كان تشديد السياسات النقدية للبنوك المركزية هو الموضوع الرئيسي خلال الأسبوع، حيث رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي نطاقه المستهدف للفائدة كما هو متوقع ، مما مهد الطريق لعشرة بنوك مركزية أخرى في الأسواق المتقدمة والناشئة لرفع أسعار الفائدة، بما في ذلك بنك إنجلترا واقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي المرتبطة. وكما توقعت الأسواق بشكل كبير، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي نطاقه المستهدف للفائدة بمقدار 50 نقطة أساس وأعلن البدء في التشديد الكمي التدريجي اعتبارًا من الأول من يونيو. وفي البداية، نظرت الأسواق إلى نتائج اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة والمؤتمر الصحفي لباول على أنهما يميلان نحو تشديد السياسة النقدية بشكل أقل حدة، نظراً لأن باول قلل من احتمالات رفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس وذكر أن التضخم بدأ "يستقر"، مما دفع سندات الخزانة الأمريكية ومؤشرات الأسهم الأمريكية الرئيسية لإنهاء اليوم على ارتفاع. ولم تدم الارتفاعات كثيراً حيث أعادت الأسواق تقييم نتائج اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة ومدى حدة توجه بنك الاحتياطي الفيدرالي لتشديد السياسة النقدية، مما دفع سندات الخزانة ومؤشرات الأسهم الأمريكية لإنهاء الأسبوع على انخفاض. لا يزال المستثمرون يتوقعون مسارا قويا لتشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي لسياسته النقدية، لكن هذه التوقعات تراجعت مقارنة بالأسبوع السابق. على صعيد آخر، ظلت الأسواق خائفة من تأثير إجراءات الإغلاق الصينية المرتبطة بوباء كورونا على سلاسل التوريد وعلى معدلات النمو الاقتصادي، حيث أشارت العديد من البنوك المركزية إلى أن الوضع في الصين له تأثير على التدهور الاقتصادي. على صعيد التوترات الجيوسياسية، استمرت الهجمات الروسية على أوكرانيا في التصعيد في الوقت الذي يتوقع فيه أن يقر الاتحاد الأوروبي الحزمة السادسة من العقوبات التي تشمل فرض حظر كامل على واردات النفط الروسية، مما دفع أسعار النفط لإنهاء الأسبوع على ارتفاع.
تحركات الأسواق
سوق السندات:
خسرت سندات الخزانة الأمريكية عبر جميع آجال الاستحقاق، وخاصة السندات ذات الآجال الطويلة، حيث استمرت الأسواق في توقع أن يكون مسار تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي للسياسة النقدية قوياً على الرغم من أن نتائج اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة جاءت أقل توجهاً نحو تشديد السياسات مما كان يتوقعه السوق. جاء تصويت أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة مواكباً للتوقعات وصوتوا بالإجماع على زيادة قدرها 50 نقطة أساس وقلل باول من احتمالية رفع سعر الفائدة بواقع 75 نقطة أساس. كانت عوائد السندات في ارتفاع قبل يوم الأربعاء حيث كانت الأسواق تترقب اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة. وخلال تداولات يوم الأربعاء، ارتفعت العوائد قبل الاجتماع لكنها تراجعت عن هذه الزيادة بعد إصدار البيان حيث صوت بنك الاحتياطي الفيدرالي بالإجماع على رفع أسعار الفائدة 50 نقطة أساس، وهو ما كان متوقعًا، لكنه لم يقدم أي إشارات على أن وتيرة التشديد ستزداد في الاجتماعات المستقبلية. علاوة على ذلك، أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي عن بدء التشديد الكمي في يونيو وأشار إلى أن نهاية التشديد الكمي قد يكون في وقت أقرب مما كان متوقعًا، وهو ما كان يُنظر إليه على أنه يتجه قليلا نحو تيسير السياسات النقدية إلى حد ما. بدأت عوائد سندات الخزانة في الارتفاع بشكل طفيف مرة أخرى خلال المؤتمر الصحفي لباول لكنها انخفضت مرة أخرى حيث اعتبرت الأسواق تعليقات باول أقل تشديدا بعد أن أكد الاحتياطي الفيدرالي أنه لم ينظر في رفع سعر الفائدة بواقع 75 نقطة أساس وأنه من المتوقع أن يستقر التضخم، مما أدى الى إغلاق عائدات السندات عند معدلات أقل. لم تدم تهدئة باول للسوق طويلًا حيث عكست العائدات تحركاتها واستمرت في الارتفاع يومي الخميس والجمعة، مدفوعة بارتفاع العوائد الحقيقية، حيث تراجع المستثمرون عن توقعاتهم بشأن مسار تشديد أقل حدة.
