اتجهت الأسواق نحو تسعير دورة تشديد للسياسة النقدية الأمريكية بشكل أسرع مما كان متوقعاً مع إشارة المسئولين الفيدراليين مرارًا وتكرارًا الى تفضيلهم اتخاذ إجراء سريع لمواجهة التضخم مع الابقاء على رفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس كإحدى الخيارات. تكثفت عمليات بيع سندات الخزانة بينما سجلت الأسهم الأمريكية مكاسب للأسبوع الثاني على خلفية توقعات صندوق النقد الدولي بأن يستمر النمو العالمي في تحقيق معدلات إيجابية. لا يزال ارتفاع أسعار الطاقة يدفع بزيادة مخاوف التضخم، حيث ارتفعت أسعار النفط بنسبة 11.79% لتخترق مستوى 120 دولارًا للبرميل.
تحركات الأسواق
سوق السندات
خسرت سندات الخزانة الأمريكية بشكل كبير عبر جميع آجال الاستحقاق حيث يقيم المستثمرون حدوث دورة تشديد نقدي ذات وتيرة أسرع وذلك عقب التصريحات التي تميل نحو تشديد السياسة النقدية من قبل عدة مسئولين ببنك الاحتياطي الفيدرالي. قال باول وأعضاء آخرون في مجلس الاحتياطي الفيدرالي على مدار أوقات مختلفة خلال الأسبوع إن البنك المركزي قد يحتاج إلى التحرك بقوة أكبر لمحاربة التضخم مع الإبقاء على رفع سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة كخيار أساسي. بالإضافة إلى ذلك، ازدادت المخاوف بشأن التضخم حيث استمرت أسعار الطاقة والسلع الأساسية في الارتفاع على خلفية الحرب الأوكرانية.
وفيما يتعلق بالعائدات، ارتفعت جميع عوائد سندات الخزانة الأمريكية، حيث قفزت عوائد السندات لأجل عامين بمقدار 33.35 نقطة أساس (أكبر زيادة أسبوعية لها منذ 2009) لتصل إلى 2.273%، وهو أعلى مستوى تسجله منذ مايو 2019. وزادت عوائد السندات لأجل 5 سنوات بنحو 40.29 نقطة أساس (أكبر زيادة أسبوعية منذ 2011) لتصل الى 2.546%، لتسجل أعلى مستوى لها منذ مارس 2019. أما على مستوى الآجال الطويلة، فقد زادت عوائد السندات ذات أجل 10 سنوات بمقدار 32.47 نقطة أساس (أكبر زيادة أسبوعية منذ 2019) لتستقر عند 2.477%، وهو أعلى مستوى لها منذ مايو 2019. وزادت عوائد 30 عامًا 16.37 نقطة أساس لتصل إلى 2.587%، مسجلة أعلى مستوى لها منذ يوليو 2019.
العملات
حقق مؤشر الدولار مكاسب خلال الأسبوع، حيث ارتفع بنسبة 0.57% ليعوض بذلك جزءًا من الخسائر التي تكبدها في الأسبوع السابق. كانت تحركات الدولار طفيفة إلى حد ما خلال تعاملات هذا الأسبوع، إذ لا يزال المستثمرون يقيّمون اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الذي مال تجاه تشديد السياسة النقدية، وينتظرون أخر المستجدات بشأن المحادثات بين موسكو وكييف. وجاءت أكبر تحركات للدولار يوم الاثنين عندما جاءت تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي، باول، اكثر حدة نحو تشديد السياسة النقدية، الأمر الذي أدى بدوره إلى زيادة توقعات السوق برفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس خلال اجتماع مارس المقبل. من ناحية أخرى، تراجع اليورو بنسبة 0.62% على خلفية التدهور واسع النطاق في شهية المستثمرين تجاه المخاطرة على مدار الأسبوع، وعلى خلفية تصريحات مسؤولي البنك المركزي الأوروبي التي مالت معظمها تجاه تخفيف السياسة النقدية، كتصريحات رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، وتصريحات عضو مجلس إدارة البنك المركزي، إجنازيو فيسكو. ولم يطرأ تغير يٌذكر على الجنيه الإسترليني، حيث ارتفع بنسبة (+0.03%) بعدما حققت العملة ارتفاعاً خلال الأسبوع الماضي. من الجدير بالذكر أن الجنيه الاسترليني حقق مكاسب كبيرة يوم الثلاثاء قبل صدور مؤشر أسعار المستهلك في البلاد. ومع ذلك، ومع اقتراب نهاية الأسبوع، تراجعت العملة على خلفية عزوف المستثمرين عن المخاطرة، وهو ما جاء مدفوعًا بحالة قلق المستثمرين من ارتفاع الأسعار. وانخفضت قيمة الين الياباني بشدة (-2.36%) على مدار الأسبوع، ليكسر بذلك مستوى 120 نقطة، إذ جاءت الخسائر نتيجة حفاظ بنك اليابان على موقفه الذي يميل إلى تيسير السياسة النقدية وذلك خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية يوم الجمعة على الرغم من تزايد الضغوط التضخمية.
