حذر الدكتور محمود عبد الكريم، المحلل الاقتصادي، من التأثيرات العميقة للرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على سلاسل التوريد العالمية، مؤكدًا أن هذه الإجراءات من شأنها أن تعيد تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي وتدفع الشركات لإعادة هيكلة استثماراتها وتوريداتها.
وأوضح عبد الكريم في مداخلة مع قناة إكسترا نيوز، أن رفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية حتى 100% – كما صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – سيدفع الشركات إلى إعادة النظر في استراتيجياتها وتكاليفها، وهو ما قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في سلاسل التوريد.
وأشار إلى أن فك الارتباط التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم قد يؤدي إلى انخفاض الناتج العالمي بنسبة 7% على المدى الطويل، مستشهدًا بتصريحات صينية رسمية وتحولات فعلية في واردات الصين من فول الصويا، حيث توقفت عن استيراد الصويا الأمريكية في سبتمبر 2025 لأول مرة منذ 2018، وزادت وارداتها من البرازيل والأرجنتين بشكل لافت.
وفي السياق ذاته، حذر عبد الكريم من أن القيود الصينية على تصدير المعادن النادرة تمثل رسالة استراتيجية للولايات المتحدة، وليست مجرد خطوة تفاوضية، خاصة أن الصين تسيطر على 70% من إنتاج هذه المعادن و85% من عمليات تكريرها، وهي عناصر حيوية في الصناعات التكنولوجية والعسكرية.
مزارعو أمريكا غاضبون
أثار توقف الصين عن استيراد فول الصويا غضبًا واسعًا في أوساط المزارعين الأمريكيين، لا سيما في الولايات المؤيدة لترامب، ما قد يدفعه للعودة إلى طاولة المفاوضات بهدف التخفيف من حدة الأزمة وتجنب تراكم المحاصيل دون مشترٍ.
لا رابح في حرب الرسوم
يرى عبد الكريم أن كلاً من الصين وأمريكا تدفعان ثمنًا باهظًا نتيجة هذا التصعيد، فبينما تعاني الصين من تباطؤ في نموها الصناعي وتراجع الاستثمارات الأجنبية بنسبة 11.7% في 2025، تواجه الولايات المتحدة ارتفاعًا في التضخم وتكاليف المستهلك، حيث بلغت خسائر الشركات الأمريكية نتيجة الرسوم الجمركية أكثر من 35 مليار دولار هذا العام.
تحذيرات واقعية من منظمة التجارة
أشار عبد الكريم إلى أن تحذيرات منظمة التجارة العالمية بشأن تراجع الناتج العالمي بنسبة 7% نتيجة تصاعد التوترات التجارية، تستند إلى نماذج واقعية، حيث تُظهر أن تفكك سلاسل التوريد بين الصين وأمريكا سيؤثر على الإنتاج الصناعي العالمي والتجارة بشكل مباشر.
الأسواق الناشئة على خط النار
وفيما يخص الأسواق الناشئة والدول النامية، أوضح عبد الكريم أن هناك توجهًا عالميًا نحو "إعادة التموضع" في دول ذات تكلفة إنتاج منخفضة مثل فيتنام والهند وإندونيسيا والمكسيك، وهو ما قد يحمل فرصًا وتحديات جديدة لهذه الدول في ظل التحولات الجيوسياسية والاقتصادية.
حل وحيد
وختم عبد الكريم حديثه بالتأكيد على أن لا مفر من التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وبكين، حيث يسعى ترامب إلى كسب التأييد الشعبي، فيما تبحث الصين عن الاستدامة الاقتصادية. الحل الوحيد، من وجهة نظره، هو التفاوض وخفض الرسوم الجمركية من الجانبين للوصول إلى صيغة تُرضي الطرفين وتجنب الاقتصاد العالمي مزيدًا من الأضرار.