في فرنسا، أثار الجدل حول أسماء المواليد نقاشًا أوسع يتعلق بالهوية الوطنية والاندماج الاجتماعي، إذ تحول اختيار الاسم الأول للطفل إلى قضية سياسية حساسة. وبحسب تقرير جوزيف لوكور لمجلة لوبوان، فإن حرية تسمية الأطفال، التي استمرت لعقود، تواجه اليوم تحديًا جديدًا بعد أن دعا اليميني المتطرف إريك زمور إلى إحياء قانون 1803 المعروف باسم "قانون نابليون"، الذي كان يقيد اختيار الأسماء بالأسماء المعتمدة رسميًا.
زمور وعودة قانون 1803
إريك زمور، المعروف بمواقفه المتشددة تجاه الهجرة والإسلام، يرى أن القانون الملغى كان سيمنع الأسماء المرتبطة بالثقافة الإسلامية مثل "محمد" و"عائشة"، معتبرًا أن ذلك يعزز قيم الجمهورية الفرنسية. إلا أن التاريخ يوضح أن القانون لم يُطبق حرفيًا، وكتبت صحيفة "لالوا" عام 1912 أن القانون "لم ينظم شيئًا على الإطلاق".
حرية التسمية منذ 1993
منذ عام 1993، منحت فرنسا الأهالي حرية كاملة في تسمية أطفالهم، ما جعل أي محاولة لتسييس هذا الاختيار الحميمي تواجه رفضًا واسعًا. وتشير المجلة إلى أن تقنين أكثر الجوانب الشخصية في حياة الأفراد لن يساهم في بناء الأمة، بل قد يعكس تراجعًا في الحرية الفردية.
الاسم كمعيار للتمييز الاجتماعي والديني
على صعيد آخر، طالب بعض النواب بقيادة فرانسوا روفان بإدراج الاسم الأول ضمن معايير التمييز القانوني، معتبرين أن الاسم يعكس الهوية الاجتماعية والدينية للفرد، ويؤثر على فرصه في الحياة العملية. دراسة معهد السياسات العامة عام 2021 أظهرت أن أصحاب الأسماء ذات الأصول المغاربية يواجهون انخفاضًا في فرص الاتصال من الشركات بنسبة تتجاوز 30% مقارنة بغيرهم، رغم تساوي المؤهلات.
تحول المجتمع الفرنسي
علماء الاجتماع يوضحون أن الاسم كان مرتبطًا بالسلالة العائلية والهوية الجماعية، ففي عام 1900 كانت نسبة 20% من الفتيات تحمل اسم "ماري"، وكانت الأغلبية تختار أسماء من التراث المسيحي. لكن منذ ستينيات القرن الماضي، ظهرت موجة هائلة من الأسماء النادرة، تعكس تحول المجتمع الفرنسي نحو الفردانية وابتعادها عن نموذج ثقافي مشترك.
تأثيره الاسم على الحياة الشخصية والمهنية
يصف الباحثون الاسم الأول بأنه "وشم اجتماعي" يرافق صاحبه طوال حياته ويؤثر في فرصه المهنية والشخصية. وعالم الاجتماع باتيست كولمون يرى أن مسؤولية اختيار الاسم أصبحت أثقل اليوم، لأنها أكثر تأثيرًا مما كانت عليه في الماضي. بالمقابل، يؤكد الاقتصادي مهود، وهو مهاجر يحمل اسمًا عربيًا، أن الاسم الأجنبي لا يتعارض مع الاندماج الكامل في المجتمع الفرنسي.
الهوية ليست بالأسماء
تذكر المجلة بما طرحه الكاتب الفرنسي إرنست رينان، أن الأمة قائمة على الرغبة في "العيش المشترك"، وليس على العِرق أو الدين. ومن هذا المنطلق، فإن جذْب الأهالي لاختيار أسماء فرنسية لن يتحقق بالقسر، بل من خلال جاذبية الثقافة نفسها. في نهاية المطاف، تكشف معركة الأسماء عن أزمة أعمق تتعلق بتفتت الهوية وتراجع المشترك وصعود الفردانية، مؤكدين أن الاندماج الحقيقي يبدأ باللغة والتعليم والانتماء الطوعي، وليس بتقييد الاسم الأول.
تابعوا آخر أخبار العقارية على نبض