قال الدكتور محمود محيى الدين لمدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي وعضو مجلس إدارته الممثل عن مصر والدول العربية، إن العالم مازال في إطار التعامل مع 3 أزمات متزامنة؛ الأولى هي الأزمة الصحية التي مازالت معاناتها مستمرة عالميًا بعد وصول حالات الإصابة لما يتجاوز 28 مليون حالة حول العالم، وعلمًا بعدد وفيات 2.8 مليون حالة وفاة، وهناك حديث في عدد من البلدان حول احتمالية حدوث موجة رابعة من ازديدا الحالات، إذا لم يتدارك الأمر من خلال توفير القاح، ومن خلال استمرار تفعيل قواعد التباعد الاجتماعي.
وأضاف في كلمة مصورة عبر الفيديو خلال فاعليات مؤتمر حابي السنوي الثالث، أن الخروج من الأزمة الصحية يستوجب ضرورة العمل على العدالة في الوصول إلى اللقاح؛ والمشكلة كبيرة كما أشارت منظمة الصحة العالمية والأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، ومؤخرًا ما قالته المديرة الجديدة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو ، من أن هناك 10 دول فقط قامت بتوفير ما يعادل 70% من اللقاح عالميًا، في حين أن هناك دول أخرى لم تحصل حتى الأن على جرعة واحدة.
وتابع، أن الآلية التي صُممت بدعم منظمة الصحة العالمية المسئولة عن توفير اللقاح للدول النامية والأقل دخلاً "كوفاكس" مازالت تعاني ليس فقط من عجز التمويل ولكن أيضًا في اللقاحات التي يمكن أن تتعاقد عليها خاصة بعد أن قامت عدد من الدول المتقدمة بالمبالغة في التعاقد، لدرجة أن هناك بعض البلدان أعطت اللقاحات لعدد مواطنيها من اللقاحات على حساب الدول الأفقر.
وأكمل: "يجب أن يكون هناك إدراك ووعي بأن القضاء والسيطرة على هذه الجائحة في انتشارها لن يمكن طالما كانت هناك مثل هذه التفاوتات والتجاوزات وهو ما حذرنا منه من قبل، وأعتقد أن صحيفة حابي قامت بنشر مقال بنفس هذا المعنى في ديسمبر الماضي، وذلك بعد تطوير اللقاحات، والمشكلة كان هناك تعارف عليها من البداية، ولكن التدابير المطلوبة لم يتم اتخاذها، ونرجو أنه يكون في الأسابيع القادمة حل في هذا الأمر".
أما عن الأزمة الثانية، قال دكتور محيي الدين، إنها ترتبط بالأداء الاقتصادي لأن العام الماضي كان هناك حالة ركود رسميًا حول الاقتصاد العالمي الذي تراجع بمعدلات النمو إلى حيز سلبي، ورقم النمو كان -3.4%، وفقًا لإحصاءات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وأضاف، أن توقعات العام الحالي مرتبطة بالقدرة على السيطرة على الأزمة الصحية والجائحة، وتشير إلى تحقيق معدل نمو تقترب 5.6% ، إذًا ما خسره العالم في العام الماضي، سوف يعوضه أكثر في هذا العام، ولكن هذا النمو ليس متوازنًا وشاملاً لكل دول العالم، لأن هناك دول سوف تكون معدلات نموها أقل من ذلك بكثير بما في ذلك عدد من دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وذكر، أن منع تحول ركود العام الماضي إلى استمرار انخفاض معدلات النمو في الدول النامية والدول ذات الأسواق الناشئة يتطلب زيادة في الاستثمارات العامة والخاصة، متابعًا: "ما وجدناه حول العام أن الدول الأكثر تقدمَا من الناحية الاقتصادية رصدت وقامت بإنفاق ما يتجاوز 10% من دخولها القومية في العام الماضي، وجدنا الاتحاد الاوروبي يوفر حزم مالية تقدر بـ 2.2 تريليون دولار، وجدناه أيضًا يقوم بعمل صندوق، للتعافي بأن الدول تقوم بالإنفاق والتمويل مجتمعًا فيما يعد في تقديري إعادة إحياء لدور الاتحاد الاوروبي، ووجدنا في الولايات المتحدة حزم تمويلية متوالية في العام الماضي، حيث أنفقت حوالي 2.2 تريليون دولار، وفي بداية هذا العام مع تولي الرئيس الأمريكي الجديد الحكم هناك أيضًا إنفاق إضافي بحوالي 1.9 تريليون دولار في النفاق على التعليم والرعاية الصحية والبنية الأساسية"
وقال: " هناك أيضًا حزمة تمويلية إضافية ثالثة تقدر بحوالي 3.3 تريليون دولار، مازالت محل نقاش وبحث، ولكن الجانب الأكبر منها حوالي الثلثين يتم إنفاقهم على البنية الأساسية، وهنا بتعريف واسع للبنية الأساسية يشمل الطرق والكباري والسكك الحديدية وتطوير المرافق الرئيسية، وأيضًا يشمل البنية التكنولوجية والرقمية، وتقوم الولايات المتحدة الأمريكية باعتبار أن هذا النوع من الاستثمار هو المولد لفرص العمل، وأيضًا لتعزيز تنافسيتها دوليًا في الإطار الذي نراه من سباق شديد في مجال الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات".