وعلى جانب المعروض من السندات، لم تكن هناك مزادات لسندات الخزانة هذا الأسبوع، لكن وزارة الخزانة أعلنت أنها ستخفض مبيعاتها الربع سنوية للديون طويلة الأجل للمرة الثالثة على التوالي وأعلنت بشكل غير متوقع أنها قد تجري مزيدًا من التخفيضات نتيجة لارتفاع عائدات الضرائب الفيدرالية بشكل قوي. كما ذكر مسؤولو وزارة الخزانة أن إصدار سندات الدين، على مستوى آجال الاستحقاق المختلفة، سينخفض بما مجموعه 69 مليار دولار خلال الربع المنتهي في يوليو، مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة.
ارتفعت العوائد عبر جميع آجال الاستحقاق ووصلت إلى أعلى مستوياتها منذ نهاية عام 2018، مع زيادة طفيفة في عوائد السندات لأجل عامين بمقدار 1.83 نقطة أساس لتستقر عند 2.736% بينما ارتفعت عوائد 5 سنوات بمقدار 12.2 نقطة أساس لتصل إلى 3.079%. ازدادت عوائد السندات طويلة الأجل مع ارتفاع عائدات السندات أجل 10 سنوات و 30 عامًا بمعدل 19.4 نقطة أساس و 22.7 نقطة أساس لتصل إلى 3.131% و 3.228% على التوالي. ومن الجدير بالذكر أن عوائد السندات لأجل 10 سنوات تخطت مستوى الـ 3% للمرة الأولى منذ نهاية نوفمبر 2018.
العملات:
ارتفع مؤشر الدولار بنسبة 0.68% مقابل نظرائه الرئيسيين باعتباران دورة تشديد السياسة النقدية التي قام بها بنك الاحتياطي الفيدرالي أكثر حدة من الأسواق المناظرة. لم يطرأ أي تغير ملحوظ على مؤشر اليورو تقريبًا، حيث ارتفع بنسبة 0.06%. في غضون ذلك، انخفض الجنيه الإسترليني بنسبة 1.80%، ليصبح بذلك أسوأ العملات أداءً على مستوى عملات العشر دول الكبار، حيث انخفض للأسبوع الثالث على التوالي ليصل إلى أضعف مستوى له منذ منتصف عام 2020. وجاء الانخفاض على خلفية قوة الدولار وبعد تحذير بنك إنجلترا من خطر الركود الاقتصادي في المملكة المتحدة. تراجع الين الياباني بنسبة 0.66%، مسجلاً بذلك خسائر للأسبوع التاسع على التوالي.
الذهب
انخفضت أسعار الذهب بنسبة (-0.69%) للأسبوع الثالث على التوالي لتستقر عند 1883.81 دولار للأونصة على خلفية قوة الدولار. علاوة على ذلك، فإن التوقعات بحدوث دورة تشديد للسياسة النقدية ذات وتيرة أكثر قوة، وارتفاع عوائد سندات الخزانة أثرا أيضًا على السبائك الصفراء. وفي نفس الوقت، أدى تصريح الرئيس باول بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي استبعد احتمالية رفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس إلى الحد من نسبة الانخفاض.
عملات الأسواق الناشئة
على صعيد الأسواق الناشئة، تراجع مؤشر مورجان ستانلي لعملات الأسواق الناشئة EM MSCI بنسبة (-0.85%) أمام ارتفاع الدولار خلال تداولات الأسبوع.
