أشرف العمدة يكتب: التضخم ..بين رابح وخاسر


الثلاثاء 09 نوفمبر 2021 | 02:00 صباحاً
اشرف العمدة

يشهد العالم حاليًا موجة من التضخم نتج على أثرها زيادة

فى الأسعار بشكل متفاوت يقترب للضعف فى بعض الأحيان، بسبب عدم وجود توازن بين

العرض والطلب على المنتجات المختلفة، ولعل من أهم المنتجات الرئيسية لتلك الأزمة

هى البترول، والذى شهد قفزات سعرية كبيرة خلال الشهرين الماضيين، ووسط توقعات

باستمراره فى عمليات الصعود ليلامس الـ 100 دولار، بعد أن شهد العالم ولأول مرة فى

تاريخه احتساب سعر برميل النفط بالسالب، بعد أن أصبح سلعة غير مرغوب فيها نتيجة

لتكلفة تخزينه مقارنة بسعره، بالتوازى مع استكمال العقود الآجلة الخاصة بالتنقيب

بالدول المنتجة للنفط.

 موجة الإغلاق التى قامت بها العديد من الدول الكبرى

نتيجة لتفشى فيروس كورونا، أدى لتقليص الإقبال على المنتجات المختلفة والتى تمثل

عصب الاقتصاد بكل دولة، مع تخفيض نسب الانتاج بعدد كبير من الدول، ونتيجة لتوصل

العالم للعديد من الأمصال واللقاحات الخاصة بالفيروس، وبدء تعميمها على مستوى كبير،

وزيادة أعداد الحاصلين على تلك اللقاحات، وهذا ساعد دول العالم للعودة تدريجيًا

لانتظام العمل وعودة الانتاج مرة أخرى.

 العودة التى أقرتها دول العالم ارتطمت بحاجز انخفاض

المخزون الاستراتيجى من السلع الناتجة من تقليص الانتاج، وهو ما قُبل بطلب كبير من

المواطنين مع ثبات نسبة الانتاج لما كانت عليه قبل قرار العودة، مما تسبب فى فجوة

بين العرض والطلب، ساهمت بشكل مباشر فى ظهور أزمة التضخم التى يعانى منها العالم

لفترات قد تطول، والتى يصاحبها تحرك فى أسعار المنتج الأساسى فى العالم وهو

البترول، لتصل أسعاره خلال الفترة الراهنة ليتقرب من 90 دولارًا، مع وجود مؤشرات

بأنه مستمر فى الارتفاع ليلامس الـ 100 دولار خلال الربع الأول من 2022.

 العالم بحاجة لنحو 1.5 مليون برميل إضافية من النفط

يوميًا لإعادة الوقع لسابق عهده، حيث نتج عجز الانتاج البترول من توجيه جزء من

استثمارات شركات منظمة الأوبك إلى البنوك المركزية لتكون مدخرات بنكية، وبلغت تلك

المدخرات بما يزيد على 600 مليار دولار، تحولت من قطاع  النفط إلى القطاع المصرفى العالمى، وقد تستغرق

تلك الشركات للعودة لعملها بشكل منتظم لما بين 6 إلى 12 شهرًا، وذلك لتفعيل العقود

الآجلة مع الدول المنتجة للنفط، وأيضا زيادة أعمال النتقيب على البترول، هذا

بالتوازى مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لعودة الأموال والمدخرات التى حُولِت من

القطاع البترولى إليه مرة أخرى.

 موجة التضخم العالمية ستؤثر على جميع القطاعات

الاستثمارية ولكن بنسب متفاوتة، إلا أن القطاع العقارى من أكثر القطاعات التى

ستتأثر بشكل مباشر من عملية التضخم نتيجة لاعتمادها بشكل رئيسى على المنتجات

المرهونة ببورصات، سواء لمنتجات الحديد أو الأسمنت وأيضا المواد الخام المستخدمة

فى الواجهات والتشطيبات النهائية للمنتج العقارى، بنسب تقترب من 25% إلى 30%،

لتؤكد الأزمات دائمًا على وجود طرفين الأول وهو الطرف الخاسر والثانى وهو الطرف الرابح

ولو بنسب مختلفة حسب النشاط الاستثمارى.

 ومن المفارقات الكبيرة بالسوق العقارى خاصة المصرى بأن

نسب التأثر بموجة التضخم العالمية لن تصل نسبتها مقارنة بالدول الأخرى، وذلك نتيجة

لقيام العديد من الشركات العقارية التى أعلنت عن مشروعات لها بتنفيذ نسب كبيرة

منها خاصة بمشروعات العاصمة الإدارية الجديدة، مما يؤكد أن نسبة المخاطر قد لا

تتعدى الـ 10% بما هو تم وما سيتم.

 الخاسر الأكبر فى قطاع الاستثمار العقارى هى الشركات

التى قامت بتسويق مشروعاتها قبل البدء فى عمليات التنفيذ، والتى لن تتعاقد على

أسعار مواد الخام المستخدمة فى عمليات التنفيذ، بجانب الشركات التى تمتلك مشروعات

بمساحات صغيرة لن تؤهلها لتعويض نسب زيادة التكلفة مقارنة بما تم التسويق به من

أسعار، وبالتالى لن تتمكن من تعويض فارق التكلفة نتيجة للأسعار الجديدة للمواد

الخام.

 واستكمالًا لمسلسل الخسائر والتى تتصدره الشركات التى لن

تعدل أسعار البيع بما يتوازن مع أسعار التكلفة، بجانب وجود عروض تنافسية أو ما

يطلق عليه «حرق أسعار»، وعدم امتلاكها البدائل التمويلية لتنفيذ هذه المشروعات.

 أما الرابح فى هذه الموجة هو الشركات الكبرى التى تتميز

بامتلاكها مخزونًا من الوحدات السكنية جاهزة الإنشاء ولن يتم تسويقها، مع امتلاكها

مشروعات ذات مساحات كبيرة تتمكن من خلالها تعويض فارق الأسعار الخاصة بمواد الخام،

بجانب الشركات التى خفضت نسب المبيعات بمشروعاتها لحين وضوح الرؤية.