"كورونا" تطارد الاقتصاد الدولي بالإفلاس


الثلاثاء 02 فبراير 2021 | 02:00 صباحاً
عبدالله محمود

أصبح الأمل فى التعافى الصحى على نفس درجة الأمل فى تحقيق الانتعاش الاقتصادى، فكلاهما يحتاج إلى غرفة العناية المركزة ،من أجل الشفاء ،فقد تجاوزعدد وفيات فيروس كورونا فى العالم حاجز المليونين، وتخطى حجم خسائر الاقتصاد العالمى حدود 12 تريليون دولار.والأزمة لا تزال حادة، حيث إن الوضع لايتحسن والجائحة مستمرة فى التفاقم ، ففى الولايات المتحدة أعلن الرئيس الأمريكى جو بايدن عن ضرورة اتخاذ إجراءات حازمة وجريئة لمواجهة الأزمة الاقتصادية ، عقب تحقيق عجز قياسى لعام كامل بلغ 3.132 تريليون دولار للسنة المالية 2020، بسبب تكاليف الدعم المرتبط ب كوفيد - 19 . وإذا كان هذا هو الوضع الذى تواجهه دولة عظمى، اقتصادها يحتل المرتبة الأولى فى قائمة اقتصادات العالم وتستحوذ على 24٫4%من الناتج العالمى، فما بالنا بالوضع الاقتصادى فى دول أخرى.

وفى دولة مثل البرازيل التى كانت تحتل المرتبة التاسعة بقائمة أكبر 10 اقتصادات فى العالم، تسببت الجائحة وما نتج عنها من تدهور اقتصادى فى دفع البلاد إلى إعلان إفلاسها.

وقال الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو «البرازيل مفلسة، وليس هناك ما يمكننى القيام به، السبب هذا الفيروس الذى غذاه الإعلام». مضيفًا: «أردت تعديل الشرائح الضريبية، وهو الإصلاح المتعلق برفع مستوى الدخل المعفى من الضرائب.ولكن القيود التى تم فرضها للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد ،الذى أودى بحياة ما يقرب من 19 8 ألف شخص فى البرازيل أدى إلى الانهيارالاقتصادى» ولقد تم تقديم مساعدة طارئة على مدى 9 أشهر إلى 68 مليون برازيلى، أى ما يقرب من ثلث السكان، لكنها توقفت هذا الشهر،خشية ارتفاع مستوى العجز والدين العام الذى قد يضع البلاد على «حافة الهاوية الاجتماعية».

إن الدول لا تفلس بالشكل المتعارف عليه بالنسبة للشركات والمؤسسات الاستثمارية، فالدولة لها سيادتها الخاصة ولا يسمح القانون الدولى بتجاوزها ومؤشر قوة اقتصاد أى دولة هو ناتجها المحلى الإجمالي.ولكن قد تعجز الدول عن سداد ديونها، وتكون غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية ،مثل دفع الرواتب والأجور،وتكاليف الاستيراد،مما يمثل قصورا ماليا، لا تستطيع معه تسيير الأمور الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد.وهوما يعرف بإفلاس الدول.

ومن أهم أسبابه انخفاض الإيرادات العامة مما قد يؤدى إلى ارتفاع فى المديونية ،أو نتيجة أزمة اقتصادية حادة ناجمة عن سياسات خاطئة، أو بسبب تورط الدولة فى حرب ما. وهناك إجراءات حازمة تلجأ لها الدول قبل إعلان إفلاسها، مثل زيادة الضرائب وخفض النفقات العامة ووقف التوظيف. أو تلجأ إلى الاقتراض من المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولى أو نادى باريس أو البلاد الصديقة،وهو عرف دولى .ولكن فى حال إعلان الدولة إفلاسها، يندفع المستثمرون وأصحاب المدخرات لسحب أموالهم من الحسابات المصرفية ونقلها خارج البلاد، ومن أجل تجنب ذلك تقوم بعض الحكومات بإغلاق البنوك وفرض قيود على حركة رءوس الأموال. وعلى الصعيد الخارجى ، تصدر وكالات التصنيف الائتمانى تحذيرات بشأن الاستثمار فى الدولة المفلسة، كما تتم تسوية الديون أو إعادة هيكلتها وجدولتها بين الحكومات المتعثرة والدائنين. لذا فإن المديونيات الخارجية ،مع عدم توافر العملة الأجنبية داخل الدولة المتعثرة اقتصاديا فضلا، عن انخفاض قيمة عملتها المحلية هى أهم الأسباب وراء إعلان الدول إفلاسها.

وقد حذرت كريستالينا جورجيفا، رئيسة صندوق النقد الدولى ،من احتمال عجز عدد كبير من الدول الأشد فقرا فى العالم عن سداد ديونها ،إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن خطة لتخفيف أعباء خدمة ديون هذه الدول ،من خلال تعليق سداد الأقساط أو إعادة جدولتها. وقالت جورجيفا، إن الفشل فى تقديم خطة دولية لتخفيف وإعادة جدولة الديون «سيؤدى إلى خيار حتمى أسوأ وهو حالات الإفلاس المضطربة... نحن نستطيع منع ذلك». وكانت قد صرحت بأن التأقلم مع وجود الوباء والسياسات النقدية للبنوك المركزية وحزم التحفيز المالية، التى تجاوزت قيمتها 12 تريليون دولار، لعبت دورا مهما فى الحد من تداعيات الفيروس على الاقتصاد العالمى.

