مع تصاعد الأحداث العالمية وزيادة أثر التوترات السياسية على الأوضاع
الاقتصادية، وفى ضوء العقوبات الاقتصادية المتبادلة بين روسيا والولايات المتحدة
الأمريكية، عادت التكهنات بشأن مستقبل الدولار مقابل العملات المنافسة، والتساؤل
حول التوليفة الأفضل لتكوين الاحتياطيات النقدية لدى البنوك المركزية، ولا سيما
بعد تجميد نصف الاحتياطي النقدى الروسى، واتجاه الكثير من الدول لاعتماد عملاتها
المحلية في التبادل التجارى فيما بينها، الأمر الذى اعتبره المحللون بداية الطريق
لإضعاف هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمى.
وتشكل العملة الأميركية أيضاً حوالي 60% من احتياطيات النقد الأجنبي
للبنوك المركزية على الرغم من الجهود المبذولة لخفض حيازات الدولار بشكل مطرد،
وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، فيما يشكل اليورو، أقرب منافسيه، حوالي 20% من
المخزونات.
ويرى بنك غولدمان ساكس أن اليوان قد يتجاوز الين والجنيه الاسترليني
ليصبح ثالث أكبر عملة احتياطي في العالم بحلول عام 2030، فيما يرى بنك مورغان
ستانلي أن العملة الصينية ستمثل ما يصل إلى 10% من أصول الفوركس العالمية في العقد
المقبل، وفقاً لبلومبرج.
ويجادل البعض بأن السماح بتداول العملة بحرية أمراً ضرورياً لوضعها
كعملة احتياط دولية، إذ يُنظر إلى تأثير بكين على اليوان باعتباره عقبة. كما أن
مكانة الصين في الأسواق الناشئة يثبت أنه يمثل عائقاً، حيث يأتي ثاني أكبر اقتصاد
في العالم بعد الغرب في البنية التحتية المالية المتطورة، وفقاً لتقارير دولية.
أما البدائل الأخرى للدولار لها أيضاً عيوب. فعلى الرغم من أن اليورو
هو العملة الأكثر استخداماً بعد الدولار كعملة احتياطي لدى البنوك المركزية العالمية،
إلا أن سمعته لا تزال متضررة من تجربتها الوشيكة على الموت خلال أزمة منطقة اليورو،
كما أن الذهب، الأصل الاحتياطي العالمي خلال الجزء الأكبر من القرن العشرين، ليس
عملياً في التداولات اليومية المتسارعة والتي تصل لسرعة الضوء.
وقال الدكتور فخري الفقي، مستشار صندوق النقد الدولى السابق، إنه وإن كانت تمتلك روسيا كروت اقتصادية لخنق التحالف الغربي الذي
يجمع بين أمريكا والاتحاد الأوروبي إلا أن التحالف الغربي اتخذ خطوات عملية لإحداث
التآكل في الاقتصاد الروسي باستبعاد البنوك الكبرى في روسيا من نظام تسوية
المدفوعات الدولية "السويفت" وتجميد ما يقرب من 300 مليار دولار من
إجمالي الاحتياطي النقدي الروسي البالغ 643 مليار دولار وهي خطوات ستؤثر على
الاقتصاد الروسي بقوة.
وأضاف الفقى في تصريحات إعلامية، أن
فكرة كسر هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي أمر بالغ الصعوبة ولن يحدث
بسهولة لأن الدولار يستحوذ على 45% من إجمالي تعاملات التجارة العالمية وتقريبًا
نفس النسبة من الاحتياطات الدولية بينما يبلغ اليورو نسبة 32%، ثم اليوان بنسبة
7%، مشيرًا إلى أن الروبل الروسي من الصعب دخوله في هذه المنافسة لأن الاقتصاد
الروسي يمثل حوالي ١.5% من الناتج المحلى العالمي لذلك سيظل الروبل عملة محلية لن
ترتقي إلى المستوى الدولي.