خسرت غالبية عملات الأسواق الناشئة التي يتتبعها مؤشر بلومبرج، حيث ارتفعت 5 عملات فقط من أصل 24 عملة مدرجة في المؤشر خلال هذا الأسبوع. كان البيزو الكولومبي (-2.29%) العملة الأسوأ أداءً هذا الأسبوع، مسجلاً خسائر للأسبوع الثالث على التوالي مع تصاعد التوترات السياسية بعد أن ألغى المرشح الرئاسي اليساري المتشدد والذي يعد الأكثر تقدما، غوستافو بيترو، جولاته في مطلع الأسبوع، مشيراً إلى محاولات إحدى العصابات الإجرامية باغتياله. كما جاء تراجع العملة أيضًا على الرغم من قرار البنك المركزي برفع أسعار الفائدة. وبالمثل، انخفض الريال البرازيلي بنسبة (-2.11%)، مسجلاً بذلك خسائر للأسبوع الخامس على التوالي حتى مع قرار البنك المركزي البرازيلي برفع معدل الفائدة الرئيسي "سيليك" (Selic). وعلى صعيد آخر، ارتفع الروبل الروسي بنسبة (+5.56%) ليصبح بذلك أفضل العملات أداءً، مسجلا أرتفاعا للأسبوع الثالث على التوالي، حيث وصل إلى أقوى مستوياته منذ بداية انتشار وباء كورونا والتي تبلغ 67.95 للدولار. أدت التدابير التي اعتمدتها الحكومة للرقابة على رؤوس الأموال إلى دعم العملة، بينما يواصل السوق تقييم التطورات المتعلقة باحتمالية فرض عقوبات جديدة ضد روسيا. وكان البيزو المكسيكي (+1.5%) ثاني أفضل العملات أداءً، حيث دعم ارتفاع أسعار النفط الخام أداء العملة، خاصة بعد أن أعلنت شركة النفط الوطنية المكسيكية "بيميكس" عن صافي أرباحها والتي بلغت 6.17 مليار دولار في الربع الأول من العام المالي، مقلصةً بذلك خسائرها التي بلغت نحو 2 مليار دولار العام الماضي.
أسواق الأسهم:
شهدت الأسهم الأمريكية أسبوعًا متقلبًا، حيث أنهت تداولات هذا الأسبوع على انخفاض طفيف على خلفية زيادة التوقعات بحدوث دورة حادة من تشديد السياسة النقدية، وفي ظل وجود مخاوف من الركود الاقتصادي. وبدأت الأسهم الأمريكية تعاملات هذا الأسبوع على ارتفاع بفضل ظهور المستثمرين الذين اتجهوا لشراء الأسهم بالأسعار المنخفضة التي شهدتها الأسواق بعدما سجلت الأسهم الأمريكية أسوأ أداء شهري لها (خلال شهر أبريل) منذ بداية وباء كورونا، إلا أن الأسهم الأمريكية خسرت مكاسبها السابقة يوم الأربعاء عقب قرار اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة برفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس. وعلى الرغم من ذلك، تمكنت الأسهم من تعويض كل خسائرها مرة أخرى خلال انعقاد المؤتمر الصحفي للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، إذ أنهى مؤشر ستاندرد آند بورز 500 S&P تداولات هذا اليوم على ارتفاع بنسبة 3% (أكبر ارتفاع في يوم واحد منذ مايو 2020) بعدما بدد باول التكهنات برفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بواقع 75 نقطة أساس في الاجتماعات المقبلة. وعلى الرغم من ذلك، لم تدم مكاسب مؤشر ستاندرد آند بورز الناجمة عن تصريحات باول كثيرًا، إذ انخفض المؤشر بنسبة 3.6% يوم الخميس بعدما بدأ المتداولون في إعادة تقييم نتائج اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، وجاء التراجع مصحوبًا بانتشار حالة من الخوف في الأسواق بشأن سيناريو حدوث ركود اقتصادي. علاوة على ذلك، عزز تقرير الوظائف الأخير الصادر يوم الجمعة توقعات الأسواق باستمرار الاحتياطي الفيدرالي في تشديد السياسة النقدية لمكافحة ارتفاع التضخم، وهو