كما أشارت وكالة بلومبرج إلى أن مستثمرى القطاع الخاص الدولى، أعلنوا استعدادهم لتوفير السيولة النقدية للدول ذات الدخل المنخفض من أجل تخفيف عبء أقساط ديون تستحق السداد بقيمة 140 مليار دولار ومساعدة الدول الفقيرة فى مكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد ( كوفيد - 19 )، ونظرا لأن مبادرة مستثمرى القطاع الخاص اختيارية، فإنها قد تعنى أنها قد لا تكفى لتخفيف أعباء ديون بعض الدول النامية، بحسب منظمة «حملة اليوبيل الديون» الدولية المعنية بالدفاع عن الدول الفقيرة وتخفيف أعباء الديون .

ويرى خبراء الاقتصاد، أن الوباء الذى أوقف عجلة الاقتصاد العالمى، أربك الدول الغنية وأنهك الدول الفقيرة، وأن التأثيرات الاقتصادية ستستمر حتى منتصف عام 2021 على أقل تقدير، وهو ما ينعكس بشكل سلبى كبيرعلى اقتصاد الدول خاصة تلك التى دخلت فى عمليات الإغلاق. وأشار تقرير لمنظمة الشئون الإنسانية والإغاثة بالأمم المتحدة إلى أن نحو 235 مليون شخص فى العالم سيحتاجون إلى نوع من المساعدة الطارئة هذا العام ، أى بزيادة قدرها 40% مقارنة بعام 2020.و أن ظهور سلالات أخرى من وباء كورونا جعل العالم يدخل فى مرحلة الترقب والخوف من القادم.

ولكن البنك الدولى، أكد أن الاقتصاد العالمى من المتوقع أن ينمو بنسبة 4٪ فى عام 2021، بافتراض أن لقاح فيروس كورونا سيتوافر على نطاق واسع خلال العام.وأشار تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية إلى أنه رغم النمو المتوقع، من المرجح أن يكون الانتعاش ضعيفا ما لم يتحرك صانعو السياسات بشكل حاسم لترويض الوباء وتنفيذ إصلاحات تعزز الاستثمار.ومن المتوقع أن تشهد منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ أكبر نمو اقتصادى بنسبة 7.4٪ فى عام 2021، بينما سينمو النشاط الاقتصادى فى أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى بنسبة 3.7٪ فى عام 2021.أما فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فمن المتوقع أن ينمو النشاط الاقتصادى بنسبة 2.1٪ هذا العام، فى حين سينمو الاقتصاد الإقليمى فى أوروبا وآسيا الوسطى بنسبة 3.3٪ هذا العام، وفى جنوب آسيا بنسبة 3.3٪، وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 2.7٪.

وعلى الرغم من انطلاق فيروس كورونا من الصين ،فإنها الدولة الوحيدة عالميا التى تشير توقعات صندوق النقد إلى تعافٍ سريع للنمو لدى العملاق الآسيوي، ثانى أكبر اقتصاد فى العالم خلال عام 2021. وفى المقابل، ستكون عودة النمو إلى أكبر اقتصاد عالمى صعبة، إذ ما زالت الولايات المتحدة تعانى ارتفاعا سريعا فى أعداد المصابين والوفيات جراء فيروس كورونا. والخروج من الأزمة، يتركز على مدى نجاح وسرعة توزيع اللقاحات المكتشفة.

والاقتصاد الأمريكى لن يسجل أى نسبة نمو أعلى من مستوى 3.5 % قبل انقضاء الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، وهذه التوقعات مرتبطة بحزم التحفيز التى أقرتها الحكومة الأمريكية، .وتوقعت المفوضية الأوروبية ،أن يعود النمو ولو بشكل خجول للاقتصاد الأوروبى خلال عام 2021، والتوقعات الاقتصادية قاتمة ، وتشير إلى أن التضخم فى منطقة اليورو سيصل إلى 1.4 % بحلول عام 2023.

وجدير بالذكر، أن شبح الإفلاس الذى يهدد بعض الدول بسبب تداعيات كورونا، ليس بجديد على ساحة الاقتصاد العالمى،بالرغم من اختلاف أسبابه،فخلال القرنين السابقين، قرابة نصف دول أوروبا، و40% من دول إفريقيا، و30% من دول آسيا أعلنت إفلاسها. 

ومن بين بلدان العالم الأكثر وقوعا فى الإفلاس، تتصدر الإكوادورالقائمة، التى أعلنت إفلاسها 10 مرات، وبعدها تأتى البرازيل و المكسيك، وأوروجواي، وتشيلي، وكوستاريكا، وإسبانيا، وروسيا، بإعلان إفلاسها 9 مرات. كما عانت ألمانيا الإفلاس 8 مرات، تليها الولايات المتحدة الأمريكية بـ 5 مرات،و الصين وبريطانيا بـ 4 مرات، واليابان بمرتين.