الذهب
ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 1.91% لتصل إلى 1,958 دولار للأوقية، مع اندفاع المستثمرون نحو استثمارات الملاذ الآمن، وذلك في ظل تدهور معنويات المخاطرة معظم أيام هذا الأسبوع، مدفوعة بقلق المستثمرين بشأن النمو العالمي وسط تزايد الضغوط التضخمية، ووجود اضطرابات في سلاسل التوريد. علاوة على ذلك، دعمت حالة عدم اليقين المخيمة حول غزو روسيا لأوكرانيا زيادة أسعار المعدن الأصفر.
عملات الأسواق الناشئة
على صعيد عملات الأسواق الناشئة، واصل مؤشر مورجان ستانلي لعملات لأسواق الناشئة MSCI EM سلسلة المكاسب التي بدأها الأسبوع الماضي، حيث أنهى تداولات هذا الأسبوع على ارتفاع بنسبة 0.27% على الرغم من وجود تصعيدات على الجبهة الجيوسياسية، وإشارة باول وعدد من متحدثي الاحتياطي الفيدرالي في تصريحاتهم التي مالت تجاه تشديد السياسة النقدية إلى أن الأمر قد يقتضي حدوث دورة تشديد حادة. وبدأ المؤشر تعاملات هذا الأسبوع على انخفاض بنسبة (-0.11%)، وذلك في ظل إشارة باول إلى أن الاحتياطي الفيدرالي لن يتردد في تشديد السياسة النقدية بشكل حاد من خلال رفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، وفي ظل تصريح روسيا بأنه لم تحدث تطورات إيجابية في المفاوضات، مما أدى إلى استمرارها في مهاجمة ماريوبول. واستقر المؤشر يوم الثلاثاء، حيث ارتفع بمقدار (+0.01%)، مدفوعًا بالعملات المرتبطة بالسلع الأساسية والروبل الروسي، إذ أكدت روسيا على قدرتها على خدمة ديونها الخارجية، كما استأنفت تداول أدوات الدين المقومة بالعملة المحلية. وشهد المؤشر اتجاهًا مماثلًا يوم الأربعاء، حيث ارتفع بنسبة (+0.27%) في ظل ارتفاع النفط فوق مستوى 120 دولار للبرميل على خلفية تصريحات بوتين بأن الدفع لشراء صادرات الطاقة الروسية سيكون بالروبل، الأمر الذي أدى إلى رفع العملات المرتبطة بالسلع الأساسية والروبل الروسي. وانخفض المؤشر بشكل هامشي يوم الخميس (-0.02%)، إذ أعلن كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن فرض مجموعة جديدة من العقوبات على روسيا، بالإضافة إلى الكشف عن خطتهم لمساعدة أوروبا في صادرات النفط، مما أدى إلى تراجع أسعار النفط، وانخفاض العملات المرتبطة بالسلع الأساسية. ومع ذلك، أدت هجمات الحوثيين اليمنيين على منشآت نفط في المملكة العربية السعودية إلى رفع أسعار النفط والعملات المرتبطة ، مما أدى إلى ارتفاع المؤشر بنسبة (+0.12%) يوم الجمعة.
