«كورونا» يدفع بالسوق العقارى الآسيوى إلى القمة فى 2021


الاحد 31 يناير 2021 | 02:00 صباحاً
هايدى فرنسيس

عام تقريبًا أو ما يزيد قليلًا مر على ظهور جائحة كورونا التى تسببت فى توقف وتدهور الكثير من القطاعات الاقتصادية بمختلف البلدان على حد السواء كبرى كانت أو صغرى، والقطاع العقارى من بين القطاعات التى طالتها الجائحة بقسوة، وربما يكون الأكثر تضررًا جراء سياسات الإغلاق التى تبنتها كثير من الدول كوسيلة للتصدى لانتشار الفيروس، وأيضًا نتيجة حالة عدم اليقين التى تسود فى الأسواق.

وتشير التقديرات المتاحة إلى تراجع المؤشر العالمى للأسهم العقارية العام الماضى 10 فى المائة، وانخفاض الاستثمار العقارى العالمى 33 فى المائة فى النصف الأول من العام الماضى.

وتلقت منطقة آسيا والمحيط الهادئ الضربة الأكبر، فانخفضت أحجام التداول فى أسهم الشركات العقارية 45 فى المائة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 201، والوضع بالنسبة لشركات العقارات الأمريكية لم يكن أقل سوءًا، حيث انخفضت الاستثمارات العقارية فى الولايات المتحدة 36 فى المائة وفى أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا 16 فى المائة.

وبحسب تقرير أعدته صحيفة التايمز البريطانية ، فإن هناك عددًا من الأسئلة التى تدور حول أداء قطاع العقارات مستقبلًا؟ ويزداد السؤال إلحاًحا مع إعادة تنشيط الأعمال فى بعض البلدان التى ضربها الفيروس بشدة مثل الصين، لكن ضمن أطر تنظيمية جديدة دخلت على سوق العمل وأنماطه الإنتاجية نتيجة الوباء، فكيف سيؤثر التباعد الاجتماعى على سبيل المثال فى الصناعة العقارية عند الحديث عن المساحات المستقبلية للعقارات الإدارية أو التجارية، فهل ستقلل المؤسسات والشركات من حاجتها إلى مكاتب، وإلى أى مدى يمكن أن ينجم عن الركود الاقتصادى وانقطاع عديد من الأفراد عن توليد دخول كافية لحياتهم اليومية، وانعكاس ذلك فى انخفاض الطلب العالمى على العقارات السكانية.

وحتى بعيدًا عن التحديات المباشرة التى تواجه القطاع العقارى، فكلما طال أمد الأزمة زاد معه احتمال الرؤية لتغييرات مؤقتة أو دائمة فى السلوك، بما له من تداعيات على القطاع العقارى سلبًا أو إيجابًا على هذا النحو.

وتعتقد كبرى الشركات العقارية فى العالم، أن الوقت حان للاستجابة للتهديدات الحالية والمقبلة لفيروس كورونا، وللعمل على إرساء الأسس للتعامل مع ما قد يكون تغييرات دائمة تواجه الصناعة بعد انتهاء الأزمة، وهو ما يدفع بعديد من قادة الصناعة العقارية للقول إن وقت اتخاذ إجراءات جذرية استعدادًا للمستقبل قد حان.

من جانبه، أعرب المطور العقارى جيرمى سكوت، عن قناعته بأن كثيرًا من الشركات الدولية فى القطاع العقارى ستعمل على التركيز أكثر خلال المرحلة المقبلة على قضية الكفاءة الإنتاجية، وستعمل على تغيير كيفية اتخاذ القرارات الإدارية، وإعادة تنظيم جوانب الإنفاق الرأسمالى، بينما سيشعر آخرون بأن الوقت حان للتوجه إلى مزيد من الرقمنة وتقديم عقارات أكثر تميزا وإغراء للمشترى أو المستأجر.

وأضاف أنه نظرًا لأن أزمة كورونا تؤثر فى القدرة الشرائية أو القدرة على الإيجار للمؤسسات والشركات التجارية، فإن الشركات العقارية فى أمس الحاجة لاتخاذ قرارات محددة واستراتيجيات واضحة لكيفية التعامل مع تحديات محددة على نطاق واسع.

ويقبل الدكتور ستيف أولد مان أستاذ الاقتصاد الدولى فى جامعة أكسفورد بوجه نظر «جيرمى سكوت» حول مستقبل الشركات العقارية الدولية، لكنه يؤكد أن المعالم الرئيسية لسوق العقار الدولية فى المرحلة المقبلة، ستكون قائمة على مزيد من الهيمنة لمصلحة الشركات العقارية متعددة الجنسيات، حيث إن الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تفشى وباء كورونا، ستعزز من قدرة تلك الشركات الدولية التى تمتلك رؤوس أموال ضخمة فى مواجهة الشركات الوطنية الصغيرة والمتوسطة وحتى الكبيرة التى تعرضت لخسائر ضخمة فى عديد من الاقتصادات الناشئة نتيجة سياسات الإغلاق.

وأضاف أنه فى أفضل الأحوال ستكون تلك الشركات الوطنية وكيل محلى للشركات الدولية، وحتى إذا كان البعض يرى أن تلك الشركات الوطنية كانت دائما تلعب دور الوكيل المحلى، فإن قدرتها على المساومة مع الشركات العقارية متعددة الجنسيات تراجعت نتيجة انخفاض قدرتها المالية مقارنة بالشركات العالمية.

وأشار إلى أن المظهر الآخر للتغير فى السوق العقارى الدولى أن الشركات العقارية الآسيوية ستلعب دورًا أكبر على الساحة الدولية فى المرحلة المقبلة مقارنة بوضعها قبل تفشى الوباء.

ومع هذا يفضل عدد من المحللين عدم تناول مستقبل القطاع العقارى من زاوية التقديرات المستقبلية مفضلين طرح مجموعة من السيناريوهات المختلفة تجاه المستقبل.

السيناريو الأول يرى أن الاستثمار فى القطاع العقارى سيظل أقل بكثير من مستويات ما قبل الوباء وذلك حتى عام 2023، لفقدان الثقة بالاقتصاد العالمى من جانب، وللتغيرات النفسية التى أحدثها الوباء فى سلوكيات البشر، وعدم الرغبة فى الانتقال إلى عقار سكنى جديد، فى تلك الأوقات التى تتسم بمخاطر صحية عالية، فى الوقت ذاته فإن عددًا من الشركات والمؤسسات ستعيد تنظيم احتياجاتها الإدارية والمكتبية من حيث المساحة وربما تفضل الانتقال إلى مساحات أقل حجمًا وتكلفة خاصة أن جزءًا كبيرًا من العمالة يتوقع أن تواصل العمل من المنزل فى العامين المقبلين على الأقل ما يعنى أن القطاع سيتمتع بنمو منخفض للغاية.

ويتفق هذا السيناريو مع توجه عام من قبل المديرين التنفيذيين لعدد من الشركات الذين يسعون إلى التغلب على تراجع الأرباح فى العام الماضى، بخفض تكاليف الإيجارات العقارية، عبر تكتيكات تتضمن خفض مساحات المكاتب وتسريع إغلاق الفروع، وإعادة التفاوض بشأن الإيجارات.

ووجد استطلاع أجراه معهد المديرين فى المملكة المتحدة فى أكتوبر الماضى أن 74 فى المائة من الشركات تخطط للاستفادة بشكل أكبر من العمل من المنزل بمجرد انحسار الوباء، حيث يعتزم أكثر من النصف تقليل مساحة العمل التى يستخدمونها.

السيناريو الثانى تشير إليه المهندسة المعمارية جاك كوك، حيث تستبعد أن يكون هناك ما يمكن وصفه باتجاه عالمى للقطاع العقارى خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، وإنما سيتفاوت الوضع من منطقة إلى أخرى فى العالم، فالصين وبعض بلدان منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ ونتيجة لاستعادة توازنها الاقتصادى أسرع من بلدان أوروبا الغربية والولايات المتحدة، ستشهد ازدهارًا فى التنمية العقارية مقارنة بالاقتصادات الأوروبية والأمريكية حتى الاقتصادات الناشئة، ويتوقع أن يشهد الاستثمار العقارى السكنى الآسيوى زيادة بنحو 105 فى المائة نتيجة شراء مجموعة بلاك ستوان مجموعة من الشقق اليابانية مقابل ما يقرب من ثلاثة مليارات دولارات.

السيناريو الثالث يرى أن القطاع العقارى العالمى سيشهد انتعاشًا قويًا خلال الفترة المقبلة شريطة تدخل الحكومات بقوة لدعمه.

ويعتقد ميركرى ديفيد الباحث الاقتصادى فى مجال التنمية أن هذا السيناريو ربما يحظى بالاحتمال الأكبر فى الأعوام المقبلة.

وقال إن عددًا من الاقتصادات الرئيسية فى العالم ستجد أن ضخ تدفقات مالية ضخمة للنهوض بالبنية الأساسية، سيساعدها فى انتشال اقتصاداتها من الركود سريعًا، خاصة أن قطاع البنية الأساسية يمثل قاطرة لمجمل الاقتصادى الوطنى، عبر تشغيل عدد من الصناعات الداعمة له، وقدرته على استيعاب عدد من القوة العاملة، وهذا ما يفسر تصريحات رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون بأن حكومته ستواصل البناء والبناء لدفع عجلة النمو، وسيوجد هذا مزيدًا من الأصول العقارية للاستثمار فيها ويخفض معدلات البطالة.