تدخل أوروبا شتاءها المقبل وهي تواجه تحديات متزايدة في ملف الطاقة، وسط تراجع واضح في إمدادات الغاز من روسيا والجزائر، ما يدفع الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز اعتماده على الغاز الطبيعي المسال القادم من الولايات المتحدة لتأمين احتياجاته.
وتشير تقديرات حديثة إلى أن القارة ستحتاج إلى استيراد ما يقارب 160 شحنة إضافية من الغاز المسال هذا العام، ليصل إجمالي الواردات إلى نحو 820 ناقلة، مقارنة بـ660 ناقلة في عام 2024، في ظل انخفاض مستويات التخزين وتراجع إمدادات خطوط الأنابيب.
الولايات المتحدة تهيمن على إمدادات الغاز الأوروبية
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، سعت أوروبا إلى فك ارتباطها بالغاز الروسي تدريجياً، فاتجهت إلى السوق الأمريكية التي أصبحت المورّد الأول للقارة.
وتشكل الشحنات الأمريكية حالياً نحو 58% من واردات الغاز الأوروبية، فيما يُتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 70% بين عامي 2026 و2029 مع بدء تنفيذ قرارات الاتحاد الأوروبي بحظر استيراد الغاز الروسي المسال اعتباراً من 2027، والغاز عبر الأنابيب اعتباراً من 2028.
ورغم أن الغاز الأمريكي أنقذ أوروبا من أزمة طاقة خانقة خلال شتاء 2022، إلا أن هذا الاعتماد المتزايد يثير قلق عدد من الحكومات الأوروبية التي تخشى من الارتباط المفرط بواشنطن، خاصة في ظل التوترات التجارية المتصاعدة وقرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في عام 2025 فرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي.
ويرى خبراء أن هذا الاعتماد يجعل أوروبا أكثر عرضة للتقلبات الجيوسياسية وتغير السياسات التجارية الأميركية.
خيارات محدودة خارج الولايات المتحدة
تبدو فرص أوروبا لتنويع مصادرها محدودة في الوقت الراهن. فإمدادات الجزائر – أحد أهم مزودي القارة من شمال إفريقيا – تشهد تراجعاً ملحوظاً، بينما تواجه النرويج، أكبر منتج للغاز في أوروبا، انخفاضاً تدريجياً في إنتاجها على المدى المتوسط. وفي المقابل، لا تزال القدرات التصديرية لدول مثل قطر ونيجيريا غير كافية لسد الفجوة المتزايدة في السوق الأوروبية.
هذا الوضع يضع أوروبا أمام معادلة صعبة: الاعتماد على الغاز الأميركي عالي التكلفة والمتقلب في أسعاره الفورية، في مقابل استقرار نسبي كانت توفره عقود الغاز طويلة الأجل عبر الأنابيب الروسية والجزائرية.
تراجع المخزونات يهدد شتاء 2026
المخاطر لا تقتصر على الإمدادات فقط، بل تمتد إلى قدرات التخزين الأوروبية. فقد أظهرت بيانات Gas Infrastructure Europe أن مستوى المخزون بلغ 82.75% من السعة في 4 أكتوبر 2025، مقارنة بـ94.32% في نفس الفترة من العام الماضي، وهو أدنى مستوى منذ عام 2021. كما هبطت المخزونات في مارس الماضي إلى أقل من 34%، الأدنى منذ عام 2022.
وتحذر تقارير من شركة كبلر (Kpler) من احتمال هبوط المخزونات إلى نحو 29% فقط بنهاية شتاء 2026، وهو أدنى مستوى منذ سبع سنوات، مما سيجبر الدول الأوروبية على عمليات ضخ وسحب أكثر كثافة، ويزيد الضغط على شبكات التخزين والبنية التحتية للطاقة.
الطلب الآسيوي يضغط على الأسعار
تتأثر أوروبا كذلك بالتطورات في الأسواق العالمية، خصوصاً في آسيا، حيث قد يؤدي ارتفاع الطلب الصيني إلى رفع أسعار الغاز المسال عالمياً، وتقليص قدرة أوروبا على إعادة بناء مخزوناتها في الوقت المناسب قبل الشتاء المقبل.
ويرى محللون أن الاعتماد على السوق الفورية للغاز المسال يجعل القارة أكثر حساسية لتقلبات الأسعار، بخلاف الغاز عبر الأنابيب الذي يُباع عادة بعقود ثابتة وطويلة الأجل.
مستقبل الطاقة الأوروبية بين الاعتماد والمخاطر
في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن مشهد الطاقة في أوروبا يتجه نحو اعتماد متزايد على الغاز الأميركي يقابله تراجع في التنوع الأمني للطاقة، ما قد يعرض القارة لتقلبات اقتصادية وجيوسياسية أكبر في السنوات القادمة.
ورغم نجاحها في تجاوز أزمة 2022 بفضل تدفقات الغاز من الولايات المتحدة، إلا أن استمرار هذا الاتجاه يجعل أمن الطاقة الأوروبي مرهوناً بالسياسات الأميركية والأسواق العالمية، في وقت تتسارع فيه التحولات نحو الطاقة النظيفة دون بدائل جاهزة قادرة على سد الفجوة الحالية.