مع اشتداد أزمة ندرة المياه حول العالم، تتزايد التحذيرات من تأثيرات اقتصادية واجتماعية واسعة تُهدد مسار النمو العالمي واستقرار أسواق العمل خلال العقود المقبلة، إذ يستهلك البشر سنوياً نحو 4.3 تريليون متر مكعب من المياه العذبة، فيما تشير تقديرات دولية إلى احتمال ارتفاع الطلب على المياه بنسب تتراوح بين 20 و50% بحلول عام 2050، وفي بعض المناطق، قد ينعكس هذا النقص بخسائر تصل إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعل اعتماد حلول مستدامة وقابلة للتوسع ضرورة لا خياراً.
استثمارات ضخمة تدفع الخليج لصدارة الابتكار المائي
وفي خضم هذه التحديات، يبرز مجلس التعاون الخليجي كأحد أهم الأقاليم التي تتعامل بجرأة مع أزمة الموارد المائية، بعدما أعلن عن التزام استثماري يقدّر بنحو 30 مليار دولار حتى عام 2030 لدعم مشاريع البنية التحتية وضمان الإمدادات المستقبلية.
إجمالي الإنفاق العالمي على المياه
وتمثل هذه الاستثمارات قرابة 10% من إجمالي الإنفاق العالمي على المياه، رغم أن المنطقة تمتلك أقل من 1% من الموارد العذبة المتاحة عالمياً، ما يؤكد التحول الاستراتيجي للخليج نحو أن يصبح مركزاً دولياً للابتكار في تقنيات المياه.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن الخليج لم يعد يهدف فقط إلى تأمين احتياجاته المحلية، بل يسعى لبناء صناعة تصديرية متكاملة تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة، خصوصاً في مجال التحلية. فقد أصبحت محطات الجيل الجديد نموذجاً عالمياً في الكفاءة، باستهلاك لا يتجاوز 2.8 كيلوواط/ساعة لكل متر مكعب، وبكلفة إنتاج تصل إلى 0.41 دولار، ما يحول التحلية من حلول طارئة إلى صناعة قادرة على المنافسة العالمية.
كما لعبت الابتكارات الرقمية دوراً محورياً في تحسين إدارة الشبكات، إذ أظهرت التجربة في دبي قدرة الأنظمة الذكية على كشف 2.6 مليون تسريب وتوفير مليون متر مكعب خلال عامين فقط. ومع ضياع 126 مليار متر مكعب سنوياً على مستوى العالم بسبب هشاشة البنية التحتية، تبرز تقنيات المراقبة والتحكم كحلول توفر مليارات الدولارات وتحدّ من الهدر.
وفي موازاة ذلك، تتوسع مشاريع إعادة الاستخدام عبر تقنيات نانوية متقدمة تتيح استرجاع أكثر من 90% من المياه المعالجة بتكاليف أقل بنحو 25 دولاراً للمتر المكعب مقارنة بالتحلية العكسية.
ورغم هذا التقدم، تبقى تحديات الطاقة والتنظيم والقبول المجتمعي حاضرة، ما يستدعي تطوير معايير موحدة، وتعزيز برامج التوعية، وتبني مبادرات بحثية مشتركة تسهم في خفض التكاليف وتوسيع الاستخدام.
تابعوا آخر أخبار العقارية على نبض