انطلقت فعاليات ملتقى «مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب» الذي تنظـمه جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية في مدينة شـرم الشـيخ المصرية بالتعاون مع اتحاد المصارف العربية، ومركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، والبنك المركزي المصري، لمدة ثلاثة أيام بمشاركة 350 من خبراء المصارف من 21 دولة.
وسلط الملتقى الضوء على أهمية التعاون بين الأجهزة الأمنية والهيئات القضائية والقطاع المصرفي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والمخاطر التي تواجهها المجتمعات العربية جراء الجرائم المالية وأثرها على الاستقرار الاقتصادي والمالي كما يناقش أفضل السبل لزيادة فعالية مكافحتها خاصة في ضوء الابتكارات والتقنيات المالية الحديثة وتسارعها.
ملتقى «مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب» يهدف لتحقيق التوازن في
القطاع المالي والمصرفي
ويهدف إلى تحقيق التوازن بين تطوير الابتكارات في القطاع المالي والمصرفي وتعزيز الامتثال للتشريعات والضوابط وضمان حماية البيانات في المصارف والأمن السيبراني وتعزيز فهم المؤسسات المالية والجهات المعنية بشأن أفضل الممارسات لتصل إلى المستفيد الحقيقي من التعامل معها ومناقشة سبل إجراء تقييم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ودمج نتائجه في السياسات الوطنية والقيام بأفضل الممارسات في التحقيقات المالية الموازية ، وكيفية الاستفادة منها في قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
في البداية أكد جمال نجم، نائب محافظ البنك المركزي، على أن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تعتبر من أهم الموضوعات التي حصدت اهتماماً عالمياً ودوليا وحرصت العديد من الدول على تطبيق التدابير اللازمة لحماية القطاع المالي والمصرفي من مخاطر الجرائم المالية، لما لتلك المخاطر من تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية. وقد حرصت السلطات الرقابية لاسيما البنوك المركزية على الاهتمام بمتابعة وتطبيق أحدث الممارسات ذات الصلة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لما لها من تأثير ايجابي على الاستقرار المالي والمصرفي للدول.
وأضاف أنه في هذا الصدد، يتناول المؤتمر عدد من القضايا الهامة التي تتعلق بموضوع مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ولعل من أهمها حماية النظام المالي من الأنشطة غير المشروعة من خلال تعزيز أطر الوقاية والرقابة على الصعيدين المحلي والدولي وذلك كله في إطار التوصيات والمعايير الدولية الصادرة عن مجموعة العمل المالي الدولي (FATF)، وسوف يتم خلال المؤتمر مناقشة عدد من الموضوعات ذات الأهمية الدولية.
إنشاء إدارتين متخصصتين بقطاع الرقابة والإشراف على البنوك بالبنك المركزي
المصري
وأشار إلى إنشاء إدارتين متخصصتين بقطاع الرقابة والإشراف على البنوك بالبنك المركزي المصري وذلك في إطار الرقابة على البنوك في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب واخري لمتابعة عمليات الاحتيال.
وأوضح أن اعمال المؤتمر تتضمن دراسة العديد من الموضوعات وتشمل، التركيز على أهمية التقييم الوطني للمخاطر، من الضروري ان تقوم الدول بكافة القطاعات المعنية بالمشاركة في التقييم الوطني للمخاطر وذلك للوقوف على أوجه المخاطر على مستوي الدولة ككل، مما يعزز قدرة الدولة علي فهم بيئة المخاطر والعمل على تلافيها. أما على المستوي القطاعي فيجب على السلطات الرقابية بشكل دوري اجراء التقييم القطاعي للمخاطر مما يسمح بتكوين فهم واضح للمخاطر التي تواجه المؤسسات الخاضعة لرقابتها وتعزز قدرة السلطة الرقابية للاستجابة لتلك المخاطر بشكل فعال.
وشدد على أهمية إرساء مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص لمواجهة التحديات الناجمة عن التزايد والتنوع في الجرائم المالية، في هذ النطاق يجب ان نتطرق الي إنجازات القطاع المصرفي في هذا المجال حيث شهدت الصناعة المصرفية مستوى غير مسبوق من الاستثمار في كل من الأفراد والأنظمة التكنولوجية في مجال مكافحة الجرائم المالية، ولكن يظل هناك العديد من سبل التعاون بين القطاعين العام والخاص من خلال تطوير الاليات اللازمة لتفعيل عمليات تبادل المعلومات والخبرات بين كافة الأطراف المعنية لتعزيز جهود التصدي للجرائم المالية. ولا يجب ان نغفل في هذا الصدد ان نستعرض أهمية دور وظيفة الالتزام بالقطاع المصرفي وأهمية دعم العمل المصرفي بالكوادر اللازمة لمراقبة وتقييم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالإضافة إلى دراسة مدى كفاية وفعالية الإجراءات المطبقة للحد من المخاطر.
