حرب أكتوبر 1973.. ملحمة العبور واستعادة الكرامة وبداية طريق السلام


الجريدة العقارية الاحد 05 أكتوبر 2025 | 02:51 مساءً
ذكرى حرب 6 أكتوبر 1973
ذكرى حرب 6 أكتوبر 1973
حسين أنسي

يحتفل الشعب المصري، غدًا الإثنين الموافق 6 أكتوبر 2025، بمرور 52 عامًا على ذكرى انتصار حرب 6 أكتوبر 1973 المجيد، لم يكن ذلك اليوم مجرد يومًا عابرًا في حياة المصريين، بل كان يومًا وُلدت فيه الكرامة من جديد، وتبدلت فيه ملامح التاريخ، حين دوّى صوت المدافع المصرية معلنًا ميلاد فجرٍ عربيٍ جديد، في تمام الساعة الثانية ظهرًا، شق الأبطال مياه القناة بصدورٍ مؤمنة وعزائم لا تلين، ليكتبوا بأحرفٍ من دم ونور ملحمة العبور الخالدة، التي حطمت أوهام العدو، وأسقطت أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر".

كان المشهد مهيبًا.. جنود يصنعون المجد فوق ضفةٍ كانت يومًا جرحًا، وسماء تموج بصقور مصرية تمطر نيرانها على مواقع العدو، وشعبٌ بأكمله يقف خلف جيشه مؤمنًا بأن الحق لا يُنتزع إلا بالقوة، وأن الأرض لا تُسترد إلا بالتضحية.

لقد كانت حرب أكتوبر المجيدة أكثر من نصرٍ عسكري؛ كانت انتصارًا للكرامة، واستعادة للهوية، ودرسًا خالدًا في الإيمان والإرادة، حين قررت مصر أن تنهض من تحت ركام الهزيمة لتعيد كتابة التاريخ بحروف من ذهب وتجسيد معنى البطولة والفخر.

أعظم معركة في يالتاريخ الحديث

كانت حرب السادس من أكتوبر 1973 نقطة تحول استراتيجية غيرت موازين القوى في الشرق الأوسط، بعد أن تمكن الجيش المصري من تحطيم خط بارليف الذي وصفته إسرائيل بـ"الخط الذي لا يُقهر"، واستعادة السيطرة على شبه جزيرة سيناء التي احتلتها إسرائيل في يونيو 1967.

بداية الحرب.. الثانية ظهرًا لحظة العبور التاريخي

في تمام الساعة الثانية من ظهر يوم السبت 6 أكتوبر 1973 (العاشر من رمضان 1393 هـ)، بدأت القوات المسلحة المصرية أعظم معركة في التاريخ الحديث.. معركة العبور المجيدة التي أعادت لمصر والعرب كرامتهم، وأثبتت أن المستحيل يمكن تحقيقه بالإرادة والتخطيط والإيمان.

بدأت المدفعية المصرية في إطلاق قصف مركز استمر أكثر من 50 دقيقة على طول خط المواجهة مع العدو الإسرائيلي.

وبعدها، تقدمت موجات أكثر من 220 طائرة مقاتلة مصرية في هجوم جوي مباغت على المواقع الإسرائيلية في سيناء وقناة السويس، لتبدأ بعدها عملية عبور قناة السويس في واحدة من أكثر العمليات العسكرية تعقيدًا في التاريخ الحديث.

تمكن نحو 80 ألف جندي مصري من عبور القناة خلال الساعات الست الأولى فقط من بدء الهجوم، مستخدمين 2000 قارب مطاطي وخشبي، وتم نصب 10 جسور متحركة لتسهيل عبور الدبابات والمدرعات إلى الضفة الشرقية.

وبفضل خطة دقيقة أعدها القادة العسكريون المصريون، تم فتح ثغرات في الساتر الترابي لخط بارليف باستخدام مضخات المياه عالية الضغط في وقت قياسي، مما مهد الطريق أمام القوات المصرية لاقتحام المواقع الإسرائيلية والسيطرة عليها.