وأشار إلى أن دول مثل كوريا الجنوبية تستثمر استثمارات ضخمة تتجاوز 140 مليار دولار على مدار 4 سنوات، تركز على التمويل الذكي والتمويل الأخضر في ذات الوقت.
أما الأزمة الثالثة، فهي تتعلق بزيادة المديونيات حول العالم، وهي مشكلة كانت سابقة على الجائحة، ففي نهاية عام 2019، كانت هناك تقديرات بأن العالم قد وصل إلى ما يعرف بالموجة الرابعة من زيادة تراكم المديونيات، وللعلم إن الموجات الثلاث السابقة انتهت بأزمة؛ في أمريكا اللاتينية، كانت هناك أزمة في السبعينات والثمانينات، هناك الأزمة الشهيرة أزمة دول جنوب شرق آسيا في التسعينيات، ثم الأزمة المالية العالمية في 2008، وفق الدكتور محمود محيي الدين.
وقال: " ما نرجوه أن هذه الزيادة في المديونية حول العالم لا تنتهي كسابقتها إلى أزمة كما حدث من قبل، وما يمنع حدوث الأزمة هو أن يكون هناك تعاون دولي في توفير السيولة لمنع زيادة حالات التعثر".
وأكد على وجود اهتمام كبير بالدول الأقل دخلاً، ولكن أن الدول متوسطة الدخل لا تلقى ذات الدرجة من الاهتمام، ويجب التعاون دوليًا من خلال إنشاء آليات لمساندة الدول المتوسطة الدخل، وتوفير القدرات المساندة لها، ليس فقط في مجال التعاون من أجل منع تحول المديونيات إلى أزمات، ولكن أيضًا من أجل توفير التمويل والسيولة والمساندة للاستثمارات في إجراء التعافي.
وأشار إلى الأوضاع الاقتصادية في مصر، وقال إن مصر في العام الماضي كانت من الدول القلية حول العالم التي استطاعت الحفاظ على معدل نمو اقتصادي برقم موجب يقدر بحوالي 3.5% من عدد من المؤسسات الدولية، وهناك توقع بان يستمر هذا النمو في رقم موجب يتراوح ما بين 2.8% إلى 3% في هذا العام وفق للتقديرات المختلفة التي تتابع الأداء الاقتصادي المصر،
وأضاف: "هذا مهم أن نضعه أيضًا في السياق الإقليمي لأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كان لديها تراجع في معدلات النمو خلال العام الماضي، بحوالي 3.8%، ما يعني انكماش اقتصادي في حدود 4% تقريبًا، والمقدر في هذا العام وجود رقم للنمو مقدر بحوالي 2.2% يعني أقل من الرقم النمو بالنسبة للاقتصاد العالمي خلال العام نفسه".
ولفت إلى أن الوضع الحالي يستلزم استكمال الاستثمارات الهامة التي تتم حاليًا، فالدول التي لها تقديرات أعلى في التعافي هي التي تنفق إنفاقًا استثماريًا عامًا وخاصًة في مجالات البنية الأساسية، والأهم من ذلك أيضًا في الحالة المصرية هو الاستمرار في رأس المال البشري في التعليم والرعاية الصحية والنظم المساندة للضمان الاجتماعي.
وأشار إلى أن هناك اهتمامًا أيضًا في مصر بقطاع التحول الرقمي، وهو ما يعد إضافة للقدرة الإنتاجية بالنسبة للاقتصاد، وكذلك للقدرة التنافسية، هذا إضافة إلى التيسير في عمليات الإنتاج ورفع للقدرات الخاصة بالقطاعات المنتجة إذا ما أحسنت استثمارها في مجالات الربط بهذا التحول الرقمي.
ونوه إلى أن هناك 3 أبعاد لها الأولوية في الاستثمار خلال المرحلة المقبلة، وهي؛ التحول الرقمي، والاستثمار في البنية المساندة لاقتصاد تنافسي يعتمد على التصدير، وهناك رقم معلن وطموح لزيادة الصادرات المصرية من أرقامها الحالية التي تقل عن 35 مليار دولا إلى ما يقترب من 100 مليار دولار وفق خطة زمنية، وهذه الخطة تحتاج إلى مساندة كبرى في مجالات النمو والتشغيل ونظم المساندة المؤسسية واللوجيستية، والتيسير بالنسبة للقطاع الخاص في هذا الشأن.
واختتم الدكتور محيي الدين كلمته قائلاً: "الأمر الأخير، وهو عن أهم مشروع قومي على الإطلاق، ويعد في إطار منافسة مع مشروعات قومية كبيرة متعددة تشهدها بلادنا في هذه الفترة، وإذا كان لي أن أختار أحد المشروعات والذي سيكون له اعتبار كبير في تحقيق التنمية المستدامة، وفي القضاء على الفقر وزيادة العدالة بين المصريين، والعدالة في توزيع الدخل، وفرص العمل؛ سوف يكون هو المشروع المرتبط بتطوير وتنمية القرى المصرية وهو المشروع الأهم في إتاحة فرص جيدة في تنمية البنية الأساسية لزيادة القدرات والكفاءة للمرافق العامة لتحسين التعليم والرعاية الصحية، وإيجاد فرص العمل الجيدة واللائقة والمنتظمة في القرى والإحياء المنتفعة بهذا المشروع الحيوي والبداية بتطوير 1500 قرية تعتبر بداية كبيرة ولها فرص مهمة في الاستثمارات العامة، وأيضًا الاستثمارات الخاصة".