شهدت الأسواق العالمية أسبوعاً حافلاً بالتطورات الاقتصادية والسياسية، تميز بتحركها بين موجات متناوبة من التفاؤل الحذر.
يأتي هذا التذبذب وسط تزايد الضبابية المحيطة بمستقبل الاقتصاد العالمي والتوجهات المرتقبة للسياسات النقدية، بالإضافة إلى تجدد المخاوف من تصاعد وتيرة الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين عالميين.
في الوقت الذي تواصل فيه الحكومات والبنوك المركزية معالجة تحديات النمو ومكافحة التضخم، لعبت التطورات السياسية في كل من الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا دوراً محورياً في توجيه بوصلة المستثمرين نحو مختلف فئات الأصول.
على الرغم من تعدد مصادر القلق – بدءاً من مخاطر الإغلاق الحكومي المحتمل في واشنطن، مروراً بالتقلبات الحادة في أسواق الطاقة، وصولاً إلى تزايد الضغوط الائتمانية – ظلت شهية المستثمرين للمخاطرة قائمة.
وقد تغذت هذه الشهية على توقعات متباينة بشأن أرباح الشركات ومسار أسعار الفائدة خلال الأشهر القادمة. وقد انعكست هذه الموازنة الدقيقة بين الحذر والطموح على أداء الأسواق، الذي أظهر تفاوتاً واضحاً بين مؤشرات الأسهم والسلع.
في المقابل، اتجهت الأنظار بقوة نحو الملاذات الآمنة، مدفوعة بالتوترات الجيوسياسية وتبدد بعض مؤشرات الثقة في استقرار النظام المالي العالمي.
وبناءً عليه، عاد الذهب إلى واجهة المشهد، مدعوماً بموجة شراء قوية من المؤسسات والمستثمرين الأفراد على حد سواء.
الأداء الإيجابي للمؤشرات الأمريكية
على الرغم من الضغوطات المتزامنة – ما بين شبح الإغلاق الحكومي والمخاوف المتعلقة بالبنوك الإقليمية، بالإضافة إلى الشكوك التي أثارها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص العلاقات التجارية مع الصين قبل أن يتراجع عن حدتها – اختتمت المؤشرات الأمريكية أسبوعاً إيجابياً:
داو جونز الصناعي: ارتفع إلى 46190.61 نقطة، مسجلاً زيادة نسبتها 1.56% مقارنة بالأسبوع السابق.
ستاندرد آند بورز 500: صعد إلى 6664.01 نقطة، محققاً ارتفاعاً بنسبة 1.70% خلال الأسبوع.
ناسداك (القطاع التكنولوجي): كان الرابح الأكبر بإغلاقه عند 22679.98 نقطة، ليحقق مكاسب أسبوعية بلغت 2.14%.
تعكس هذه المكاسب الجماعية استمرار الزخم في الأسهم الأمريكية، مدفوعاً بتركيز المستثمرين على موسم نتائج أعمال الشركات الكبرى، خاصة بعد النتائج القوية التي أعلنت عنها البنوك الرئيسية.
وتفاوت أداء شركات التكنولوجيا الكبرى؛ حيث قفزت أسهم "تسلا" بأكثر من 6%، وارتفعت أسهم "أبل" بنحو 3%، وصعدت "ميتا" بنحو 1.5%، بينما سجلت "أمازون" تراجعاً نسبته 1.5%، وانخفضت "أوراكل" بأقل من 1%، وقدمت "إنفيديا" أداءً مستقراً.
تراجع المعنويات في الأسواق الأوروبية
مع تزايد المخاوف المرتبطة بمؤشرات أزمة ائتمانية في الولايات المتحدة، وجدت الأسواق الأوروبية نفسها تحت الضغط هذا الأسبوع، إذ تراجعت معنويات المستثمرين واتجهوا نحو أصول الملاذات الآمنة، وفي مقدمتها الذهب.
ومع ذلك، استطاع المؤشر الأوروبي "ستوكس 600" أن يتمسك نسبياً، محققاً مكاسب أسبوعية بنسبة 0.4% منهياً التعاملات عند مستوى 566.24 نقطة.
في المقابل، تراجع المؤشر الألماني "داكس" بنسبة 1.69% منهياً الأسبوع عند النقطة 23830.99.
أما المؤشر الفرنسي "كاك" فقد حقق أفضل أداء بين نظرائه بارتفاعه بنسبة 3.24%، متأثراً بالتطورات السياسية التي شهدتها البلاد مؤخراً، وأغلق عند مستوى 8174.20نقطة.
بينما انخفض المؤشر البريطاني "فوتسي 100" بنحو 0.77% إلى النقطة 9354.57.
تراجع المؤشر الياباني وأسعار النفط
في طوكيو، سجل مؤشر "نيكاي" الياباني خسائر أسبوعية بنحو 1% منهياً التعاملات عند مستوى 47582.15 نقطة، وذلك بعد أن ألمح محافظ بنك اليابان إلى احتمال رفع أسعار الفائدة في شهر أكتوبر.
أما أسعار النفط فقد سجلت خسائر أسبوعية بأكثر من 2% بعد إعلان وكالة الطاقة الدولية عن توقعاتها بزيادة فائض المعروض. وتترقب الأسواق انفراجة في الملف الروسي الأوكراني قد تخفف من المخاوف نسبياً، خاصة بعد الكشف عن اجتماع مرتقب جديد بين الرئيسين ترامب وبوتين.
انخفضت العقود الآجلة لخام برنت إلى 61.29 دولاراً للبرميل، وتراجعت العقود الآجلة للخام الأمريكي إلى 57.54دولاراً للبرميل.
ورفعت وكالة الطاقة الدولية في أحدث تقاريرها توقعاتها لفائض المعروض بمقدار 3ملايين برميل يومياً.
وفي إطار الضغط على روسيا، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسمياً أن "الهند لن تقدم على شراء النفط من موسكو من الآن".
الذهب يواصل تحقيق المكاسب القياسية
واصل الذهب مكاسبه الأسبوعية ليختتم التعاملات مستقراً فوق مستويات 4200 دولار للأونصة، مسجلاً نمواً بنسبة تقارب 5%خلال الأسبوع.
وكان المعدن الأصفر قد سجل أعلى مستوى له على الإطلاق عند 4378.69 دولاراً للأونصة يوم الجمعة.
وجاءت هذه المكاسب مدعومة بتزايد الإقبال عليه بوصفه ملاذاً آمناً في ظل حالة عدم اليقين المسيطرة على المشهد الاقتصادي العالمي ومخاوف تباطؤ النمو.
ومع استمرار التحديات الجيوسياسية وارتفاع مستويات الدين العالمي، عزز المستثمرون مراكزهم في الأصول الآمنة، ليظل الذهب الوجهة المفضلة للتحوّط من تقلبات العملات والتضخم، مما منحه زخماً إضافياً نحو مستويات قياسية جديدة.