«توتر الطاقة في الشرق والغرب».. أوروبا وآسيا تُصدران أزمة النفط والغاز للعالم ومصر تضع روشتة العلاج


الاثنين 13 ديسمبر 2021 | 02:00 صباحاً
ميسون أبو الحسن

- التغير

المناخي بداية أزمة الطاقة والإمداد

- مخاوف

من تحول الأزمة إلى «عالمية»

- كيف ستنعكس أسعار النفط على الدول الخليجية؟

- كيف

تتأثر مصر بأزمة الطاقة؟

«أصبح العالم قرية صغيرة»، ولم تعد المسافات

الضخمة بين الدول حاجزًا يمنع الأزمات من الانتقال بينها، وبات من المستحيل أن

تصبح أي دولة في الشرق بمنأى عن أزمة قد تقع في الغرب.

الأزمات الاقتصادية على وجه التحديد، تنتقل

بين العالم كالعدوى عبر الهواء الذي نتنفسه؛ فجعلتنا العلاقات الاقتصادية

المختلفة، نشعر وكأن العالم دولة واحدة باقتصاد متشابك، يؤثر ويتأثر ببعضه البعض، وتقيس

الدول رؤيتها المستقبلية تجاه جميع القطاعات، من خلال أوضاع الدول الأخرى.

من المؤكد أن العالم لا يكف عن تصدير الأزمات

المختلفة، خاصة الاقتصادية منها، التي تبدأ من إحدى الدول شمالًا، وتنتقل عبر أثير

الهواء في دقائق لأخرى في الجنوب، ولا تنجو واحدةً حتى لو كانت على رؤوس الجبال،

ربما أصبح ربط الاقتصاد العالمي ببعضه البعض ميزة، تساعد في دعم التنمية المستدامة،

وربما كان ضررًا كبيرًا، يتسبب في هيمنة بعض الدول على هذا الاقتصاد، ويجعلها قادرة

على التحكم في العالم بضغطة زر.

أحدث ما أنتجه العالم مؤخرًا هو أزمة الطاقة،

التي انطلقت من أوروبا، مرورًا بآسيا، وسط مخاوف من وصولها للشرق، مما سيؤثر على

أسعار السلع الاستراتيجية.

وشهد العالم تزاحمًا شاملًا بين آسيا وأوروبا

وأمريكا والشرق الأوسط؛ نظرًا للصراع القائم على شحنات الغاز الطبيعي المُسال، من

الدول المُصدرة، وعلى رأسها العربية، وأصبحت هي الأزمة الأولى في عصر الطاقة

النظيفة.

من أين بدأت الأزمة والأسباب

تُطل أزمة الطاقة على العالم من نافذة أوروبا،

والتي اندلع نتيجة لأربعة أسباب رئيسية؛ حيث تسببت التغيرات المناخية في انخفاض

توليد الطاقة في كبرى الدول المُصدرة للنفط بنسبة 40%، وهو رقم كبير يُمثل جرس

إنذار، خاصة وأن نسبة طاقة الرياح تُشكل عنصر كبير من إنتاج الطاقة والكهرباء في أوروبا،

بنسبة تزيد عن 30%.

وقل إنتاج توربينات الرياح للكهرباء، مما جعل

الغاز أكثر ضرورة، وتسبب في رفع أسعاره نحو 500% في غضون عام فقط، وما حدث هو

استهلاك كميات ضخمة جدًا من احتياطات الغاز في أوروبا، من خزانات الغاز المُسال،

وبالتالي شهدت ارتفاع في الطلب، لاستعادة هذه الاحتياطيات التي تم استهلاكها.

والسبب الثاني هو «التعافي الاقتصادي» السريع

لبعض الدول الكُبرى بعد جائحة كورونا، والتي كانت في ركود بعد عام من تراجع

استخراج الفحم والنفط والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى استنزاف الاحتياطي، بسبب سلسلة

الأعاصير التي فرضت إغلاق مصافي النفط.

ولا يُغفل السبب الثالث توتر العلاقات بين

الصين وروسيا، الذي أدى إلى وقف استيراد الفحم، وتسبب زيادة الطلب في الربع الأخير

من العام الجاري، في أكبر سحب من مخزونات المنتجات النفطية في 8 سنوات، باعتبار أن

روسيا مُصدّر كبير، والتي تشكل نحو 38% من واردات الغاز إلى أوروبا.