وتابع الفقي أن اليوان الصيني أيضاً، أمامه
مشوار طويل حتى يصل إلى أن يصبح احتياطي نقدي أجنبي، لافتًا إلى أنه في عام 2016
أصبح اليوان ضمن سلة العملات في حقوق السحب الخاصة، لكن ليس معنى ذلك أنه يوازي
الدولار كعملة احتياطي نقدي يقبل الوفاء بالالتزامات في البنوك العالمية وهم الـ
190 بنك الأعضاء في صندوق النقد الدولي.
ورغم إشارة عمالقة بنوك الاستثمار العالمية، غولدمان ساكس، وكريدي
سويس، إلى المخاوف التي تهدد سيادة الدولار، فإن العثور على بديل سيكون أمراً
صعباً للغاية، وفقاً لمديري الأصول براندي واين غلوبال، وجي بي مورغان، حيث أشارت
الشركتان إلى أن حجم وقوة أكبر اقتصاد في العالم لا مثيل لهما، ولا تزال سندات
الخزانة واحدة من أكثر الطرق أماناً لتخزين الأموال، كما لا يزال الدولار هو
المستفيد الأول من التدفقات النقدية الموجهة للأصول المصنّفة كملاذ آمن.
ومن جانبه قال هانى جنينة أستاذ
الاقتصاد بالجامعة الأمريكية في تصريحات لـ "العقارية"، إنه من الصعب
العودة إلى أن يكون الاحتياطي النقدي للدول من الذهب بشكل كامل بل يكاد يكون ذلك
مستحيلاً لأن مشكلة الذهب الرئيسية هي انفخاض المعروض والذى لم يتواكب نمو المعروض
منه مع نمو الاقتصاد العالمى وحركة التجارة العالمية وبالتالي من المستحيل أن
تتحول مدفوعات التجارة العالمية إلى التعامل بالذهب أو الفضة.
وأضاف أن البنوك المركزية لديها مجموعة أصول تديرها كأي بنك استثماري
عادي وهناك إدارة متخصصة بهذه العملية ومعظم هذه الاستثمارات تكون في أصول آمنة
مثل الدولار الأمريكي وخصوصاً أذون الخزانة الأمريكية لأن الاحتياطي النقدي لازم
يكون سريع التسييل، وهناك جزء من هذه الاستثمارات يكون باليورو وهناك جزء للاستثمار
فى الذهب، لأن الذهب ليه خاصيتين أوقات الأزمات وهى نمو قيمته كملاذ أمن مع قلة
تذبذبه وقت الأزمات، وبالتالي فإن البنوك المركزية تبحث عن أصول بعيدة عن احتمالات
الانهيارات المفاجئة.
وأوضح أن الأسهم
الامريكية ارتفعت في الفترة الماضية بنسب أكبر بكثير من الذهب لكن تذبذباتها كانت أعلى
وهذه هي المعضلة فالبنوك المركزية كجهة تدير أموال الشعوب لا يمكنها أن تتدخل في
استثمارات عالية المخاطرة، وفى حالة تفكيره في الاستثمارا بالأسهم الأمريكية مثلاً
أو أي استثمارات معرضة للخطر فلن تتعدى نسبة هذا الاستثمار 1% أو 2% من إجمالي
الأصول.
وبالنسبة لاتجاه البنك المركزى الروسى نحو تثبيت سعر جرام الذهب عند
سعر 5 آلاف روبل لمدة 3 شهور، أوضح جنينة أن ذلك مجرد إجراء داخلى مؤقت لطمأنة
البنوك الروسية وقت الأزمات ولا يمكن أن يستمر طويلاً ولا يمكن أن يمثل اتجاهاً
عاماً على مستوى التعاملات الدولية، والحقيقة أن العملات الورقية تم اختراعها وقت
الحروب لكى تكون بديلاً عن الذهب الذى لم تعد الدول تمتكله في أوقات الحروب
وبالتالي فإنه لا يمكن لدولة أن تعود للذهب في أوقات الحروب التي كانت هي نفسها
الدافع الجبرى للتخلى عن التعاملات الذهبية ونشأة التعاملات الورقية.
