هل تملك مصر مقومات التحول إلى عاصمة التصنيع في الشرق الأوسط؟


الجريدة العقارية الاربعاء 22 أكتوبر 2025 | 01:12 صباحاً
الصناعة في مصر
الصناعة في مصر
مصطفى عبدالله

تتجه مصر في السنوات الأخيرة بخطى متسارعة نحو تأسيس قاعدة صناعية مُتجددة، تهدف إلى إعادة هيكلة خريطة الإنتاج الوطني والدخول في حقبة اقتصادية يكون فيها التصنيع هو القاطرة الأساسية للنمو.

هذا الطموح الكبير يثير تساؤلاً جوهرياً: هل تمتلك مصر البنية التحتية الصلبة والمؤهلات الكافية لكي تصبح مركزاً إقليمياً لعشرات الصناعات الثقيلة والمتقدمة؟ أم أن الطريق ما زال معبداً بالتحديات التي تستوجب معالجات جذرية؟

الرؤية الحكومية والاستراتيجية الصناعية الطموحة

تحت مظلة "استراتيجية الدولة الصناعية"، أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عن قائمة بالصناعات المستهدفة التي تسعى مصر للتمحور حولها كمركز إقليمي.

وتشمل هذه القائمة قطاعات حيوية مثل الحديد والصلب، السيارات الكهربائية، الصناعات الهندسية والإلكترونية، البتروكيماويات، والهيدروجين الأخضر، باعتبارها صناعات المستقبل ومحركات التحول نحو اقتصاد تنافسي ومستدام.

من جانبها، وضعت وزارة الصناعة خريطة استثمارية طموحة تشمل أكثر من 28 صناعة، تتوزع بين صناعات تقليدية تتطلب تعميق المكون المحلي، وأخرى تكنولوجية تهدف إلى توطين الخبرات والمعرفة.

ويتمحور الهدف الاستراتيجي حول التوسع في الإنتاج، وتوطين التكنولوجيا، وتحقيق قيمة مُضافة حقيقية للاقتصاد الوطني.

مرتكزات القوة وتحديات الإدارة

تمتلك مصر منظومة فريدة من المقومات التي تمنحها موقعاً تنافسياً في المشهد الصناعي الإقليمي، أبرزها:

الموقع الجغرافي الاستراتيجي: كونه نقطة التقاء محورية بين ثلاث قارات، وقناة السويس التي تُمثل شرياناً حيوياً للتجارة العالمية.

السوق المحلية الكبيرة: التي تضم أكثر من 110 ملايين مستهلك.

البنية التحتية المتطورة: ممثلة في شبكة متنامية من الطرق والموانئ والمناطق الصناعية التي شهدت تطوراً كبيراً.

الاتفاقيات التجارية: التي تتيح سهولة الوصول إلى أسواق إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط.

إلا أن المفارقة اللافتة تكمن في أن هذه العناصر ذاتها، التي تعتبرها الدولة مرتكزات قوة، يراها الكثير من المستثمرين تحديات تتطلب كفاءة أعلى في الإدارة.

فالموقع المتميز لا يكتمل دون منظومة لوجستية منخفضة التكلفة، والبنية التحتية وحدها لا تكفي ما لم تقترن بسياسات طاقة مستقرة وبيئة تنظيمية مرنة.

عقبات هيكلية في مسيرة التحول

تواجه طموحات التحول الصناعي تحديات هيكلية معقدة:

تحدي الطاقة ودعم الصناعة: تُعد الطاقة العصب الأساسي لأي نهضة صناعية، لكنها تُمثل في الوقت ذاته أحد أكثر التحديات تعقيداً. فالصناعات الثقيلة (كالحديد والبتروكيماويات) تستهلك كميات هائلة من الغاز والكهرباء. وبعدما كانت مصر مُصدِّراً للطاقة قبل سنوات، أصبحت اليوم مُستورِدة للكهرباء، مما يفرض ضغطاً متزايداً على الموازنة العامة.

وهذا يضع الحكومة أمام معادلة صعبة: كيف يمكن دعم الصناعة دون تحميلها التكلفة الفعلية للطاقة؟ ويجمع الخبراء على أن توفير طاقة مستقرة بأسعار تنافسية هو الشرط الأول لتوطين الاستثمارات طويلة الأجل في القطاعات كثيفة الاستهلاك.

نقص العمالة المدربة: تتمتع مصر بقوة عمل ضخمة وتكلفة أجور منخفضة نسبياً، وهي ميزة تنافسية.

لكن في المقابل، يُمثل نقص العمالة الفنية المدربة عقبة هيكلية، إذ لا تزال الفجوة كبيرة بين مخرجات التعليم الفني واحتياجات السوق الفعلية.

ورغم توسع الدولة في إنشاء مدارس فنية متخصصة، تظل الخبرات الفنية والتقنية المتقدمة محدودة، مما ينعكس على كفاءة وجودة المخرجات الصناعية.

اعتماد سلاسل الإمداد على الخارج: تعاني العديد من الصناعات المصرية من اعتماد مرتفع على مدخلات الإنتاج المستوردة، سواء كانت خامات أساسية أو مكونات وسيطة.

ورغم امتلاك البلاد لمزايا نسبية في بعض الموارد (كالمعادن والأسمدة)، تظل صناعات مثل الإلكترونيات والكيماويات والإنشاءات الهندسية مرهونة بالخارج.

والنتيجة هي أن الجزء الأكبر من الواردات المصرية يتمثل حالياً في مستلزمات الإنتاج، مما يجعل الصناعة عرضة لتقلبات الأسواق العالمية ويضعف قدرتها على التوسع التصديري المستدام.

خلاصة الطريق نحو القيادة الإقليمية

يرى مستثمرون أن النهضة الصناعية لا تتحقق بالتوسع الأفقي في عشرات القطاعات في وقت واحد، بل بالتركيز على قطاعات محددة تمتلك فيها مصر ميزة نسبية واضحة، ومنحها حوافز مدروسة ومستمرة تشمل الطاقة والضرائب والتمويل.

وأكد الخبراء أن التجارب العالمية الناجحة (من كوريا إلى فيتنام) أثبتت أن التخصص في عدد محدود من الصناعات يجب أن يسبق التنويع.

مما لا شك فيه، تمتلك مصر المقومات التي تؤهلها لتكون مركزاً صناعياً إقليمياً مؤثراً.

لكن تحقيق ذلك يتطلب تحولاً هيكلياً عميقاً في السياسات الصناعية والطاقة والتعليم الفني، بالإضافة إلى بيئة استثمارية تتسم بمزيد من الاستقرار والوضوح في الحوافز والتشريعات.

يبقى السؤال مفتوحاً: هل تنجح مصر في ترجمة هذا الطموح إلى واقع يقودها نحو عصر صناعي جديد؟ هذا ما ستكشف عنه السنوات القليلة المقبلة.