الأمر الذي أدى إلى تزايد الضغط على أداء الأسهم. وأنهى مؤشر ستاندرد آند بورز 500 S&P تداولات هذا الأسبوع على انخفاض بنسبة 0.21%، منخفضا للأسبوع الخامس على التوالي، ليسجل بذلك أطول سلسلة خسائر أسبوعية منذ 2011. انخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 0.24% ليصل إلى أدنى مستوى له منذ أوائل مارس. وفي هذه الأثناء، هبط مؤشر ناسداك المركب لأسهم الشركات التكنولوجية الكبرى بنسبة 1.54% ليصل إلى أدنى مستوى له منذ نوفمبر 2020 مع تراجع أداء أسهم قطاع التكنولوجيا والقطاعات المرتبطة بالنمو. وتجدر الإشارة إلى أن مؤشري داو جونز وناسداك قد سجلا في يوم الخميس أكبر انخفاض يومي لهما منذ عام 2020. وفي الوقت نفسه، تراجع معدل تذبذب وتقلبات الأسواق نسبيًا حيث انخفض مؤشر VIX لقياس تقلبات الأسواق بمقدار 3.21 نقطة ليصل إلى 30.19 نقطة، لكنه تمكن من البقاء فوق متوسطه منذ بداية العام وحتى تاريخه والبالغ 26.27 نقطة. تجدر الإشارة إلى أن مؤشر VIX ظل غالبية الوقت فوق مستوى الـ 30 نقطة خلال الأسبوعين الماضيين؛ وهو مستوى ارتبط منذ فترة طويلة بارتفاع درجة عدم اليقين والقلق الشديد بين المتداولين.
في أوروبا، تراجع مؤشر Stoxx 600 بنسبة 4.55%، مسجلاً أكبر انخفاض أسبوعي في تسعة أسابيع وسط تخوفات الأسواق من أن البنوك المركزية قد تحتاج إلى تكثيف جهودها لمواجهة التضخم المتزايد، مما قد يؤدي إلى المخاطرة بالنمو الاقتصادي. مشيرة إلى أن الإغلاق في الصين والصراع في أوكرانيا زادا من حالة عدم اليقين.
سارت المؤشرات الأوروبية على نفس المسار حيث انخفض مؤشر داكس الألماني DAX (-3.00%) ، ومؤشر FTSE MIB الإيطالي (-3.20%) ، وCAC 40 الفرنسي (-4.22%) ، ومؤشر FTSE 250 البريطاني (-4.29%)، لتغلق جميعها على انخفاض.
بالانتقال إلى الأسواق الناشئة، تراجع مؤشر مورجان ستانلي للأسواق الناشئة MSCI EM بنسبة 4.15% بعد انخفاضه في كل جلسة خلال الأسبوع ليصل إلى أدنى مستوى له في ثلاثة أشهر. وفي بداية الأسبوع، انخفض المؤشر حيث لم تظهر بكين أي مؤشرات تدل على بدء تخفيف الإجراءات الاحترازية الخاصة بانتشار وباء كورونا، و بسبب تحول تركيز المستثمرين نحو اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، حيث توقع غالبية المشاركين في السوق تشديدًا قويًا للسياسة النقدية من قبل الاحتياطي الفيدرالي. على الرغم من أن اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة كان ينظر إليه على أنه أقل حدة عكس المتوقع من قبل العديد من المشاركين في السوق، استمر المؤشر في تكبد خسائر فادحة حيث يتوقع المستثمرون أن يواصل صانعو السياسة رفع أسعار الفائدة من أجل احتواء التضخم.
البترول:
ارتفعت أسعار النفط بنسبة 2.79% لتستقر عند 112.39 دولارًا للبرميل بعد أن أظهر الاتحاد الأوروبي نيته في التخلص التدريجي من واردات النفط الروسي. اقترح رئيس الاتحاد الأوروبي فون دير لاين خطة يوم الأربعاء لحظر واردات النفط الروسي، مما يمنح الدول الأعضاء ما يصل إلى ستة أشهر للتخلص التدريجي من مشتريات الخام الروسي وحتى نهاية العام لوقف شراء جميع أنواع المنتجات النفطية المكررة. وتجدر الإشارة إلى أن أسعار النفط قفزت يوم الأربعاء بنسبة 5% تقريبًا بعد انخفاضها في بداية الأسبوع بسبب المخاوف بشأن توقعات الطلب نتيجة طول فترة الإغلاق في الصين.