أثرت الأزمة الروسية الأوكرانية -ولا تزال- على جملة من الاقتصادات العالمية، وبالأخص في ملف الغذاء، نظرًا لكون البلدين من كبرى السلال الغذاء في العالم، واللذان يصدران الحبوب بكميات كبيرة إلى العديد من الدول بتكلفة مناسبة ووقت قياسي.
مصر و أوكرانيا
لأوكرانياً نصيب الأسد في توريد القمح لمصر، حيث تؤمّن أوكرانيا 80 % تقريباً من احتياجات مصر من القمح، باعتبارها الدولة الأقل سعراً والأقرب من حيث المسافة لاستيراد القمح، حيت تُعد مصر واحدة من أكبر المُشترين للقمح في العالم، تضررت كثيرًا بفعل هذه الأزمة خاصة بعد انسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب عبر موانئ البحر الأسود، والتي كانت حلًا مؤقتًا يضمن وصول شحنات القمح إلى مصر لتأمين غذاء شعبها الذي تخطى تعداده الـ105 ملايين نسمة.
انتقدت مصر خروج روسيا من مبادرة تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، وقالت إنها ستواصل استيراد القمح الأوكراني حتى بعد انهيار الاتفاق الذي دعمته الأمم المتحدة.
بحسب تصريحات عبدالغفار السلاموني نائب رئيس مجلس إدارة غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات فإن القمح الأوكراني يصل مصر خلال 5 أيام فقط، ويتوفر بكميات كبيرة على عكس القمح من الدول البديلة.
كل ذلك يعني أن بدائل القمح الأوكراني بالنسبة لمصر ستكون أعلى تكلفة ما ينعكس على أسعار الأغذية في الأسواق، وهو ما سيلمسه المستهلكون خلال شهر نوفمبر المقبل، وفقا لنائب رئيس مجلس إدارة غرفة صناعة الحبوب.
ويبلغ استهلاك مصر من القمح سنوياً نحو 20 مليون طن؛ وفقاً لإحصائيات سابقة لوزارة التموين والتجارة الداخلية، ويتم إنتاج نحو 9 ملايين طن محليا، فيما يصل حجم الاستيراد إلى 11 مليون طن قمح.
صفقة الإمارات
بعد انسحاب روسيا من اتفاق تصدير الحبوب، تزايدت التساؤلات حول موقف مصر من تأمين القمح الذي يعد سلعة استراتيجية ومكوّن أساسي للأمن الغذائي.
حينها قال وزير التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي في تصريحات إعلامية، إن مصر تخطط لمواصلة استيراد القمح الأوكراني عبر أوروبا، مشيرًا إلى إجراء محادثات مع الإمارات لتمويل شراء القمح، دون الإعلان عن أي تفاصيل أخرى.
وقبل أيام، كشفت وزارة التموين عن تفاصيل صفقة وقعتها مصر بقيمة 500 مليون دولار لشراء القمح من شركة الظاهرة الإماراتية.
وقال بيان إن شركة الظاهرة، وهي شركة عالمية تعمل في القطاع الزراعي مقرها أبوظبي، أبرمت اتفاق شراكة مع مكتب أبوظبي للصادرات لتزويد مصر بالقمح على مدى خمس سنوات تبدأ من 2023.
وأضاف البيان أن الاتفاق سيزود مصر "بقمح مستورد عالي الجودة، وبقيمة سنوية تبلغ 100 مليون دولار، وبقيمة إجمالية تصل إلى 500 مليون دولار.. وبأسعار تنافسية".
وذكر وزير التموين علي المصيلحي في بيان أن الشراكة "تشكل مرتكزا أساسيا لجهودنا الرامية إلى ضمان الأمن الغذائي للشعب المصري، كما أنها تتماشى مع أهدافنا الاستراتيجية وتقدم لنا الدعم في توفير حزمة متكاملة لشراء القمح عالي الجودة بتكلفة قليلة مع شروط دفع ميسرة".
لكن الوزير أشار في تصريحات، اليوم الأحد، إلى أن الاتفاق لا يزال بحاجة إلى موافقة مجلس النواب، مضيفاً أنه يتوقع أن يُصادق البرلمان عليه في نوفمبر على أن يبدأ التوريد في يناير المقبل.
وتزود الشركة الإماراتية بالفعل الحكومة بالقمح المنتج محليا عبر فرعها المصري، الذي يزرع 28 ألف هكتار (نحو 70 ألف فدان) في مصر.
بدائل أخرى
اعتمدت مصر 22 منشأ لاستيراد القمح حتى الآن، من بينها روسيا وأوكرانيا وفرنسا وبلغاريا وأمريكا والهند ورومانيا والأرجنتين وأستراليا، ولكن تكلفة الاستيراد تتفاوت بين تلك الدول ما يعني تحريك أسعار السلع الأساسية في مصر ومن أهمها الدقيق.
لكن مصر بحثت أيضًا عن بدائل تدبير العملة الصعبة لاستيراد القمح، ومنها اعتماد عملات الدول التي تستورد منها القمح في التعاملات المالية بدلاً من الدولار، حيث أجرت تفاهمات مع الصين والهند للتعامل بالروبية واليوان عند استيراد القمح، وذلك بحسب علي مصيلحي، وزير التموين المصري.
وعن جهود الدولة في تدبير احتياجاتها من القمح محليًا، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أمس، إنه رغم الجهود المبذولة من قبل الدولة لزيادة حجم الرقعة الزراعية فإن الدولة في حاجة لاستيراد سلع أساسية مثل القمح والذرة وزيت الطعام وبكميات كبيرة.
وأضاف: "حجم الاستهلاك المحلي للقمح يصل إلي 20 مليون طن في السنة الواحدة.. حتى لو تم إنتاجه نصفه.. نحتاج إلى النصف الآخر من خارج مصر.. ونستورد منه كميات كبيرة والناس تبقي شايفة ليه الأسعار زادت علينا".