توصل لبنان إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل بقيمة 3 مليارات دولار على 46 شهرًا، في إطار برنامج "تسهيل الصندوق الممدد، ولا يزال يحتاج الاتفاق إلى موافقة إدارة صندوق النقد الدولي ومجلسه التنفيذي.
وعقب الإعلان عن الاتفاق المبدئي أكدت الرئاسة اللبنانية التزامها بالعمل على حلّ الأزمة ووضع لبنان على مسار النمو المستدام والمتوازن والشامل من خلال تطبيق إصلاحات تعالج أبرز مواطن اختلال التوازن الاقتصادي والمالي الكلي.
كما تشمل الإجراءات التوسع في شبكة الأمان الاجتماعي للتخفيف من وطأة الأزمة على اللبنانيين لا سيما منهم الفئات الأكثر حاجة، وتنشيط حركة الاستثمار في البنى التحتية وإعادة الإعمار، بحسب بيان الرئاسة اللبنانية.
ووضعت الحكومة اللبنانية، بدعم وتوجيه من صندوق النقد الدولي، برنامجًا شاملاً للإصلاح الاقتصادي يهدف إلى إعادة بناء الاقتصاد، واستعادة الاستدامة المالية، وتعزيز الحوكمة والشفافية، وإزالة العوائق التي تحول دون خلق فرص العمل، وزيادة الإنفاق الاجتماعي، وإعادة الإعمار، وسيلزم استكمال ذلك بإعادة هيكلة الدين العام الخارجي التي ستؤدي إلى مشاركة كافية من جانب الدائنين لاستعادة القدرة على تحمل الديون وسد الفجوات التمويلية.
ووفقًا لبيان صندوق النقد الدولي، تستند خطة الدولة اللبنانية إلى خمس ركائز رئيسية هي : ــ
ــ إعادة هيكلة القطاع المالي لاستعادة قدرة البنوك على الاستمرار وقدرتها على تخصيص الموارد بكفاءة لدعم التعافي.
ــ تنفيذ إصلاحات مالية مقترنة بإعادة الهيكلة المقترحة للدين العام الخارجي، لتأمين استدامة الدين، وإفساح المجال للاستثمار في الشبكة الاجتماعية، والإعمار، والبنية التحتية.
ــ إصلاح مؤسسات الدولة، وخاصة قطاع الكهرباء لتقديم خدمات أفضل دون استنزاف الموارد العامة.
ــ تعزيز أطر الحوكمة، ومكافحة الفساد، ومكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، لتعزيز الشفافية والمساءلة، من خلال تحديث الأطر القانونية للمصرف المركزي.
ــ إنشاء نظام نقدي وسعر صرف يتسم بالمصداقية والشفافية.
وقال رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، اليوم الخميس إن المجلس مستعد بجدية كبيرة لإقرار التشريعات والإصلاحات اللازمة لنجاح البرنامج.
ويرى صندوق النقد الدولي، أن موازنة لبنان لعام 2022 تشكل خطوة حاسمة في اتجاه تحسين المالية العامة وخفض الدين العام من خلال تدابير مدرة للدخل وتدابير للإصلاح الإداري لكفالة توزيع العبء الضريبي على نحو أكثر إنصافا وشفافية.
وتهدف الموازنة إلى تحقيق عجز أولي بنسبة 4% من الناتج المحلي الإجمالي يدعمه تغيير في تقييم الواردات لاحتساب الضرائب الجمركية وغيرها من الضرائب على أساس بسعر صرف موحد، ومن شأن ذلك أن يسمح بزيادة البدلات لموظفي القطاع العام من أجل إعادة تشغيل الإدارة العامة.
وسيجري تمويل العجز في الميزانية من الخارج، وستلغى ممارسة تمويل المصرف المركزي للدولة.
وسيلعب المصرف المركزي دورًا محوريًا لتهيئة الظروف اللازمة لتخفيض نسبة التضخم، بما في ذلك من خلال الانتقال إلى نظام نقدي جديد.
وسيركز على إعادة بناء احتياطياته من العملات الأجنبية والحفاظ على سعر صرف واحد يحدده السوق، مما سيساعد على أداء القطاع المالي لوظائفه، ويساهم في تحسين تخصيص الموارد في الاقتصاد، ويسمح باستيعاب الصدمات الخارجية.
كما سيجري تعزيز ولاية المصرف وهيكل إدارته من خلال اعتماد إصلاح واسع النطاق للتشريعات اللازمة.
والإصلاحات التي يجب الشروع بها للحصول على موافقة صندوق النقد الدولي، وتدرك السلطات الحاجة إلى الشروع في الإصلاحات في أسرع وقت ممكن، وقد وافقت على استكمال التدابير التالية للحصول على موافقة مجلس صندوق النقد الدولي النهائية : ــ
ــ موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية إعادة هيكلة البنوك التي تعترف بالخسائر الكبيرة في القطاع، مع حماية صغار المودعين والحد من اللجوء إلى الموارد العامة.
ــ موافقة البرلمان على تشريع مناسب للقرارات المصرفية الطارئة اللازمة لتنفيذ استراتيجية إعادة هيكلة البنوك وإعادة القطاع المالي إلى التعافي.
ــ الشروع في إجراء تقييم لكل مصرف على حدة بمساعدة شركات دولية لأكبر 14مصرفًا في لبنان.