أما السبب الرابع، يعود إلى الوضع الوبائي

العالمي بسبب فيروس كورونا، خاصة مع ضعف الطلب خلال العام الماضي، مما أثّر بشكل مباشر

على التنقيب واستخراج الذهب الأسود، وسجّلت أسعار النفط أدنى مستوى لها، وعاشت

انهيارًا لم تشهده من قبل، وبعد انخفاض وطأة انتشار الفيروس، مازال التنقيب في

حالة ضعف، في ظل عدم جاهزية المنتجين لتقديم الإمدادات، وعودة النمو بعد ارتفاع الطلب

مرة أخرى.

وكشفت دراسة أعدتها «منظمة الدول العربية

المُصدرة للنفط OAPEC»،

بعنوان «تأثير تراجع أسعار النفط بسبب جائحة كوفيد 19 على مجال الاستكشاف والإنتاج

في الصناعة البترولية»، عن تراجع معدلات إنتاج النفط بنحو 6.6 مليون برميل يوميًا

في 2020 «أي بنسبة 6.7%» عن معدلات إنتاج عام 2019، والتي بلغت 98.5 مليون برميل

يومًا، وهو تراجع أقل مما كان متوقعًا، ما تسبب في تراجع ميزانيات الاستثمار في

الاستكشاف والإنتاج لعام 2020، مقارنة بعام 2019، فتراجعت الأسعار في ظل ارتفاع

عامل المخاطرة في عمليات الاستكشاف؛ نظرًا أن العائد المتوقع من الاكتشافات سيكون

أقل.

مخاوف من تحول الأزمة إلى «عالمية»

ارتفعت مخاوف الدول من تحول أزمة الطاقة إلى

«عالمية»، خاصة مع الرابط الاقتصادي الذي يجمعها، ومع تأثيرات ارتفاع أسعار النفط

الخام والغاز الطبيعي، الذي قد يدفع إلى رفع أسعار السلع الاستراتيجية بالدول غير

المُنتجة للمحروقات.

وتوقع محللون أن تتأثر الكثير من دول العالم،

بشكل مباشر عن طريق نقص الإمدادات، أو غير مباشر عن طريق ارتفاع الأسعار وزيادة

التضخم.

وأصدرت

وكالة الطاقة العالمية تقريرًا، كشفت فيه عن توقعاتها لسيناريوهات

مختلفة بشأن أسعار النفط في الأسواق العالمية، مؤكدة أن أسعار

الفحم والغاز غير المسبوقة، وكذلك الانقطاعات المستمرة للتيار الكهربائي، تدفع

الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، إلى التحول إلى النفط؛ وذلك لإبقاء استمرارها

وتواصل العمليات.

وتوقعت

الوكالة أن يضيف هذا الارتفاع في الأسعار إلى الضغوط التضخمية، التي قد تؤدي إلى

انخفاض النشاط الصناعي، وتباطؤ التعافي الاقتصادي للدول، خاصة بعد بدء تعافيها من

جائحة كورونا.

ووفقًا

لوكالة الطاقة الدولية، فإن التعافي الاقتصادي من الجائحة «غير مُستدام»، وشديد

الاعتماد على الوقود الأحفوري، وأن الاستثمار في الطاقة المتجددة، يحتاج لأن يزيد

لثلاثة أمثاله بحلول نهاية العقد الحالي، إذا كان العالم يأمل في مكافحة تغير

المناخ بشكل فعّال.

كيف سينعكس انتعاش

أسعار النفط على الدول الخليجية؟

توقع بنك «جولدمان ساكس» أن الانتعاش القوي في الطلب العالمي على النفط، قد

يدفع أسعار خام برنت فوق الـ90 دولار للبرميل بنهاية العالم الحالي.

كما توقع البنك الأمريكي وصول الطلب على الخام قريبًا إلى مستويات ما قبل الجائحة،

عند طاقة إنتاجية 100 مليون برميل يوميًا، مع تعافي الاستهلاك في آسيا، بعد موجة السلالة

المتحورة «دلتا»، على أن يؤدي التحول من الغاز إلى النفط، إلى إضافة ما لا يقل عن مليون

برميل يوميًا إلى الطلب.