تحطيم خط بارليف وهزيمة إسرائيل

كان خط بارليف، الذي أنشأته إسرائيل بعد احتلال سيناء عام 1967، يتكون من سلسلة تحصينات قوية تمتد بطول 170 كيلومترًا على الضفة الشرقية لقناة السويس، مزودة بالخنادق والدشم ومراكز المراقبة والمدافع الثقيلة.

إلا أن القوات المصرية نجحت خلال 6 ساعات فقط في تحطيم أكثر من 90% من تحصيناته، والسيطرة على أغلب النقاط الحصينة.

بحلول نهاية يوم 7 أكتوبر، كانت القوات المصرية قد أقامت رؤوس كباري بطول 15 كيلومترًا وعمق 10 كيلومترات شرق القناة، وسط انهيار دفاعات الجيش الإسرائيلي.

وشهدت الأيام التالية معارك شرسة حاولت فيها القوات الإسرائيلية شن هجمات مضادة لاستعادة مواقعها، لكنها فشلت أمام بسالة المقاتل المصري الذي تمسك بالأرض وواصل التقدم شرقًا.

وأجبرت الهزيمة غير المتوقعة إسرائيل على طلب المساعدة العاجلة من الولايات المتحدة الأمريكية، التي بدأت في تنفيذ عملية "نيكل جراس" الجوية لنقل الأسلحة والإمدادات إلى إسرائيل لتعويض خسائرها الضخمة.

الأرقام تتحدث: خسائر العدو وانتصارات الجيش المصري

خسائر إسرائيل في حرب أكتوبر:

تدمير أكثر من 800 دبابة.

إسقاط أكثر من 120 طائرة مقاتلة.

مقتل نحو 2600 جندي وإصابة 7000 آخرين.

أسر 300 جندي إسرائيلي على يد القوات المصرية والسورية.

خسائر مصر:

نحو 8000 شهيد و20 ألف مصاب.

تدمير نحو 400 دبابة وإسقاط عدد محدود من الطائرات.

ورغم الفارق في الدعم العسكري بين الجانبين، فقد تمكنت القوات المصرية من تحقيق نصر استراتيجي كبير، وأثبتت للعالم أن الجيش المصري لا يُهزم إذا ما قرر القتال من أجل الأرض والعزة والكرامة.

الطريق إلى السلام: من نصر الحرب إلى نصر الدبلوماسية

بعد أن وضعت الحرب أوزارها، بدأ الرئيس الراحل محمد أنور السادات صفحة جديدة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، بإطلاق مبادرة السلام التاريخية التي تُوجت بـزيارة السادات للقدس عام 1977، ثم توقيع اتفاقية كامب ديفيد في سبتمبر 1978، برعاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن.

وفي 26 مارس 1979، تم توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية رسميًا في واشنطن، والتي نصت على انسحاب إسرائيل الكامل من شبه جزيرة سيناء مقابل تطبيع العلاقات.

وبذلك تمكنت مصر من استرداد كل شبر من أرضها المحتلة حتى طابا عام 1989، لتثبت للعالم أن السلام يمكن أن يُبنى على أساس القوة والكرامة الوطنية.

إرث حرب أكتوبر

تُعد حرب أكتوبر المجيدة واحدة من أعظم المعارك العسكرية في القرن العشرين، لما جسدته من تلاحم بين الجيش والشعب، وإيمان بالقدرة على تحقيق المستحيل.

وما زالت ذكراها حتى اليوم رمزًا للفخر والعزة، ودليلًا على أن مصر قادرة على الدفاع عن أرضها في أي وقت.

لقد أعادت هذه الحرب رسم خريطة الشرق الأوسط سياسيًا وعسكريًا، وأكدت أن السلام العادل لا يتحقق إلا من موقع القوة.

ذكرى حرب 6 أكتوبر 1973
ذكرى حرب 6 أكتوبر 1973
ذكرى حرب 6 أكتوبر 1973
ذكرى حرب 6 أكتوبر 1973
ذكرى حرب 6 أكتوبر 1973