رئيس مجلس إدارة البنك الملكي الأسكتلندي: ارتباط جوهري بين الاستقرار المالي وحفظ المناخ


الاثنين 08 مارس 2021 | 02:00 صباحاً

قد يبدو تحول مساهمة البنوك المركزية في مكافحة تغير المناخ إلى قمة أجندة

صُناع السياسات أمراً مُفاجئاً، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها في الوقت

الحاضر، لكن إذا نظرنا عن كثب سنكتشف السبب: قد تميل الميزانيات العمومية للبنوك

المركزية، التي تضخمت بعد عقد من برامج شراء الأصول (ما يسمى التيسير الكمي)، نحو

الحيازات التي تُعوّق الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر.

على سبيل المثال، خلص الباحثون في كلية لندن للاقتصاد إلى أنه على

الرغم من أن مرافق الطاقة لا تشكل سوى 5٪ من سندات الشركات المُقومة باليورو، إلا

أنها تمثل 25 % من مشتريات سندات البنك المركزي الأوروبي في الفترة ما بين عامي

2014 و2017. وعلى نحو مماثل، تُقدر منظمة «السلام الأخضر» أن الوقود الأحفوري كان

يُمثّل نحو ربع مشتريات البنك المركزي الأوروبي من الأصول في الموجة الأولى من

التسهيل الكمي.

بالنظر إلى هذه النتائج، يُعد التركيز المُتجدد على استراتيجية البنك المركزي

الأوروبي لشراء الأصول استجابة لأزمة وباء كوفيد 19 أمراً مُبرراً ومنطقياً.

ولكنها منطقة جديدة نسبياً بالنسبة للبنوك المركزية، ولذلك من المفهوم أيضاً أن

التوصل إلى توافق في الآراء بشأن دورها المناسب في السياسة المُناخية ليس بالأمر

السهل.

إيزابيل شنابل، التي تم تعيينها مؤخراً عضوة في المجلس التنفيذي في البنك

المركزي الأوروبي، تدافع عن فكرة الأخذ بعين الاعتبار أخطار تغير المناخ. تُجادل

بأنه يتعين على البنك المركزي الأوروبي من خلال دوره كهيئة إشرافية «التأكد من

تقييم البنوك للأخطار الناجمة عن التعرض المُكثف للكربون تقييماً سليماً»، وأنه

يجب أن يأخذ بعين الاعتبار نظام الكشف عن البيانات (في ما يتعلق بالأخطار

المناخية) الخاصة بالشركات.

لا يبدو أن هذا النهج يحظى بدعم الأغلبية في مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي.

وفقاً لصحيفة فاينانشيال تايمز، كان هناك «تردد واسع النطاق» في اجتماع مجلس

الإدارة الأخير في ما يتعلق «بأخذ زمام المبادرة في معالجة القضايا البيئية مع

تفضيل ترك هذه المهمة للحكومات».

في الوقت الحالي، تلتزم رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد الحياد

بمهارة. في شهر كانون الثاني/‏‏ يناير الماضي، أنشأت مركزاً جديداً لتغير المناخ

في مقر البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت. إنه مركز صغير - «يضم نحو عشرة موظفين» - وسوف يعمل على «تصميم وتوجيه أجندة البنك

المركزي الأوروبي في التعامل مع أزمة تغير المناخ».

ومع ذلك، في خطاب ألقته في يناير الماضي، شددت لاجارد أن البنك المركزي

الأوروبي سيساهم في الجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ «في حدود ولايته، فضلاً عن العمل جنباً إلى جنب مع المسؤولين عن سياسة المناخ».

وفقاً لهذا الوضع، لا يبدو أن البنك المركزي يُعد من بين «المسؤولين»، على الرغم من أن لاجارد تركت لنفسها مجالاً للمناورة.

على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، وصل بنك الاحتياطي الفيدرالي متأخراً

نسبياً إلى هذه الحفلة، ولا يزال غير متأكد مما إذا كان يعتزم الرقص أم لا. قاد

بنك فرنسا وبنك إنجلترا (BOE) الجهود الرامية إلى إنشاء شبكة البنوك المركزية وهيئات الرقابة المالية

الهادفة للتحول إلى النظام المالي الأخضر (NGFS) في نهاية عام 2017، ولكن بنك الاحتياطي الفيدرالي رفض الانضمام إلى أن

يترك الرئيس دونالد ترامب منصبه.

أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي اليوم عن انضمامه لعضوية الشبكة، ولكن اللغة

المُستخدمة من قبل السلطات الأمريكية تشير إلى أن السلطات النقدية والتنظيمية تلعب

دوراً محدوداً إلى حد ما. وذكر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جاي باول في ديسمبر

الماضي أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد «ابتعد تقليدياً عن القيام بدور في تخصيص

الائتمان» وأشار إلى أن الاحتياطي الفيدرالي يفتقر إلى تفويض من الكونجرس لمكافحة

تغير المناخ.

وقد ذهبت وزيرة الخزانة الأمريكية الجديدة جانيت يلين إلى أبعد من ذلك في

تصريحاتها. في جلسة الاستماع الافتتاحية في مجلس الشيوخ، أكدت أن فكرة إجراء

اختبارات الإجهاد المناخي على البنوك «مثيرة للقلق بشكل خاص». ويقوم بنك إنجلترا

بفعل ذلك بالضبط هذا العام، وقد دعمت مجموعة الثلاثين هذه الخطوة بقوة في هذا

التقرير الأخير. ومع ذلك، وفقاً ليلين، «تفتقر الجهات التنظيمية المالية إلى

الخبرة اللازمة لوضع السياسة البيئية». كما رفضت بشدة «الاقتراحات الأخيرة لتعزيز

أجندة سياسة بيئية ليبرالية من خلال تنظيم البنوك».

كانت النقطة الرئيسة التي أشارت إليها يلين هي أن الكثير من نماذج الأخطار

المناخية التي تعتمدها البنوك تُشكل نماذج لأخطار التدخل التنظيمي، بدلاً من

الأخطار المناخية نفسها. وفقاً لهذا التحليل، تم تصميم اختبارات الإجهاد المُتعلقة

بتغير المناخ للبنوك «لمنع تلك المؤسسات من الاحتفاظ بأصول معينة كشكل من أشكال

العقاب غير المباشر ضد الصناعات غير المرغوب فيها مثل النفط والغاز».

هذه ليست اللغة التي كان مارك كارني ليستخدمها عندما كان حاكماً لبنك إنجلترا.

من المؤكد أن هناك متشككين في البنك المركزي الأوروبي أيضاً، مثل جينس ويدمان،

رئيس البنك المركزي الألماني، الذي دعا إلى توخي الحذر ودعم ربط عمليات شراء

الأصول بعملية الكشف عن البيانات المُتعلقة بالمناخ. ولكن لم يذهب أي منهم إلى

أبعد من يلين في إبعاد البنك المركزي عن السياسة المناخية.

ستكون المناقشات في إطار «الشبكة الهادفة للتحول إلى النظام المالي الأخضر»

أكثر إثارة للاهتمام بعد انضمام بنك الاحتياطي الفيدرالي. وسيحتاج محافظو البنوك

المركزية الخضراء إلى تبرير حُججهم وشرح سبب توافق السياسة النقدية الأكثر نشاطاً

مع صلاحياتهم.

ربما كان من أجل التحضير لتلك المعركة القادمة أن دعا البنك المركزي الأوروبي

الاقتصادي جون كوكرين من مؤسسة هوفر للتحدث في المؤتمر المُنعقد حول السياسة

النقدية في نهاية العام الماضي. كانت رسالته واضحة:

«تندفع البنوك المركزية بتهور نحو اعتماد سياسة

مناخية. وهذا خطأ. من شأن ذلك أن يُدمر استقلالية البنوك المركزية، وقدرتها على

أداء مهامها الرئيسة للسيطرة على التضخم ووقف الأزمات المالية، فضلاً عن تراجع ثقة

الناس بحيادها وكفاءتها الفنية. ولن يساعد على حل أزمة المناخ».

بصرف النظر عن رأي كوكرين، إنها فكرة جيدة.

كان أساس حجة كوكرين هو أن تعريف الأصول «الخضراء» و«البُنية» قد أصبح موضع

نزاع، وأنه من المستحيل تقييم تأثير أي إجراء من إجراءات البنك المركزي في ظاهرة

الاحتباس الحراري. علاوة على ذلك، قد يواجه البنك المركزي الأوروبي ضغوطاً هائلة

لدعم الاستثمارات المفضلة الأخرى، لأسباب أقل استدامة وجدارة. قد يبالغ كوكرين في

موقفه.

ولكن من أجل الرد على هذه الانتقادات، يتعين على البنوك المركزية وضع سياسة

أكثر نشاطاً وفعالية لمكافحة تغير المناخ مع تفسير مقنع لمهامها الرئيسة. يجب أن

يكون ذلك ممكناً، إذ توجد حجج منطقية تدعم الافتراض بأن تغير المناخ يُهدد

الاستقرار المالي - وربما الاستقرار النقدي أيضاً. يجب أن يبدأ مركز تغير المناخ

الجديد التابع للبنك المركزي الأوروبي بالعمل لتعزيز هذه القضية.