وأضاف إنه من الضروري ان تقوم المؤسسات المالية بتطبيق برامج التزام تشمل كافة التدابير الوقائية والضوابط اللازمة للتأكد من عدم استغلالها في تيسير الجرائم المالية. مع أهمية ان تقوم المؤسسات المالية بتحديد المخاطر الكامنة وتقييم جودة الإجراءات والتدابير الوقائية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المطبقة بالمؤسسة والتي تشمل وضع هيكل السياسات والإجراءات، وضع الأسس اللازمة لتطبيقات العناية الواجبة واليات التعرف على المستفيد الحقيقي، تطوير الأنظمة التكنولوجية بالإضافة الي تطبيق المنهج القائم على المخاطر لتعزيز الاستفادة من موارد المؤسسة بشكل فعال. ومن الضروري ان تقوم البنوك المركزية وفقا للاستراتيجية الرقابية المطبقة بتوظيف الأدوات الرقابية المختلفة للتأكد من فهم المؤسسات المالية لبيئة المخاطر ومن وفاعلية التدابير الوقائية المطبقة.
وتابع إن التطور التكنولوجي أثر على طبيعة الجرائم المالية، حيث يشهد القطاع المالي العالمي تطور واسع وسريع نحو التكنولوجية المالية والتحول نحو وسائل الدفع الرقمية التي غيرت بدورها طبيعة وسرعة تنفيذ المعاملات المالية بشكل غير مسبوق، حيث ساهم التطور في مجال الاتصالات في تغير طبيعة المنتجات والخدمات المصرفية والي الوصول لأكبر شريحة من العملاء.
فقد ارتبط التطور في مجال التكنولوجيا المالية مع مخاطر كبيرة حيث يستخدم المجرمون التطورات في التكنولوجيا لتطوير اساليب الجرائم المالية اذ تعتمد تلك الأساليب على تكنولوجيا عالية التطور مما يجعل اكتشاف تلك الأنماط معقد نسبيا، على سبيل المثال عمليات إخفاء الهوية للمعاملات عبر شبكات الاتصال ، الهجمات السيبرانية، واستغلال ضعف الوعي المصرفي لدي بعض العملاء لطلب بيانات الحساب او الأرقام السرية. وتأتي مسئولية الجهات الرقابية المعنية في العمل على مراجعة الهيكل التشريعي والقانوني لمواكبة تلك التطورات بشكل مستمر بما يتناسب مع طبيعة تلك المعاملات والمخاطر المرتبطة بها ووضع الضوابط التي تمنع استخدام التكنولوجية المالية في الجرائم المالية والتأكد من تفعيل المؤسسات المالية للتدابير اللازمة قبل إطلاق تلك الخدمات والمنتجات وبشكل مستمر.
وأكد على تطبيق المنهج الرقابي القائم على المخاطر من خلال توجيه الموارد الرقابية حيث تتركز المخاطر بشكل أكبر الي جانب تطبيق البيئة التكنولوجية اللازمة في المؤسسات المالية باستخدام (RegTech) أو من خلال السلطات الرقابية (SupTech)، وهي أنظمة تتيح أدوات تحليلية أكثر تتطورا وقدرة على حفظ البيانات. ويتم الاعتماد على هذه الاليات لإتاحة قنوات اتصال فعالة وامنة مع المؤسسات المالية.
وأشار إلى ضرورة دراسة تداعيات العقوبات المالية المستهدفة وبالأخص الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، وتأتي أهمية متابعة تلك التطورات ودراسة أثر تطبيقها على رأس جدول اعمال القطاع المالي والمصرفي العالمي. كما أظهرت تلك الاحداث أهمية دعم الأنظمة المالية والمصرفية بالبنية التكنولوجية لرصد أوجه المخاطر بشكل فوري وفعال. ومن الضروري ان تتبني كافة الجهات استراتيجية تهدف الي التوسع في البنية التكنولوجية لدعم اعمال الالتزام وللوصول لنتائج أكثر دقة وفاعلية .