وتباين أداء عملات الأسواق الناشئة التي يتتبعها مؤشر بلومبرج، حيث حققت نصف العملات المُدرجة في المؤشر مكاسب خلال تداولات هذا الأسبوع.
وكان الريال البرازيلي الأفضل أداءً هذا الأسبوع، حيث ارتفع بنسبة (+5.91%) ليصل إلى أعلى مستوى له فيما يقرب من عامين، إذ حققت العملة مكاسب على خلفية ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ودخول تدفقات أجنبية بصورة قوية. علاوة على ذلك، أدت قراءات التضخم التي وصلت إلى أعلى مستوى لها في 7 سنوات، والتي صدرت في منتصف شهر مارس إلى توقع الأسواق باستمرار البنك المركزي بتشديد السياسة النقدية ، مما ساعد العملة على الارتفاع. وبالمثل، جاء البيزو التشيلي في المرتبة الثانية (+3.33%)، حيث حقق مكاسب في كل جلسة من جلسات تداول هذا الأسبوع تقريبًا، وذلك في ظل ارتفاع أسعار النفط والسلع الأساسية، ومع تزايد توقعات الأسواق أن يقوم البنك المركزي برفع أسعار الفائدة الأساسية بمقدار 150 نقطة أساس خلال اجتماعه في شهر مارس. وفى هذه الأثناء، كان الدولار التايواني الأسوأ أداءً، حيث تراجع بنسبة (-0.91%) ليصل إلى أسوأ مستوى له منذ ديسمبر 2020 وسط عزوف المستثمرين بشكل كبير عن المخاطرة، وخروج للتدفقات الأجنبية، وارتفاع أسعار النفط. وتراجعت العملة بشكل أكبر على خلفية المخاوف حول عدم الاستقرار الجيوسياسي، إذ أعلن وزير الدفاع التايواني عن تمديد الخدمة العسكرية الإلزامية للاستعداد ضد أي خطوات تتخذها الصين، وذلك في ظل تحذير مسئول حربي أمريكي رفيع المستوى من أنه نظرًا للغزو الروسي غير المتوقع لأوكرانيا، يمكن للصين أن تفعل المثل. وجاء الوون الكوري الجنوبي في المرتبة الثانية، إذ تراجعت العملة بنسبة (-0.86%) على خلفية حالة قلق المستثمرين تجاه مسار تشديد الاحتياطي الفيدرالي للسياسة النقدية، وتجاه تطورات الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، الأمر الذي أدى إلى خروج التدفقات الأجنبية من السوق. علاوة على ذلك، أدى إطلاق كوريا الشمالية لصاروخ باليستي عابر للقارات متبوعًا بإطلاق كوريا الجنوبية لعدة صواريخ تجريبية إلى زيادة مخاوف المستثمرين بشأن المنطقة.
البترول
ارتفعت أسعار النفط بنسبة 11.79% هذا الأسبوع بعد خسارة متتالية دامت لأسبوعين لتصل إلى 120.65 دولارًا للبرميل الواحد وسط مخاوف من زيادة اضطرابات الإمدادات بسبب العقوبات المفروضة على روسيا، والهجوم على أرامكو المملوكة للمملكة العربية السعودية، والإغلاق المطول لاتحاد خطوط أنابيب بحر قزوين عقب الأضرار الناجمة عن العاصفة، وانخفاض في مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة. ومن الجدير بالذكر أن العوامل المذكورة أعلاه دفعت الولايات المتحدة وحلفائها إلى مناقشة السحب بشكل منسق من الاحتياطيات الاستراتيجية لتخفيف اختلالات التوازن بين العرض والطلب.
