين 9 أشهر

و18 شهراً.

وبعيداً عن الأضرار الجانبية التي قد

تنتج بسبب سياسات ترامب إلا أنّها قد تكون عاملاً رئيسياً يسهم في تحديد عوامل

أخرى لها تأثير كبير على تحرّكات الذهب مثل توجّهات البنك الاحتياطي الفدرالي

بخصوص رفع الفائدة وقيمة الدولار الأميركي.

توجّهات البنك الاحتياطي الفدرالي

شهدت أسعار الذهب سلسلة من

الارتفاعات على مدار النصف الأول من العام 2016 بلغت حوالي 23% وذلك بعد أن أنهت

أسعار

المعدن الأصفر العام 2015 على انخفاض، حيث وصلت إلى أدنى مستوى في ستة

أعوام. وهذا الأمر ربّما شجّع المستثمرين على اقتناص الفرصة لشراء الذهب عند

مستويات متدنية.

البنك الاحتياطي الفدرالي، من جانبه،

كان قد رفع معدّل الفائدة لأوّل مرّة في ديسمبر/ كانون الأوّل 2015، متوقّعاً

رفعها حوالي أربع مرّات خلال العام 2016، إلا أنّ بعض المتغيّرات التي طرأت أبطأت

من وتيرة هذا التوجّه الانكماشي للسياسة النقدية.

وكان الفدرالي قد تباطأ في التوجّه

إلى رفع الفائدة في بداية العام 2016، الأمر الذي دعم ارتفاع أسعار الذهب، التي

صعدت 17% في الربع الأول لتسجّل بذلك أفضل أداء فصلي في ثلاثة عقود، وعادة ما

تتحرّك أسعار الذهب في اتجاه معاكس لتوجّهات الفدرالي على اعتبار أنّ رفع الفائدة

سيدفع المستثمرين إلى الأصول ذات العوائد المرتفعة، في مقابل التخارج من الذهب

الذي يعدّ سلعة غير منتجة للعائد.

والمتابع لتحرّكات أسعار الذهب قد

يتذكّر كيف بدأ الذهب سلسلة من الانخفاضات السنوية منذ العام 2013 عندما بدأ

الفدرالي بمجرّد التلميح فقط إلى احتمال تخفيف سياسة التيسير الكمي.

رسم بياني يوضح العلاقة العكسية بين

تحرّكات الذهب وتوسّع السياسة النقدية للبنك الفدرالي:

لكنّ أداء الاقتصاد الأميركي سجّل

تطوّراً ملحوظاً خلال العام 2016 والذي بدأ بنمو متواضع في الربع الأول عند 0.8%

ليصل إلى 3.5% في الربع الثالث، محققاً بذلك أفضل وتيرة نمو منذ عامين، فضلاً عن

النمو المتواصل في سوق العمل وتراجع معدل البطالة إلى 4.6% (قراءة نوفمبر/تشرين

الثاني) وهو أدنى مستوى منذ تسعة أعوام تقريباً ممّا يعبّر عن وصول الاقتصاد إلى

مرحلة التوظيف الكامل.

وفي ضوء هذه التطوّرات، صدرت تلميحات من البنك

الفدرالي أو تصريحات كلامية من أعضاء البنك ورئيسته إزاء التوجّه نحو رفع معدل

الفائدة، وهو الأمر الذي كانت تتفاعل معه أسواق الذهب سلبياً. وبالفعل اتّجه البنك

الفدرالي إلى رفع معدّل الفائدة مرّة ثانية في ديسمبر/كانون الأول 2016، بعد عام

من الرفع الأوّل، والأهم من ذلك هو أنّ البنك أعرب عن توجّه أكثر انكماشاً للعام

2017، متوقّعاً رفع معدّل الفائدة حوالي ثلاث مرّات بدلاً من مرّتين كما كان

متوقعاً من قبل.

ويبقى التساؤل حول كيفيّة استيعاب الأسواق لوتيرة

رفع الفدرالي لمعدّل الفائدة مستقبلاً، ولاسيما أنّ هذا التحرّك قد تمّ تسعيره

بالفعل في الأسواق، لذا فإنّ أيّ خطواتٍ إضافية من الفدرالي لرفع الفائدة قد تنعكس

سلبياً على أسعار الذهب، والعكس صحيح إذا ما تباطأ الفدرالي في الرفع كما حدث في

العام 2016.

وكما ذكرنا سابقاً فإنّ سياسات ترامب ستكون

محدّداً رئيسيّاً لتحرّكات البنك الفدرالي خلال الفترة المقبلة والتي ربما قد تكون

أكثر انكماشاً عمّا هو متوقع وذلك بهدف احتواء تأثير التوسّع في السياسة المالية

إذا ما طبّقت بالفعل. وفي هذه الحالة، فإنّ الذهب سيتعرّض للمزيد من الضغوط

السلبية.

السياسات النقدية غير التقليدية.. إلى

أين؟

ومن البنك الفدرالي ننتقل إلى البنوك

المركزية الرئيسية الأخرى في العالم والتي ربما باتت هي أيضا تأخذ منحىً أقلّ

توسّعاً من ذي قبل. ونبدأ من البنك المركزي الأوروبي.

فبعد أن تعمّق البنك في خفض معدّل الفائدة ضمن

المناطق السالبة، وتوسّع في برنامج شراء السندات في الأشهر الأولى من العام

المنصرم 2016، يتّجه البنك الأوروبي خلال 2017 إلى تقليص قيمة برنامج شراء

السندات، ولكنّه قام في الوقت نفسه بتمديد زمن البرنامج حتّى نهاية 2017 بدلاً من

إنهائه في مارس/ آذار من العام ذاته وهو الموعود الذي كان محدّداً أصلاً لانتهاء البرنامج.

وكذلك الأمر بالنسبة للبنك المركزي الياباني الذي

اتّجه إلى إعادة هيكلة السياسية النقدية لديه بحيث يستهدف التحكّم في منحنى

العائد، ما يعني ضخّ السيولة اللازمة للسيطرة على عوائد السندات عند الضرورة فقط.

وإذا ما تنامى الشعور العام لدى المستثمرين ببدء

البنوك المركزية الرئيسية بتقليص سياساتها النقدية، فإنّ هذا الأمر قد يترك أثراً

سلبيّاً على أسعار الذهب، على اعتبار أنّ المستثمرين قد يتخارجون من أسواق الذهب ليتّجهوا

إلى أصول تدرّ عوائد مرتفعة مقارنة بالمعدن الأصفر النفيس.