وقال إن العديد من المنظمات الدولية تقوم بدعم تطبيقات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وعلى رأسها مجموعة العمل المالي FATF والتي تعمل على سن المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، كما تقوم بتقييم مدى التزام الدول بتلك المعايير وبالتوصيات الصادرة عن المجموعة. في سياق ما تقدم، أود أن أنوه عن أنه سبق وأن خضعت جمهورية مصر العربية للتقييم المتبادل من قبل مجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال افريقيا (MENAFATF) بين عامي 2020 و 2021، ولعل من أهم مخرجات التقرير الاشتراك الفعال للقطاعات المعنية في اعداد التقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومتابعة تحديثه، ووضع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وكذا تدعيم اطر التعاون الدولي من خلال التعاون مع الجهات الأجنبية النظيرة.
وفي هذا السياق، أود أن أُشيد بالجهود المستمرة المبذولة من قبل جميع الجهات المعنية وعلى رأسها وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب للوصول إلى النتائج المرجوة بالتقييم.
وتابع : "لم يأتي ما سبق من فراغ، حيث تم تهيئة البيئة التشريعية والقانونية الأمر الذي يتضح من خلال إجراء التعديلات التشريعية اللازمة على مستوى الدولة، لتشمل تعديل قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ولائحته التنفيذية عدة مرات لمواكبة المعايير الدولية والتغييرات الحديثة وخاصة استخدام التكنولوجيا المالية الحديثة، فضلاً عن تحديث إجراءات العناية الواجبة تطبيقاً للمنهج القائم على المخاطر.
كما قام البنك المركزي المصري بتعديل قانونه في عام 2020 ليكون السلطة الرقابية ليس فقط على القطاع المصرفي ولكن ايضاً على عدد من المؤسسات المالية المستحدثة بالقطاع المالي لضمان وضع الأطر الرقابية والاشرافية السليمة على تلك المؤسسات (على سبيل المثال: مقدمي خدمات الدفع) للحفاظ على الاستقرار المصرفي نظرا لارتباط أنشطة تلك المؤسسات ارتباطاً وثيقاً بالعمل المصرفي، كما تم تخصيص فصل بالكامل بالقانون المذكور ليتناول استخدام التكنولوجيا المالية الحديثة بما يشمل تنظيم العمل بالعملات المشفرة والرقمية.
وأكد على أن حماية نزاهة الاستقرار المصرفي تتطلب جهود مشتركة بين كافة قطاعات الدولة لتبادل المعلومات المالية والرقابية وان يتم تعزيز الاليات التي تمكن الجهات الرقابية وكافة الجهات المعنية بالتنسيق وتبادل المعلومات من اجل تعزيز جهود مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأشدد على ضرورة الالتزام التام بالمعايير الدولية، والمضي قدماً نحو تعزيز أطر مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتعزيز فعاليتها.
أحمد سعيد خليل: استضافة مصر لهذا الملتقى تأتي استجابةً للتطور المستمر
بينما أكد المستشار أحمد سعيد خليل، رئيس مجلس أمناء وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إن استضافة مصر لهذا الملتقى تأتي استجابةً للتطور المستمر للآليات المتبعة لارتكاب جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي من شأنها تهديد سلامة واستقرار النظام المالي للدول، وما لذلك من تأثيرات سلبية على اقتصاداتها، حيث يُقدر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة حجم المتحصلات الإجرامية التي يتم غسلها عالميًا في العام الواحد بنحو 2 تريليون دولار، وهو ما يمثل أكثر من عشرة أضعاف حجم المساعدات الإنمائية المتلقاة على مستوى العالم وفقًا للإحصائيات الصادرة عن البنك الدولي خلال عام 2020، وتدرك مصر أن مواجهة مثل تلك الجرائم ليست بالأمر اليسير، وإنما يتطلب التصدي لها التعاون المكثف، وبذل الجهد الدؤوب على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي.
وأضاف أنه مع تعقيد الوسائل التي يتبعها المجرمون لتنفيذ مخططاتهم الإجرامية، باتت عملية مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب من الموضوعات الهامة والمعقدة على مستوى العالم؛ لذلك تحرص جمهورية مصر العربية بشكل مستمر على اتخاذ كافة الإجراءات لمواجهة تلك الجرائم، بما يواكب المستجدات في المعايير الدولية وأفضل الممارسات الدولية في تطبيق تلك المعايير؛ وسيتم إلقاء الضوء على أبرز الجهود المبذولة من قبل جمهورية مصر العربية في هذا الشأن.
