بعد الأداء المرن للاقتصاد الأمريكي والبيانات الاقتصادية المعتدلة التي صدرت عن قطاع العمالة الأمريكي، بدأت التوقعات تتراجع بشأن سقوط الاقتصاد الأمريكي في الركود الاقتصادي، وبدأ البعض يرى أن سلسلة رفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي منذ مارس من العام الماضي لم تضر الاقتصاد بشكل كبير كما كان متوقع.
الآن التوقعات تشير إلى حدوث تباطؤ معتدل أو نمو أقل من المتوقع، وهو ما أثر بشكل سلبي على جاذبية الذهب للاستثمار، فالذهب يلعب دور الملاذ الآمن في فترات الركود الاقتصاد والأزمات، ولكن الأداء القوي للاقتصاد الأمريكي حتى الآن يحرم الذهب من هذا الدور.
ظهر هذا بوضوح على تراجع الإقبال على الاستثمار في صناديق الاستثمار المدعومة بالذهب والتي شهدت خلال الأشهر الماضية خروج كبير للاستثمارات بسبب الأداء القياسي لأسواق السندات الحكومية الأمريكية، وارتفاع عوائد السندات قصيرة الأجل إلى 5%.
أيضاً حقيقة أن الذهب يتداول في بيئة تشهد معدلات فائدة مرتفعة سواء في الولايات المتحدة أو المنطقة الأوروبية عند أعلى مستوياتها، يمثل ضغط سلبي على أسعار الذهب بشكل عام ويدفع الاستثمارات إلى الخروج لأسواق السندات.
أعلن صندوق SPDR أكبر صندوق استثماري مدعوم بالذهب في العالم عن تراجع إجمالي حيازاته من الذهب إلى أدنى مستوى منذ عام 2020. كما لم يتم الإبلاغ عن أي تدفقات داخلة للصندوق منذ أواخر شهر يوليو الماضي وحتى يوم الجمعة الماضية حين بدأت التدفقات في العودة بنسبة 0.3%.
تقرير مجلس الذهب العالمي الأخير أظهر خروج استثمارات بقيمة 2.3 مليار دولار لتتراجع حيازة صناديق الاستثمار من الذهب بمقدار 34 طن خلال شهر يوليو الماضي، ليمثل هذا الشهر الرابع على التوالي من خروج التدفقات النقدية خارج صناديق الاستثمار وفقاً لتقرير مجلس الذهب العالمي.
لكن بشكل عام يجد الذهب دعم آخر من ارتفاع الطلب من قبل البنوك المركزية العالمية على الذهب لزيادة وتنويع احتياطاته.
أيضاً حقيقة أن منحنى العائد على السندات الحكومية الأمريكية يظهر انخفاض غير معتاد الأمر الذي يدل على تراجع العائد على السندات طويلة الأجل مثل استحقاق 10 سنوات و20 سنة و30 سنة، مقارنة مع ارتفاع العائد على السندات ذات الاستحقاق القريب مثل 1 شهر وحتى عامين.
مثل هذا التشوه في منحنى العائد يعتبر دليل واضح على عدم ثقة المستثمرين في مستقبل الاقتصاد الأمريكي على المدى المتوسط والبعيد وتفضيلهم الاستثمارات قصيرة المدى مما يوفر لهم سرعة الهروب من السندات والتوجه لاستثمار آمن آخر وفي هذه الحالة سيحقق الذهب استفادة كبيرة من استقبال الاستثمارات الهاربة من أسواق السندات الحكومية.
أيضاً انخفاض منحنى عائد السندات الحكومية أصبح علامة متشائمة على مستقبل النمو الاقتصادي الأمريكي، بعد أن تكرر هذا المشهد قبل كل أزمة واجهت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً.