قال عبد الرحمن الحسامي، خبير تكنولوجيا المعلومات، إن أرباح شركات التكنولوجيا الكبرى لا تعود فقط إلى عبقرية منتجاتها، بل إلى منظومات ذكية متكاملة تعتمد على فهم عميق لسلوك المستخدمين وبناء الاعتماد طويل الأمد عليهم، مشيرًا إلى أن هذه الشركات توظف خبرات تقنية ونفسية في آنٍ واحد لرفع معدلات الاستخدام وإعادة الاستخدام.
وأوضح الحسامي في مداخلة مع قناة الشرق بلومبرج، أن ما تقدمه هذه الشركات ليس مجرد «منتج ذكي»، بل منظومة كاملة مصممة بعناية لتجعل المستخدم يعتمد عليها بشكل دائم، وهو ما يفسر مستويات الـRetention العالية التي تحققها منصات التواصل والتطبيقات الرقمية الكبرى.
وحول المخاوف الأخلاقية المرتبطة بالوصول الهائل إلى بيانات المستخدمين، أكد الحسامي أن ما يحدث اليوم هو امتداد تاريخي لما عُرف سابقًا بـ«هندسة الجمهور»، والتي مورست عبر الصحافة ثم الراديو والتلفزيون، لكن الفارق اليوم هو الوصول المباشر والفوري للجمهور عبر المنصات الرقمية. واعتبر أن هذا التطور جعل التأثير أعمق وأكثر خطورة، خصوصًا في المجال السياسي.
وأشار إلى أن صعود الشعبوية في عدد من الانتخابات العالمية، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا، يرتبط بشكل مباشر باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في توجيه الرأي العام، مضيفًا أن «كلما زادت الشعبوية زادت فرص الفوز»، بغض النظر عن القيم التقليدية التي تأسست عليها الدول. وأكد أن هذا التأثير يعتمد على معرفة دقيقة باهتمامات المستخدمين وسلوكهم ومشاعرهم، وقدرة المنصات على تحريك هذه المشاعر إيجابًا أو سلبًا.
وحول استمرارية شركات التكنولوجيا الكبرى، أوضح الحسامي أن عملها قائم على التحليل العميق للبيانات وفهم كيفية تغيّر الآراء عبر منشور أو رسالة واحدة، مشيرًا إلى أن الجمهور ليس كتلة ثابتة بل متحرك ويتأثر بطرق مختلفة. وأضاف أن الاستثمارات الضخمة في الذكاء الاصطناعي تهدف بالدرجة الأولى إلى تعزيز الربحية والحفاظ على أكبر قاعدة بيانات ممكنة، في ظل المنافسة الشرسة بين المنصات.
ولفت إلى أن تاريخ منصات التواصل يوضح هذا السلوك التنافسي، بدءًا من Hi5 مرورًا بـ«فيسبوك» و«إنستغرام» و«سناب شات»، حيث تسعى كل منصة للاحتفاظ بالجمهور أطول فترة ممكنة لجذب المعلنين، باعتبار أن الإعلانات هي المصدر الرئيسي للإيرادات.
وفي حديثه عن مستقبل الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية، حذّر الحسامي من مخاطر الاعتماد الكامل عليه، مؤكدًا أن الأنظمة الذكية تفتقر إلى التحليل العاطفي الحقيقي، وتعتمد في إجاباتها على البيانات التي جمعتها عن المستخدم وسلوكه. وأوضح أن النظام قد يعطي إجابات مختلفة للسؤال نفسه لأشخاص مختلفين، بناءً على أنماط سلوكهم، وهو ما قد يؤدي إلى قرارات غير متوازنة في مواقف حساسة.
وشدد الحسامي على ضرورة التعامل مع الذكاء الاصطناعي كأداة لتسريع المهام وتحسين البحث والإنتاجية، دون السماح له بالتحكم في القرارات أو توجيه السلوك البشري بشكل كامل. وختم بالقول إن الاستخدام الواعي هو الأساس، «نستفيد منه، لكن لا نسمح له بأن يستغلنا أو يحركنا كما يريد».
تابعوا آخر أخبار العقارية على نبض