وأوضح أن المعايير الدولية الصادرة عن مجموعة العمل المالي FATF ، نصت على ضرورة التنسيق والتعاون على المستوى الوطني، وتعزيز الشراكات بين القطاع العام والخاص والمجتمع المدني، وذلك بهدف تحديد وفهم مخاطر مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وكذلك تبادل المعلومات والخبرات فيما بينهم؛ مما يسهم بشكل كبير في مواجهة الجرائم المالية.
وقال إنه «في ضوء ذلك قامت جمهورية مصر العربية بإنشاء مجموعة من اللجان لضمان التواصل المستمر بين كافة الأطراف الفاعلة في عملية المكافحة ومنها اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ولجنة السلطات الرقابية على أصحاب المهن والأعمال غير المالية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب؛ كما نص قانون مكافحة غسل الأموال على أن يتم تعيين مسئول التزام بالمؤسسات المالية وأصحاب المهن والأعمال غير المالية للتواصل معه مباشرة من قبل الجهات الوطنية المعنية».
إلى جانب ذلك، أكدت المعايير الدولية على ضرورة وجود فهم واضح وموحد لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب لدى مؤسسات الدولة المختلفة؛ وفي هذا الصدد قامت مصر من خلال التنسيق والتعاون بين كافة الأطراف المعنية بوضع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بمرحلتيها الأولى والثانية، وإجراء التقييم الوطني للمخاطر للوقوف على أكثر القطاعات استغلالًا للقيام بتلك الجرائم ومصادر تمويلها والوسائل المستخدمة في تنفيذها، ويتم مشاركة نتائج التقييم الوطني للمخاطر وتعميمها، ذلك أن عدم وجود مستوى جيد من فهم المخاطر يؤدي إلى إهدار الموارد للقطاعات مرتفعة المخاطر، ومن ثم يتم ترك ثغرات تمكن المجرمين من النفاذ للقطاعات الأكثر ضعفًا لتنفيذ عملياتهم.
وأضاف «لقد أثر التطور الهائل الذي شهده العالم في السنوات القليلة الماضية في مجال تكنولوجيا المعلومات بشكل كبير على شتى المجالات، ومن بين آثار هذا التطور ابتكار العملات الافتراضية التي تهدف إلى تمكين مستخدميها من سداد التزاماتهم إلكترونيًا ونقل الأموال إلى أي مكان في العالم دون الحاجة إلى وسيط يتولى عمليات تحويل الأموال ودون أن تخضع هذه التحويلات لرقابة أي جهة، مع صعوبة تعقب العمليات، مما قد يساهم في استغلالها في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، الأمر الذي يستلزم جهودًا كبيرة للتعامل مع تلك الظاهرة، وبناءً عليه، قامت جمهورية مصر العربية بوضع الإطار التشريعي لتنظيم التعامل في العملات الافتراضية بعد إجراء البحوث والدراسات اللازمة في هذا الشأن، ذلك أنه بموجب التشريعات المصرية يحظر إصدار العملات المشفرة أو الاتجار فيها أو الترويج لها أو تنفيذ الأنشطة المتعلقة بها دون الحصول على ترخيص من الجهة المختصة».
وأكد على ضرورة أن تتضمن نظم مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب التدابير الوقائية التي يتعين على المؤسسات المالية وغيرها من الأعمال والمهن غير المالية مثل المحامين والمحاسبين، والتي تمثل خط الدفاع الأول ضد جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تنفيذها؛ وتشتمل تلك التدابير على إجراء التقييم الذاتي للمخاطر، ووضع السياسات الداخلية للمكافحة، وتطبيق العقوبات المالية المستهدفة، واتخاذ إجراءات العناية الواجبة بما يشمل الإجراءات الكافية للتعرف على المستفيد الحقيقي، ذلك أن معرفة المستفيد الحقيقي والتحقق منه من الأمور المهمة التي تركز عليها مجموعة العمل المالي، حيث يلجأ العديد من المجرمين إلى إخفاء هوياتهم واستخدام أشخاص آخرين شرعيين كواجهة لأعمالهم، سواء على مستوى التعاملات الفردية أو التجارية، ويؤدي عدم التعرف على المستفيدين الحقيقيين من المجرمين إلى استمرار أعمالهم الإجرامية وغسل متحصلاتها.
وعلى صعيد آخر، أشارت المعايير الدولية إلى ضرورة تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالإرهاب وتمويله وتمويل انتشار التسلح، وركزت على ضرورة قيام كل شخص طبيعي واعتباري بتطبيق العقوبات المالية المستهدفة دون تأخير، مع تحديد الجزاءات في حالة عدم التطبيق.
وفي ضوء عضوية مصر في منظمة الأمم المتحدة واستجابة للمعايير الدولية في هذا الشأن قامت مصر بوضع الآليات اللازمة لتطبيق العقوبات المالية المستهدفة، وتشمل تلك الآليات الإجراءات المتعلقة بتجميد الأموال والأصول الخاصة بالأسماء المدرجة على قوائم جزاءات مجلس الأمن، وإجراءات رفع التجميد، وكيفية رفع الأسماء من القوائم، والوسائل التي يمكن من خلالها تقديم طلب للحصول على نفقات أساسية واستثنائية من الأموال والأصول المجمدة، كما تم إجراء تعديل تشريعي لتحديد الجزاءات الموقعة على كل من يخالف الالتزامات الواردة بالآليات المشار إليها.
وأشار تقرير التقييم المتبادل لجمهورية مصر العربية، والمؤرخ مايو 2021، إلى أنه لدى مصر فهم جيد لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي تتعرض لها، كما تبنت مصر استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب وتمويله تتميز بالمرونة وفقًا للمستجدات الدولية والمحلية التي تطرأ على تلك الظاهرة، كذلك أشاد التقرير بتعاون جمهورية مصر العربية مع الدول الأخرى، ووصفه بالتعاون الفعال مع مختلف دول العالم؛ إلى جانب ذلك، أشار التقرير إلى تبني مصر آليات فعالة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالإرهاب وتمويله وتمويل انتشار التسلح؛ كما أكد على تمتع الوحدة المصرية بقدرة كبيرة على الوصول المباشر وغير المباشر إلى شريحة واسعة من المعلومات المالية والاستخباراتية وغيرها من المعلومات ذات الصلة أثناء النظر في قضايا غسل الأموال والجرائم الأصلية المرتبطة بها وتمويل الإرهاب.
وسام حسن فتــّوح : إتحاد المصارف العربية يعمل منذ سنوات على تنسيق الجهود
بين القطاعين العام والخاص
بينما أكد الدكتور وسام حسن فتــّوح، الأمين العام لإتحاد المصارف العربية، على أن الاتحاد، يعمل منذ سنوات طويلة، على تنسيق الجهود العربية، بين القطاعين العام والخاص، وخاصةً بين المصارف والمؤسسات المالية العربية، والمؤسسات القضائية والامنية، بهدف حماية القطاع المالي، والاقتصاد والمجتمع العربي، من مخاطر تسرب الاموال القذرة.
وأوضح أن اتحاد المصارف العربية يحرص دائماً على إعطاء الاهمية القصوى لموضوع الامتثال للقوانين والقواعد والتشريعات الدولية، خاصة قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ولا يزال إتحاد المصارف العربية يولي هذا الموضوع أهميّة بالغة، في متابعة التطورات في مجال مكافحة الجرائم المالية، والتعرّف على القواعد والقوانين الدولية الجديدة خاصةً في قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
محمد الأتربي: المصارف هي الأكثر إستهدافاً لتنفيذ الجرائم المالية
بينما أكد محمد محمود الأتربي رئيس مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية، على أن عملية مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أصبحت من المسائل المهمة والمتشابكة حول العالم، حيث يسخر مرتكبو الجريمة المنظمة والأعمال المالية غير المشروعة كل قدراتهم بهدف الولوج إلى النظام المصرفي للدول، ما أدى إلى أن النظم المصرفية أصبحت أحد أهم مساحات الحرب على غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأضاف أن هذه الجرائم تعد من أخطر الجرائم المالية ذات الإنعكاسات الخطيرة على الإقتصاد والمجتمع لكونها العامل المشترك لمعظم الجرائم والأعمال غير المشروعة.
وتابع : «أمام هذا الواقع، لا تزال المؤسسات المالية والمصارف الأكثر إستهدافاً لمرتكبي الجرائم المالية، وعلى رأسهم غاسلي الأموال الذين يسعون دوماً وبشكل حثيث إلى إجراء سلسلة من العمليات المصرفية البسيطة أو المركبة بهدف إخفاء مصدر المال القذر، ودمجه بالمال النظيف المشروع لإعطائه صفة المشروعية، مع الإشارة إلى أن الخدمات والمنتجات المصرفية التي تتطوّر وتنشعب وتتعقد بإستمرار، قد تتيح المزيد من الفرص لمرتكبي الجرائم المالية والجريمة المنظمة والأعمال المالية غير المشروعة الذين يسخّرون كل طاقاتهم للتمكّن من الولوج إلى النظم المصرفية للدول».