ــ موافقة البرلمان على إصلاح قانون السرية المصرفية لجعله يتماشى مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد.
ــ الانتهاء من التدقيق الخاص لمركز الأصول الأجنبية لمصرف لبنان، للبدء في تحسين شفافية هذه المؤسسة الرئيسية.
ــ موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية متوسطة الأجل لإعادة الهيكلة المالية وإعادة هيكلة الديون.
ــ موافقة البرلمان على موازنة عام 2022.
ــ توحيد مصرف لبنان لأسعار الصرف لمعاملات الحسابات الجارية.
ــ توضيحات رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي.
وبعد اجتماع رفيع المستوى، دار بين رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي والصحافيين حوار أوضح فيه ميقاتي أن الإصلاحات ستكون على جدول أعمال مجلس الوزراء في الجلسات المقبلة، قبل الانتخابات النيابية، لوضعها في صورة مشاريع قوانين ترسل إلى المجلس النيابي لينظر بها في أسرع وقت.
وعندما سئل إن كان هناك مهلة زمنية لتطبيق الإصلاحات أجاب "المهلة الزمنية هي لإقرارها، ثم تقر من قبل مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، على أن يكون لبنان تحت المراقبة لحسن تنفيذها".
وأضاف، "مفاوضاتنا مع صندوق النقد الدولي ليست متعلقة فقط بالشق المالي بل تتناول أيضًا المواضيع الإصلاحية اللازمة لأنها تأشيرة للدول المانحة لكي تبدأ بالتعاون مع لبنان وإعادته إلى الخارطة الطبيعية المالية العالمية، والمبلغ المالي لا يدفع مرة واحدة من قبل الصندوق بل على مراحل، وهو ليس فقط المبلغ الذي تم إقراره، إذ في ضوء تنفيذ ما نقوم به من إصلاحات سيزداد هذا المبلغ."
ورحب وفد الاتحاد الأوروبي في لبنان، بالإعلان عن الاتفاق بين لبنان وصندوق النقد الدولي، قائلاً إنه خطوة رئيسية نحو برنامج تعاف اقتصادي شامل قائم على الإصلاحات.
وانخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يقدر بنحو 20.5 مليار دولار في 2021 من حوالي 55 مليارا في 2018، وهو نوع من الانكماش عادة ما يرتبط بالحروب، كما يقول البنك الدولي، الذي صنف الانهيار بين الأسوأ من نوعه على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها مما أدى لارتفاع تكلفة كل شيء تقريبا في بلد يعتمد على الواردات، ودمر القدرة الشرائية، وأصبح راتب الجندي الذي كان يعادل 900 دولار سابقا لا يساوي سوى 50 دولارًا الآن.
وأفادت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) إن معدلات الفقر ارتفعت ارتفاعا شديدا بين السكان البالغ عددهم نحو 6.5 مليون، مع تصنيف حوالي 80% من الناس على أنهم فقراء.
ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة(يونيسف)، في سبتمبر الماضي، إن أكثر من نصف العائلات لديها طفل واحد على الأقل يعاني من سوء التغذية مقارنة مع الثلث في أبريل 2021.
وعاني النظام المالي من خسائر تثير الأسى. وقدرت الحكومة إجمالي خسائر النظام المالي بنحو 69 مليار دولار في سبتمبر، فيما توقع نائب رئيس الوزراء في الشهر الماضي، زيادة الرقم إلى 73 مليارا مع عدم معالجة الأزمة.
ولم يعد بوسع المودعين الحصول على مدخراتهم بالدولار، كما تخضع عمليات السحب بالعملة المحلية لسعر صرف يمحو نحو 80% من قيمة العملة.
ويواجه لبنان نقص في إمدادات الطاقة لا سيما في العاصمة بيروت، والآن يكون أصحاب المنازل محظوظين إذا لم تنقطع عنهم الكهرباء لبضع ساعات.
وارتفعت أسعار الوقود، حيث كانت رحلة مشتركة بالسيارة الأجرة، وهو نمط نقل مألوف، تتكلف 2000 ليرة قبل الأزمة وأصبحت الآن تتكلف 30 ألفا.
ويهاجر لبنانيون في أكبر موجة نزوح منذ حقبة الحرب الأهلية التي دارت من 1975 إلى 1990، ولا يخطط كثير منهم العودة ثانية لاعتقادهم بأن مدخراتهم ضاعت.
وأظهر استطلاع رأي لمعهد جالوب في 2021 أن 63% من الذين شاركوا في الاستطلاع يريدون مغادرة لبنان بشكل دائم مقابل 26 بالمئة قبل الأزمة.
ومن بين المغادرين أطباء، حيث قالت منظمة الصحة العالمية إن معظم المستشفيات تعمل بنصف طاقتها، وإن نحو 40% من الأطباء، ومعظمهم من المتخصصين، و30% من أفراد أطقم التمريض قد هاجروا بشكل دائم أو يعملون بدوام جزئي في الخارج.
حذر الرئيس ميشال عون في ديسمبر من أن الدولة "تنهار"، فيما قال مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان بعد اضطرابات بسبب نقص الوقود في أغسطس إن لبنان يتجه صوب انهيار شامل إذا لم تُتخذ خطوات لمعالجة الأزمة.