أسواق الأسهم
سجلت مؤشرات الأسهم الأمريكية الرئيسية أسبوعًا آخر من المكاسب القوية، لتتمكن بذلك من تعويض الخسائر المتكبدة في بداية الشهر وتحويلها إلى مكاسب، فقد تراجعت الأسهم في بداية الأسبوع بعد أن أشار رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي، السيد جيروم باول، إلى أن الاحتياطي الفيدرالي قد يقوم بتشديد السياسة النقدية بوتيرة أكثر قوة لاحتواء معدلات التضخم المرتفعة، وجاءت الخسائر أيضًا على خلفية ارتفاع عائدات سندات الولايات المتحدة وخاصة الآجال القصيرة. ومع ذلك، ارتفع المؤشر لاحقًا بعد أن قال المدير العام لصندوق النقد الدولي إن النمو العالمي سينجح المحافظة على تحقيق معدلات إيجابية هذا العام على الرغم من الحرب في أوكرانيا. ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز S&P 500 بنسبة 1.79% خلال معاملات هذا الأسبوع ليستقر عند أعلى مستوى له في أكثر من شهر. وقاد قطاعا الصلب والزراعة المكاسب حيث صعدا بنسبة 15.76% و11.32% على التوالي، كما أظهرت أسهم التكنولوجيا أداء قويًا خلال الأسبوع مع ارتفاع مؤشر ناسداك المركب Nasdaq بنسبة 1.98٪%، ليسجل أيضا أعلى مستوى له منذ أكثر من شهر. كما ارتفعت أسهم الشركات ذات القيمة السوقية الضخمة، إذ صعدت أسهم شركة ميتا Meta Platform بنسبة (+2.46%)، وصعدت أسهم أبلInc. Apple بنسبة (+6.55%)، بينما صعدت أسهم ألفابتInc. Alphabet بنسبة (+4.08%). وارتفع مؤشر داو جونز الصناعي Dow Jones بنسبة 0.31% مسجلاً مكاسب للأسبوع الثاني على التوالي. وتراجعت تقلبات الأسواق طبقًا لقراءات مؤشر VIX لقياس تقلبات الأسواق الذي انخفض بمقدار 3.06 نقطة ليستقر عند 20.81 نقطة، أي أدنى من متوسطه للعام الحالي البالغ 25.77 نقطة منذ بداية العام. وقد خسرت الأسهم الأوروبية للمرة الأولى في ثلاثة أسابيع حيث تراجعت معنويات المخاطرة مع تقييم المستثمرين للجولة الجديدة من المفاوضات، حيث انخفض مؤشرSTOXX 600 بنسبة 0.23% ، حيث خسر 11 من أصل 20 قطاعًا مدرجين في هذا المؤشر، وقادت هذه الخسائر قطاعات البناء والمواد (-3.89%)، والسفر والترفيه (-3.20%)، بينما جاءت المكاسب بقيادة قطاع الموارد الأساسية (+6.59%) وقطاع الطاقة (+6.25%).
وبالانتقال إلى الأسواق الناشئة، واصل مؤشر مورجان ستانلي للأسواق الناشئةEM MSCI مكاسبه التي امتدت منذ الأسبوع السابق حيث ارتفع بنسبة 0.18%، وذلك بدعم من صعود أسهم التكنولوجيا الآسيوية في منتصف الأسبوع. وخسر المؤشر في كل يوم من أيام الأسبوع باستثناء يومي الثلاثاء والأربعاء، حيث زادت التصريحات التي تميل إلى تشديد السياسة النقدية، والتي أدلى بها باول والعديد من المتحدثين الفدراليين، من المخاوف تجاه بدء الاحتياطي الفيدرالي دورة تشديد للسياسة النقدية ذات وتيرة أكثر قوة، ومع زيادة المخاوف بشأن تصاعد الحرب الروسية الأوكرانية في ظل غياب التطورات الإيجابية في مفاوضات السلام وفرض المزيد من العقوبات على روسيا. وفي هذه الأثناء، تلقى المؤشر يومي الثلاثاء والأربعاء بعض الدعم على خلفية ارتفاع أسهم التكنولوجيا الآسيوية حيث خففت عملية إعادة شراء الأسهم من قبل مجموعة علي بابا، وأرباح شركة شاومي Inc. Xiamoi الفصلية من مخاوف المستثمرين بشأن تباطؤ الاقتصاد الصيني. توقف ارتفاع أسهم التكنولوجيا الآسيوية يوم الخميس بعد أن أعلنت شركة تينسنت القابضة العملاقة Tencent Holdings لوسائل التواصل الاجتماعي والألعاب عن أبطأ نمو في إيراداتها منذ إدراجها في بورصة هونج كونج في عام 2004 بسبب حملة قمع شنتها الحكومة الصينية على قطاع التكنولوجيا في البلاد.