وأشار إلى أن المصارف هي الأكثر إستهدافاً لتنفيذ الجرائم المالية، ولكن هي في الوقت نفسه الوسيلة والأداة الرئيسية، وخط الدفاع الأوّل لمكافحة هذه الجرائم، شرط أن تمتلك المصارف الموارد والخبرة والمعرفة الكافية والعميقة بالآليات والقنوات والسبل التي يمكن إستغلالها، أو يمكن أن تتيح تنفيذ عمليات غسل الأموال، وكذلك إدراك أنّ هذه الآليات والقنوات ليست بسيطة وثابتة، بل متغيّرة ومعقّدة في الغالب، يبتكرها ويطوّرها مجرمون ذوو خبرة ومعرفة مالية ومصرفية عالية، يحتاج كشفها ومكافحتها إلى خبرات بالمستوى نفسه أو أفضل.
وتابع: نظراً لخطورة هذه الجرائم على قطاعنا المصرفي، يولي إتحاد المصارف العربية موضوع مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب أهميّة بالغة، حيث يُخصّص حيّزاً مهماً من نشاطاته للإضاءة على هذه الآفة الخطيرة، ويقوم في إطار التعاون القائم بينه وبين المؤسسات الإقليمية والدولية المعنية، بعقد المنتديات والمؤتمرات والملتقيات، على غرار الملتقى الذي نفتتح أعماله اليوم، والهدف الرئيسي من هذه النشاطات والفعاليات هو تبيان التطوّرات في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ووضع الأسس الكفيلة بحماية نظامنا المالي وقطاعنا المصرفي العربي.
وأكد على إنّ إتحاد بنوك مصر يقوم بدور رائد في نشر الوعي المصرفي حول سبل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويحرص على حثّ البنوك الأعضاء على الإلتزام بمبادئ مكافحة غسل الأموال التي إشتملت عليها التوصيات التي وضعتها مجموعة العمل المالي الدولي FATF.
وقال إنّ البنوك المصرية ملتزمة إلتزاماً كاملاً بتطبيق أحكام القوانين والقرارات التي توافق عليها السلطات المسؤولة في الدولة، وتلتزم بمعايير مجموعة العمل المالي (فاتف) التي تهدف إلى تعزيز الثقة بنزاهة وسلامة القطاع المالي والمصرفي، ومنع توفير الموارد للإرهابيين، وتضييق الخناق على الأشخاص والكيانات الإجرامية لمنعهم من الإستفادة من نشاطاتهم غير المشروعة، من أجل الحفاظ على سلامة وأمان القطاع المصرفي، ونؤكّد الإستمرار في بذل المزيد من الجهود لمواجهة جرائم غسل الأموال والمساهمة في مكافحة تمويل الإرهاب.
وأضاف أنه مع ما تشهده الساحة المصرفية في إعتماد متزايد على التحوّل الرقمي وتنامي وتيرة التوجّه العالمي لرقمنة الخدمات المالية، فقد إتسع مفهوم الجرائم المالية ليشمل الجرائم السيبرانية وتداعياتها الخطيرة التي تستهدف الوصول إلى مراكز المعلومات وإختراق خصوصيتها وإنتهاك سريّتها بما يمثل تهديداً مباشراً للإستقرار المالي، حيث أصبح النظام المالي هدفاً يرصده القراصنة لزعزعة ثقة المستخدمين بأمن وسلامة عملياتهم المالية المنفذة إلكترونياً من خلال الهجمات السيبرانية، حيث تعد أدوات القرصنة اليوم أقل تكلفة وأكثر سهولة وأقوى تأثيراً، مما يتيح للقراصنة نموذجاً مثالياً لإلحاق الضرر بضحاياهم مع إتساع شريحة المستخدمين للخدمات المالية والتطبيقات الإلكترونية المتاحة عبر المنصات وأجهزة الهاتف المحمول، وكما تعلمون، فإنه نظراً لقوة الروابط المالية والتكنولوجيا المتبادلة، فإنّ أية هجمة ناجحة على مؤسسة مالية كبرى، أو نظام أساسي، او خدمة يستخدمها الكثيرون، يمكن أن تنتشر تداعياتها سريعاً في النظام المالي بأسره مما يؤدّي إلى إضطراب واسع الإنتشار، ويتسبب بفقدان الثقة.