وأكد أن قوة العملات الرئيسية وهى الدولار واليورو والين الياباني
والجنيه الاسترلينى واليوان الصينى ليست نابعة من حجم الاحتياطيات الذهبية لدى
بنوكها المركزية وإنما نابعة من حجم اقتصادات هذه الدولة وحجم تجارتها العالمية
وتعاملاتها مع العالم الخارجي الذى يدفع جميع دول العالم لطلب هذه العملات لأنها
تمثل النسبة الأكبر من حجم الاقتصاد العالمى والناتج الاقتصادى العالمى وكذلك
صادرات هذه الدول تسيطر على حركة التجارة العالمية.
وبالنسبة لصفقات مبادلة العملة التي تعقدها الدول فيما بينها بعيداً
عن التعامل بالدولار، أوضح أنها مجرد بداية الطريق لكسر هيمنة الدولار ولكن الأمر
يحتاج إلى اتفاق مجموعة ضخمة من الدول تشكل نسبة كبيرة من التجارة العالمية وتستمر
في التعامل فيما بينها بعملاتها المحلية بعيداً عن الدولار وذلك لسنوات طويلة
وبنسبة كبيرة من التجارة العالمية لكى يظهر تأثيرها بعد ذلك، فعلى سبيل المثال
تحاول روسيا من جانبها إقناع الهند والصين للتعامل معها بالروبل ولكن الأمر ليس
بهذه السهولة.
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن السعودية، التي تعد
أكبر مصدر للنفط في العالم، تدرس قبول اليوان الصيني بدلا من الدولار في مبيعات
النفط للصين، وقالت إن المملكة العربية السعودية تجري محادثات نشطة مع بكين لتسعير
بعض مبيعاتها النفطية إلى الصين باليوان، وهي خطوة من شأنها أن تقلل من هيمنة
الدولار على سوق النفط العالمية وتمثل تحولا آخر من قبل أكبر مصدر خام إلى آسيا في
العالم.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن أشخاص مطلعة أن المحادثات مع
الصين بشأن عقود النفط المسعرة باليوان توقفت منذ 6 سنوات، لكنها تسارعت هذا العام
حيث أصبح السعوديون غير راضين بشكل متزايد عن الالتزامات الأمنية الأمريكية للدفاع
عن المملكة، ووفقا لتقرير صحيفة "وول ستريت جورنال" فإن السعودية تتطلع
إلى الحصول على دعم من الولايات المتحدة بشأن تدخلها في اليمن.
وتعتبر السعودية أكبر مصدري النفط إلى الصين، وأظهرت البيانات أن
المملكة حافظت على مرتبتها كأكبر مصدر للنفط الخام إلى الصين في العام 2021، حيث
زادت الإمدادات بنسبة 3.1% مقارنة بالعام 2020.
وفيما قبل اتفقت روسيا والصين على استخدام عملتيهما في التبادل
التجاري، وأفادت صحيفة "إزفستيا"، في تقرير اوردته وكالة سبوتنيك
الروسية، وتستخدم العملة الروسية (الروبل) حاليا في تسوية 10% من المدفوعات
الناجمة عن التبادل التجاري بين روسيا والصين.
ويتوقع النائب الروسي اناتولي أكساكوف، عضو مجلس الدوما، أن تصل هذه
النسبة في الأعوام القليلة المقبلة إلى 50 في المئة، وتسعى بكين وموسكو إلى إقامة
علاقات اقتصادية أوثق في مواجهة الضغوط المتصاعدة على الصين والعقوبات المستمرة
على روسيا.
وقالت نتائج بيانات أصدرتها الهيئة الوطنية الصينية للنقد الأجنبي، إن
احتياطيات الصين من النقد الأجنبي انخفضت في مارس الماضي، بسبب تغيير أسعار الأصول
وسط ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي.
وبلغت احتياطيات الصين من النقد الأجنبي 3,188 تريليون دولار أمريكي
بنهاية مارس الماضي، بانخفاض 25.8 مليار دولار أمريكي أو 0.8% مقارنة مع نهاية
فبراير الماضي.
وقالت نائب رئيس الهيئة وانج تشون يينج، إن تدفقات رأس المال العابرة
للحدود في الصين زادت تدريجياً في مارس، مع بقاء العرض والطلب في سوق النقد
الأجنبي المحلي في مستوى متوازن بشكل أساسي.