هذه النظرة الإيجابية التي تُخيم على التوقعات، ستنعكس بدورها على اقتصادات

دول الخليج الغنية بالنفط، ولكن هل تكون تداعيات ارتفاع أسعار النفط إيجابية على اقتصادات

الدول الخليجية؟

يُسهم النفط والغاز بأكثر من 20% من إجمالي الناتج المحلي، وما لا يقل عن

50% من الإيرادات الحكومية لمعظم دول الخليج، وبالتالي أن ارتفاع الأسعار يعني مزيدًا

من التدفقات إلى ميزانية هذه الدول، التي تعاني بالفعل من عجز.

ووفقًا لوكالة «فيتش للتصنيف الائتماني»، فإن ميزانيات دول مجلس التعاون الخليجي

-باستثنار البحرين- ستتنقل إلى تسجيل فائض في حال بلغ متوسط أسعار النفط 75 دولار للبرميل

في عام 2022، وعند السعر الحالي البالغ 85 دولار للبرميل، ستكون ميزانية البحرين قريبًا

من تحقيق معدل التوازن.

ولكن هذا الارتفاع في أسعار النفط والطاقة بشكل عام، قد لا يكون إيجابيًا لاقتصادات

المنطقة على المدى الطويل؛ فإن استمرار الارتفاعات في أسعار الطاقة لفترة تتجاوز عام،

أو تحليق أسعار النفط في مستوى فوق 100 دولار للبرميل، تقرع أجراس الإنذار، بأن الاقتصاد

يسير في اتجاه الركود، وبالتالي يخلق أزمة في العرض والطلب، ما قد يُعرض أسعار النفط

في تراجعات ينعكس صداها على اقتصادات الدول الخليجيبة.

كيف تتأثر مصر بأزمة الطاقة؟

ليست مصر بمنأى عن الأزمة؛ حيث أعلنت لجنة

التسعير التلقائي المعنية بمتابعة وتنفيذ آليات تطبيق التسعير التلقائي للمنتجات

البترولية بوزارة البترول، عن رفع أسعار البنزين والغاز الطبيعي في مصر مؤخرًا،

متأثرة بارتفاع أسعار النفط العالمية «خام برنت»، والتي وصلت إلى أعلى مستوياتها

منذ سنوات، ومن المتوقع ألا تكون هذه الارتفاعات هي الأخيرة.

وقد تتأثر مصر بهذه الأزمة بشكل مباشر، عن طريق رفع أسعار المواد المُستوردة

من أوروبا وآسيا؛ حيث كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عن تصدّر الصين

قائمة واردات مصر، واستحوذت على نحو 15% من إجمالي الواردات المصرية

خلال العام الماضي، كما أنها ارتفعت خلال العام الحالي بنسبة 0.9% لتصل قيمة الواردات

المصرية من الصين إلى نحو 11.7 مليار دولار في 2019 مقابل نحو 11.6 مليار دولار خلال

العام قبل الماضي.

كما يُعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الرئيسي لمصر؛

حيث أن ما يزيد على 30 % من الصادرات المصرية يتجه إلى الـ27 دولة الأعضاء، وعلى

رأسها المنتجات الصناعية والزراعية المختلفة.

هل تستفيد مصر من الأزمة؟

ليس كل ما يتعلق بالأزمة سيئًا؛ فـ«مصائب قومٍ

عند قومٍ آخر فوائده»، على صعيد هذا المثل، قد تعود أزمة الطاقة في أوروبا ببعض

النفع على مصر وليس الضرر فقط، وذلك على خلاف الكثير من الدول؛ فقد تكون هذه

الأزمة سببًا في رفع أسعار الغاز الطبيعي المُصدر إلى مستويات غير مسبوقة؛ خاصة

وأن مستوردي الغاز الطبيعي المُسال في آسيا، يدفعون أسعارًا قياسية، بهدف تأمين

الإمدادات، خوفًا على انقطاع الخدمات وتأثر السلع، وسط ارتفاع أعداد سُكانها، مما

يُشكل رعبًا حقيقيًا لها.

