أفادت دراسة نُشرت، الشهر الماضي، في دورية "Proceedings of the National Academy of Sciences"، أن باحثون بقيادة الجغرافي هادر شيشة، من جامعة إيكس مرسيليا في فرنسا، قد توصلوا إلى أن بناة الأهرامات استفادوا على الأرجح من ذراع النهر "البائد الآن"، لنقل مواد البناء.
لغز بناء أهرامات الجيزة
استعان الباحثون، بأدلة من علم البيئة القديمة، للمساعدة في إعادة بناء ما كان يمكن أن يبدو عليه نهر النيل خلال الـ8 آلاف عام الماضية، وبحسب الدراسة، فإن النتائج التي توصل إليها الباحثون، تُظهر أن المناظر المائية السابقة ومستويات الأنهار المرتفعة منذ حوالي 4500 عام سهّلت عملية بناء مجمع أهرامات الجيزة، وفقًا لـ "سي إن إن".
يُشار إلى أن ارتفاع الهرم الأكبر، يبلغ حوالي 146.5 مترًا، وقد أمر الملك خوفو ببنائه في القرن الـ 26 قبل الميلاد، ويتكوّن الهرم الأكبر من 2.3 مليون كتلة حجرية بوزن إجمالي يبلغ 5.75 مليون طن، وبُنيت الأهرامات الثلاثة على هضبة الجيزة المتاخمة للقاهرة، والتي تحيط بها المعابد والمقابر وأماكن العمال، وهي أقدم عجائب الدنيا السبع في العالم القديم.
مجمع المَنفذ النهري
ظل العلماء يفترضون أن المصريين القدماء ربما استغلوا أجزاءً سابقة من النيل لنقل أطنان الحجر الجيري، وكذلك الجرانيت اللازمة لبناء الهياكل العملاقة، ويفترض تفسير "مجمع المَنفذ النهري"، أن المهندسين المصريين القدماء شقوا قناة صغيرة عبر موقع الهرم إلى فرع النيل البائد والمعروف باسم فرع خوفو، على طول الحافة الغربية للنهر، وجرفوا أحواضًا وصولًا إلى قاع النهر.
وقال الباحثون إن مياه الفيضان السنوية كانت تعمل كرافعة هيدروليكية، ما سمح للمصريين القدماء بنقل كتل ضخمة من الحجر إلى موقع البناء. لكن العلماء يفتقرون إلى فهم محدد لكيفية توزيع المناظر الطبيعية، وباستخدام مجموعة من التقنيات لإعادة بناء السهول الفيضية القديمة للنيل، وجد الفريق أن المهندسين المصريين كان بإمكانهم استخدام فرع خوفو، الذي أصبح جافًا الآن، لنقل مواد البناء إلى موقع أهرامات الجيزة.
فحص حبيبات حبوب اللقاح المتحجرة
قام العلماء بتحليل الطبقات الصخرية للنوى التي حفرت، عام 2019، من السهول الفيضية بالجيزة لتقدير مستويات المياه في فرع خوفو منذ آلاف السنين، وقاموا بفحص حبيبات حبوب اللقاح المتحجرة من رواسب الطين في منطقة خوفو لتحديد المناطق الغنية بالنباتات؛ والتي تدل على ارتفاع مستويات المياه.
وازدهرت منطقة خوفو خلال النصف الأول من عصر الدولة القديمة في مصر، أي في الفترة الممتدة بين 2700 و2200 قبل الميلاد، عند بناء الأهرامات الثلاثة على الأرجح، وكان الفرع لا يزال يعاني من ارتفاع منسوب المياه في عهد الفراعنة خوفو، وخفرع، ومنقرع، وفقًا لبيانات الفريق.
العصر الفرعوني المتأخر
لفت الفريق إلى أنه منذ عصر الأسرة الثالثة إلى الخامسة، وفر فرع خوفو بوضوح بيئة مؤاتية لظهور وتطوير موقع بناء الأهرامات، ومساعدة البناة في التخطيط لنقل الأحجار والمواد بالقوارب، لكن بحلول العصر الفرعوني المتأخر، أي الفترة الممتدة من 525 إلى 332 قبل الميلاد، انخفض منسوب المياه في فرع خوفو خلال مرحلة الجفاف، وهو اكتشاف يتوافق والدراسات التي أجريت على الأكسجين في أسنان وعظام المومياوات خلال الفترة الزمنية نفسها التي تعكس انخفاض استهلاك المياه.
وتُظهر البيانات أن هؤلاء المهندسين القدماء استخدموا النيل وفيضاناته السنوية، واستغلوا منطقة الهضبة المطلة على السهول الفيضية لبناء النصب التذكاري الضخم، وكان فرع خوفو القديم في النيل مرتفعًا بالفعل بما يكفي للسماح للمهندسين القدماء بتحريك كتل ضخمة من الحجر، وبناء الأهرامات العظيمة التي نعرفها اليوم.