وأرجعت المسؤولة الصينية، انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي إلى التأثير
المجمع لارتفاع قيمة مؤشر الدولار الأمريكي والتغييرات في أسعار الأصول، نتيجة
لعناصر بما فيها جائحة كورونا والأوضاع الجيوسياسية والسياسات النقدية في الدول
الرئيسية.
وأكدت أن الجائحة المستمرة والظروف الخارجية المعقدة والسوق المالي
العالمي المتقلب، ستواصل الصين عملها على تنسيق الوقاية من كوفيد-19 والتنمية
الاقتصادية، بحيث تتميز بعدم تغيير في المرونة الاقتصادية القوية والأسس السليمة،
الأمر الذي سيساعد على إبقاء استقرار احتياطيات النقد الأجنبي في الصين.
وكانت الاحتياطيات الروسية قد تراجعت بعد بدء العملية العسكرية في
أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي، وحتى تاريخ 18 فبراير، بلغت 643.2 مليار
دولار، بينما انخفضت بحلول 25 مارس (آذار) إلى 604.4 مليار دولار، وحدث هذا عندما
فرضت الولايات المتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة واليابان
عقوبات على البنك المركزي في البلاد والمؤسسات المالية الكبرى الأخرى.
وجمدت العقوبات ما يقرب من نصف الاحتياطيات الروسية المحتفظ بها في
الخارج ومنعت فعلياً قدرتها على إجراء المعاملات الدولية بالدولار الأميركي
واليورو، وحدد بنك روسيا التدخلات في العملة وإعادة التمويل وإعادة تقييم الأصول
باعتبارها العوامل الرئيسة لانخفاض الاحتياطيات.
وقال جنينة أنه يتوقع أن هناك خطة عالمية ممنهجة للموازنة بين قوة
الدولار وقوة باقى العملات الرئيسية، ولن تصل هذه الخطة إلى مرحلة إزاحة الدولار عن
الساحة العالمية، حيث إنه عندما ظهر الدولار محل الاسترلينى لم يقض ذلك تماماً على
الجنيه الاسترلينى، متوقعاً أن يصبح اليوان الصينى العملة الثانية عالمياً في
منافسة الدولار الأمريكي وذلك لأن الاقتصاد الصينى يمثل نحو 12% إلى 13% من
الاقتصاد العالمي وهو يوازى الاقتصاد الأمريكي أو يقل عنه قليلاً.
وعلى الصعيد المحلى أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، تضاعف قيمة
الذهب في احتياطي النقد الأجنبي خلال عام بنهاية مارس الماضي، حيث زادت بنسبة
98.4% مقارنة بنهاية مارس 2021.
ووفقا للبيانات المنشورة على الموقع الإلكتروني للبنك المركزي، وصلت
قيمة الذهب في احتياطي النقد الأجنبي إلى نحو 7.8 مليار دولار بنهاية مارس الماضي
مقابل نحو 3.9 مليار دولار في نهاية مارس 2021.
ورغم خسارة الاحتياطي نحو 3.9 مليار دولار خلال مارس الماضي مقارنة
بنهاية فبراير السابق عليه، فإن قيمة الذهب في الاحتياطي زادت بنحو 900 مليون
دولار في نهاية الشهر الماضي مقارنة بما كانت عليه في نهاية فبراير عند 6.9 مليار
دولار.
وشهد شهر فبراير وحده زيادة كبيرة أيضا لقيمة الذهب في الاحتياطي بنحو
2.7 مليار دولار مقارنة بنهاية يناير الماضي عندما كانت 4.2 مليار دولار.
وارتفعت الأسعار العالمية للذهب خلال عام بنهاية مارس الماضي بنحو
12.1% مقارنة بنهاية مارس 2021، ليصل سعر الأوقية إلى 1937.44 دولار في نهاية
تعاملات الشهر الماضي.
ويعني ذلك أن البنك المركزي لجأ خلال العام الأخير إلى شراء المزيد من
كميات الذهب لضمها إلى احتياطي النقد الأجنبي.