ومن المتوقع أيضًا أن تدفع هذه الأزمة، كمية الصادرات

المصرية من الغاز إلى أوروبا، خاصة مع ارتفاع ضغط الطلب على روسيا، مما قد يجعلها

غير قادرة على توفير الإمدادات الكافية، وتتجه البوصلة بشكل أكبر إلى مصر.

وتُعتبر ميزة أيضًا أن ترتفع الأسعار مع

اقتراب موسم الشتاء، والذي يكون عادةً موسم فائض في مصر من الغاز الطبيعي، مما

يعني أن أسعار وعائدات تصدير الغاز المُسال المصري ستتضاعف بشكل كبير، خاصة وأن

مصر حاليًا تبيع شحناتها في سوق «Spot market»

المعاملات الفورية، وليس عن طريق العقود الآجلة، وهي سوق مالية عمومية، يتم فيها

تداول الأصول وتسلمها في الحال، أي أنها السوق التي يمكن من خلالها تسوية

المعاملات وتسلم وتسليم الأوراق المالية خلال فترة زمنية قصيرة، لا تزيد عادةً عن

اليومين.

وعادت مصر مؤخرًا لتصدير الغاز الطبيعي

المُسال إلى أوروبا، وأرسلت أول شُحنة في مارس الماضي، وذلك بعد توقف دام نحو 8

سنوات بسبب مشكلات حول تشغيل المصنع؛ حيث تعتمد مصر على محطتي إسالة الغاز في

«دمياط» و«إدكو»، لمد أوروبا بالغاز المُسال.

وتأتي هذه الأزمة في أعقاب طموحات مصر بأن

تصبح مركزًا إقليميًا ودوليًا لإنتاج وتصدير الغاز الطيعي، وذلك عبر الحقول

المُكتشفة حديثًا، وعلى رأسها حقل «ظُهر» العملاق، في إطار توجيهات القيادة

السياسية.

ووفقًا لتقرير «منظمة الدول العربية المُصدرة للنفط OAPEC»، فإن مصر أسرع

الدول العربية نموًا في تصدير الغاز الطبيعي المُسال؛ إذ صدّرت نحو 1.4 مليون طن

غاز مُسال في الربع الثاني من العام الجاري 2021، كاشفًا عن توقعات بأن تصبح مصر

لاعبًا أساسيًا، ومنافسًا بارزًا في سوق الغاز الطبيعي المُسال في العالم.

كما كشفت أحدث تقارير الجهاز المركزي للتعبئة

العامة والإحصاء، عن صادرات مصر من الغاز الطبيعي، والتي قفزت نحو 3 أضعاف قيمتها

خلال الربع الأول من العام الجاري، لتحقق 564 مليون دولار.

وما يجعل مصر أيضًا مُصدّرًا رئيسيًا للغاز

الطبيعي لدول أوروبا المتعطشة للنفط، هو أن احتياطاتها بلغت نحو 2.186 تريليون متر

مكعب، أي ما يعادل 77.2 تريليون قدم مكعب.

روشتة علاج ودور مصر

الطاقات المتجددة نظيفة، ولكن أصبح واضحًا أن

التغيرات المناخية من الممكن أن يكون لها تأثيرًا في بعض الدول القادرة على تصدير

الأزمة للعالم بأكمله، مما يستلزم وجود تطوير في تكنولوجيات التخزين لتكون طويلة

الأمد، باعتبار أن ما حدث في أوروبا يُعد أحد الدروس، الذي يجعلنا أكثر اهتمامًا،

وفي ظل أن الاحتباس الحراري يقترب بشكل خطير من الخروج عن نطاق السيطرة، واليوم

يؤثر على الطاقة، وغدًا سيصبح تأثيره على العالم في كافة القطاعات.

وأعلنت

الولايات المتحدة الأمريكية، اختيار مصر لاستضافة قمة المناخ في نسختها الـ27

العام المقبل «COP 27»، وأعرب الرئيس عبدالفتاح السيسي، عن رغبة مصر في استضافة القمة

المناخية في نسختها العام المقبل2022؛ باعتبار أن مصر دائمًا سبّاقة بتقديم

الحلول للعالم على كافة الأصعدة.